​الربيع العربي ومشروع الشرق الأوسط الجديد

> قاهر عبدالله مصطفى

> لعل من أهم التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي في ظل العولمة، هي المشاريع الدولية والإقليمية التي تسعى إلى تحقيق السيطرة والهيمنة على العالم العربي والإسلامي.
ويمكن القول أن من أهم هذه المشاريع الدولية والإقليمية في الوقت الحاضر، هو إعادة صياغه خارطة الجغرافيا السياسية (الجيو يوبوليتكس) للعالم العربي والإسلامي على طريق تفكيك الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الحرب الباردة تحت ما يسمى الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، فما هو مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير؟!
هذا هو موضوع دراستنا في هذا المقال
في سياق أحداث الفوضى العارمة التي اجتاحت بعض الدول في الشرق الأوسط عام 2011 ما يسمى (بثورات الربيع العربي) تداولت بعض مراكز الدراسات الاستراتيجية ووسائل الإعلام الدولية في مختلف أرجاء عالمنا المعاصر، معلومات عن وجود قرار قديم اتخذه الكونجرس الأمريكي في ذروة الحرب العراقية الإيرانية عام 1982م بشأن تفكيك الشرق الأوسط وأسيا الوسطى وإعادة صياغة خارطتها السياسية، ولقد استند هذا القرار إلى الدراسة الاستراتيجية المقدمة من المستشرق (برنارد لويس) إلى الكونجرس الأمريكي في إطار سياسة الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق (رونالد ريجن) الهادفة إلى تصعيد الصراع الدولي ضد الاتحاد السوفيتي (سابقاً) في ظل الحرب الباردة، ومعاصرة العمق الاستراتيجي الجيوسياسي له في منطقة الشرق الأوسط؛ استعدادا لإضعافه أو إسقاطه.

وقد وافق الكونجرس الأمريكي على مشروع القرار في ضوء الدراسة المقدمة من قبل المفكر الاستراتيجي (برنارد لويس) على أن يعتبر ذلك رؤية استراتيجية للإدارة الأمريكية تجاه مستقبل الشرق الأوسط غير قابلة للإعلان عنها
لقد كان (برنارد لويس) في تلك الفترة (الثمانينيات) خبيراً استراتيجيا للبيت الأبيض وجهاز المخابرات الأمريكية CIA بشأن توظيف الإسلام السياسي في إدارة الحروب الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط (حرب أفغانستان مثلا)، فقد أشرف على وضع مناهج متشددة ومتطرفة في المدارس الخاصة بالتعليم الديني في السبعينات والثمانينيات بالتعاون مع بعض المنظمات الإسلامية، التي تديرها أجهزة المخابرات الإقليمية في العالم العربي في ظل الحرب الباردة، تلك المدارس التي ساعدت أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية على إنشائها وتمويلها في كل من باكستان واليمن الشمالية (سابقا) والصومال والسودان ونيجيريا والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية ذات الأغلبية الشيعية ... الخ

وهكذا نلاحظ أن البيئة الدولية والإقليمية ساعدت بشكل مباشر وغير مباشر في بروز ظاهرة الإسلام السياسي عمومًا والعنف الأصولي الإسلامي خصوصا في السبعينيات والثمانينيات في الشرق الأوسط كوسيلة رئيسة في إدارة الأزمات على الصعيد الدولي والإقليمي والمحلي في ظل الحرب الباردة جنباً إلى جنب مع العوامل الداخلية (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية).

وبطبيعة الحال، إن المضمون الأساسي لتلك المناهج التعليمية تمثل في صنع خطاب ديني متخلف ومتوحش ودموي عن الإسلام أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، يساعد لاحقاً في استغلال ذلك في الشروع بتفكيك العالم العربي والإسلامي لأسباب مختلفة تحت ما يسمى مشاريع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، فضلا عن تشويه الصورة المشرقة للحضارة العربية الإسلامية في عصورها الذهبية.

 وفي مطلع تسعينيات القرن العشرين، استكمل تلاميذ (برنارد لويس) الدور الذي قام به في تطوير الفكر الاستراتيجي في ظل العولمة، ولعل من أشهر هؤلاء التلاميذ المفكر الأمريكي من أصل ياباني