اقتلاع المشروع الإيراني من اليمن. هل يمر عبر تجويع الجنوبيين؟

>
سياسة التجويع التي تمارسها الشرعية بحق أبناء الجنوب ليست بغريبة فقد اعتدنا منذ عقود على مثل هذه السياسية العبثية التي كانت ولا زالت تستهدف الجنوبيين الذين أذاقتهم الشرعية الملعونة كل أصناف القهر والإذلال والاستبداد والاستعباد الذي لم يبارح سماء حياتنا اليومية طوال العقود الماضية التي أظهر خلالها نظام الاحتلال اليمني مدى قسوته الشديدة على الجنوبيين الذين ظلت معاناتهم تشتد من عام إلى آخر دون أن يطرأ أي تحول إيجابي في مواقف نظام الاحتلال لصالح أبنا الجنوب الذين كانوا ولا زالوا محرومين من أبسط مقومات الحياة الآدمية التي كانت ومازالت بعيدة المنال عنهم نتيجة النهج السياسي الذي اتبعه المحتل معهم .. كل الجنوبيين اليوم مقتنعون بأنه لن يطرأ على حياتهم المعيشية أي تحسن حقيقي لظروفهم وأوضاعهم الاقتصادية والمعيشية والصحية والخدمية التي تكاد تكون بحكم المعدومة في ظل الشرعية التي تمثل عبئاً حقيقياً على الشعب الجنوبي، وباتت جزءاً من المشكلة الجنوبية، وليست جزءاً من الحل كما يعتقد بعض السفهاء الذين يحاولون أن يبعثوا فيها الروح من جديد بعد أن ماتت وبلغت من الكبر ما يجعلها تمثل أكبر تحدٍ وخطر حقيقي على مسيرة العملية النضالية الجنوبية وعلى المسيرة السياسية للشعب الجنوبي، بل وتمثل تهديداً وجودياً للشعب الجنوبي الذي ارتكبت بحقه جرائم وموبقات ليس لها حصر على يد نظام الاحتلال المتمثل بالشرعية التي لا تتقن إلا لغة التنكيل، ومن أبرز مظاهر مواصلتها (أي الشرعية) سياسة تجويع الجنوبيين عن طريق قطع رواتبهم وعدم الانتظام في صرفها بصورة منتظمة، مما عرض ملايين الجنوبيين للمجاعة المؤكدة التي مازال صوتها لم يصل إلى مسامع دول التحالف العربي، وخصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية الشقيقة اللتين لم تحركا ساكناً، ولم تنبسا ببنت شفاه واحدة إزاء سياسة التجويع التي اتبعتها الشرعية بحق أبناء الجنوب الذين كانوا يعلقون آمالاً كبيرة على دول التحالف العربي التي خذلتهم، وتجليات ذلك تتجسد في غضها الطرف عن كافة الممارسات العبثية التي اتبعتها وتتبعها الشرعية بحق أبناء الجنوب منذ عهد المقبور عفاش الذي تعد الشرعية امتداداً لنظامه العبثي الذي عاث بالجنوب فساداً وخراباً لم يعهده في أية مرحلة من مراحل تاريخه القديم والحديث والمعاصر.

لا يوجد أي إنسان عاقل أو جاهل أو مجنون يبري ساحة دول التحالف العربي من تحمل مسؤولية كافة الجرائم والموبقات التي اقترفتها وتقترفها الشرعية بحق أبناء الجنوب، وتحديداً خلال سنوات الحرب الماضية التي وضعت الحبل على غارب الشرعية رغم علمها بأنها لا تجيد إلا لغة التنكيل والتجويع بحق أبناء شعبنا الذين طفح كيلهم جراء كل تلك الممارسات الخبيثة التي تنتهك حقوق الناس، وتعتدي على حريتهم وعلى حقهم في العيش الكريم المفضي إلى تعريض حياة الملايين لخطر الموت المحقق بفعل تلك الممارسات الفاسدة التي تتعارض مع كافة قيمنا الدينية والأخلاقية والإنسانية وتتعارض أيضاً جملة وتفصيلاً مع المواثيق والمعاهدات الدولية، ومع مبادئ القانون الدولي الذي يدين ويقف في وجه كافة التصرفات العبثية التي اعتادت الشرعية على اتباعها وإنزالها بحق الجنوبيين الذين تنتهك حقوقهم السياسية والاقتصادية والمعيشية والصحية وتعرضها عن قصد للضياع والهدر، ولم تتوانَ في يوم من الأيام عن إلحاق المزيد من الأذى بالمواطن الجنوبي دون أي رادع أو اتخاذ ما يلزم من جانب دول التحالف العربي لوقف العبث وسياسة التجويع التي تعتمد الشرعية إنزالها بحق الجنوبيين الذين أوجعتهم تلك السياسات العبثية وألحقت بهم الأذى الشديد الذي لم تستشعر به دول التحالف العربي التي أتضح من خلال كافة المعطيات السياسية والعسكرية والأمنية المتاحة بأن دورها قد اقتصر على مراقبة الأمور عن بعد دون أن تمارس دورها وحقها في التدخل عندما ترى أن هناك من يسعى إلى النيل من مكانتها ومن دورها في المعادلة السياسية والعسكرية الراهنة في اليمن، وكأنها بذلك تقول للشرعية على بركة الله واصلوا جلد الجنوبيين، وكأن هزيمة الحوثيين مرهونة بمدى تجويع الجنوبيين من عدمه.

من المؤكد أن دول التحالف العربي بعد خمس سنوات من خوضها الحرب على مليشيات الحوثي أدركت أن الشرعية وجماعة الإخوان الإرهابية في اليمن تسببوا في وضعها بموقف لا يحسد عليه في الحرب الراهنة التي تجترح مآثرها، ولكن دون أن ترتقي بنفسها إلى مستوى الحسم العسكري الذي كانت تراهن عليه من خلاله بأنها تستطيع إقصاء مليشيات الحوثي من المشهد السياسي اليمني من منطلق كونها تمثل رأس حربة للمشروع الإيراني في اليمن، وهذا ما لا ترتضيه دول الخليج العربي، وفي طليعتها السعودية التي تعتبر بأن التواجد الإيراني في اليمن يمثل خطراً وتهديداً حقيقياً على أمنها القومي الذي من أجل الحفاظ عليه انطلقت عاصفة الحزم معلنة الحرب على الحوثيين الذين تعرضوا في السنوات الأولى من الحرب للعديد من الانتكاسات العسكرية الخطيرة التي كادت بعضها تقتلعهم من الجيوسياسية اليمنية لولا العوامل الداخلية والخارجية التي ساهمت بصورة أو بأخرى في ضخ المزيد من الدماء إلى عروق الحوثيين بعد أن كانت قد أوشكت على الجفاف، وهي الدماء التي مكنتهم من العودة مرة أخرى إلى واجهة المشهد العسكري، وإلى مسرح العمليات العسكرية والميدانية بصورة تثير الشك والريبة تجاه الحالة الجديدة التي ظهروا بها عكس الحالة التي كانوا عليها في السنوات الأولى من الحرب التي تقهقروا وتراجعوا بصورة مخيفة أمام المد العسكري الذي ظهر به التحالف العربي في سنوات الحرب الأولى، ولكن سرعان ما تراجع خلال الثلاثة الأعوام الأخيرة من الحرب التي ظهرت فيها قواته العسكرية التي تقاتل على الأرض بصورة لا تخلو من العيوب والأخطاء القاتلة التي بدت واضحة على تلك القوات العسكرية التي عانت ولا زالت تعاني من التفكك وانعدام وحدة الإرادة في ظل انعدام شبه تام للعملية التنظيمية في نطاق القوات العسكرية التي ظهرت خلال سنوات الحرب بمظهر مليشياوي، وشهدت أيضاً مسيرة الحرب فشلاً كبيراً في توظيف القدرات المادية واللوجستية والعسكرية لصالح الحرب، وهو الفشل الذي خدم مليشيات الحوثي التي كانت المستفيد الأول من هذا الهدر المتعمد، وكان يصلها نصيبها من ذلك الهدر المريع للقدرات المادية واللوجستية والعسكرية التي كانت تقدمها دول التحالف العربي لدعم المجهود الحربي، والتي ذهبت في غير مجالها، بل ذهبت إلى مليشيات الحوثي وجيوب الخاسئين أُمراء الحروب وجيوب بعض القادة العسكريين والقبليين الفاسدين الذين لم تسلم منهم رواتب الجنود التي ابتلعتها بطونهم النتنة التي لا تعرف الشبع، وقد ظهر ذلك العبث جلياً خلال توقف النشاط العسكري للعديد من الجبهات العسكرية الإستراتيجية التي دخلت في سبات عميق وفي سكون مريب لم تتوقعه مليشيات الحوثي نفسها التي كانت تخشى على نفسها من إعادة تنشيط تلك الجبهات العسكرية التي كانت على مقربة شديدة من معاقلها، وخصوصاً جبهة نهم ومأرب اللتين كانتا باستطاعتهما دخول صنعاء لولا التخاذل الذي ظهرت به القيادات العسكرية والميدانية في تلك الجبهات التي كانت تفضل الإبقاء على حالة الجمود والسكون العسكري في معظم الجبهات العسكرية التي ظلت تعمل طوال سنوات الحرب الماضية كجزر منعزلة عن بعضها البعض، ولا تتمتع بأية عقيدة عسكرية قتالية واحدة فضلاً عن تعدد الأجندات السياسية والعسكرية والأمنية للقوات التي كانت تقاتل تحت راية دول التحالف العربي، وراية الشرعية التي ستبقى إلى الأبد عاجزة عن تحقيق أي نصر عسكري أو سياسي يمكن التعويل عليه، وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار أنها هي من أوصلت اليمن إلى هذه الحالة البائسة التي أصبح فيها اليمن خاضعاً للوصايا الدولية، وهي الوصايا التي تعد نتاجاً للفشل الذي وصلت إليه الدولة اليمنية التي فرضت على مجلس الأمن الدولي أن يضعها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة التي يعطيها الحق أن تضع دولة مثل اليمن تحت وصايا المجتمع الدولي بعدما تبين لها أن وضع هذا البلد بات يهدد الأمن والاستقرار الدوليين.

إن طريق اقتلاع المشروع الإيراني من اليمن لا يمكن له أن يتحقق عبر عملية تجويع الجنوبيين الذين ضاعفت الحرب معاناتهم ومآسيهم التي لم ينقطع سيلها نتيجة وقوعهم ووقوع بلدهم الذي يعيش أزمات طاحنة بين فكي كماشة الشرعية من جهة ودول التحالف العربي من جهة أخرى، والتي نكتشف من مواقفها أنها تستمري سياسية التجويع التي تتبعها الشرعية مع الشعب الجنوبي الذي ليس أمامه خيار اليوم، وخصوصاً بعدما تبين له الموقف المتخاذل لدول التحالف العربي تجاه قضيته وحقه في الحياة الحرة الكريمة إلا تشمير السواعد ورص الصفوف والعودة مرة أخرى الى أحياء العملية النضالية السلمية للمطالبة برحيل نظام الاحتلال، وإلى جانبه دول التحالف العربي التي لها يد وبصمة واضحة في المعاناة التي هدت حيل المواطن الجنوبي التي تهافتت عليه النوائب من كل حدب وصوب، فالويل كل الويل للشرعية ومعها دول التحالف العربي إن أصرت على مواصلة تربية وتسمين قطعان وعجول الشرعية في عواصم بلدانها، وترك الشعب الجنوبي يواجه المجاعة التي تفتك بالجميع، فهل آن الأوان لتستفيق دول التحالف العربي من سباتها العميق الذي مضت عليه قرابة خمس سنوات، وترى الحقيقة بعينها لا بعين الشرعية؟

إن الطريق إلى صنعاء تمر عن طريق استئصال شأفة الإرهاب والتطرف من المحافظات الجنوبية، كما أن نقل مسار الحرب إلى المحافظات الجنوبية لن يصل بالتحالف العربي إلى صنعاء، ولن يمكن التحالف العربي من إلحاق أية هزيمة عسكرية بمليشيات الحوثي ما لم يعيد النظر إلى إعادة ترتيب أوراقه العسكرية بمعزل عن اعتماده على الشرعية وتنظيم الإخوان الإرهابي وباقي الجماعات الإرهابية والمتطرفة في محاربة الحوثي بعدما خذلت التحالف، وأثبتت أنها تنفذ أجندات خارجية (قطرية - تركية)، وهي الأجندات التي خلقت نوعاً من التقارب مع مليشيات الحوثي التي تتبنى أجندات إيرانية، وتدافع عن خياراتها في اليمن الذي توافقت فيه الأجندات الإيرانية التركية على تقاسم الدولتين الإقليميتين والنفوذ والسيطرة عليه، وطغت على أوضاعه الداخلية التدخلات الخارجية، وبات لها القول الفصل في كل ما يتصل بحل الأزمة اليمنية التي أضحى حلها مرهوناً بالخارج الذي يحتفظ بكافة مفاتيح حلها، ولا يمتلك أهلها إلا قتل بعضهم البعض حتى يرضى عنهم الخارج، وتقبل بهم الدول التي أدخلتهم في معمعة القتال الراهن الذي ليس له فصل ولا نهاية محددة، ولا أفق لنهاية هذا الصراع المميت الذي لا فكاك لنا منه حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى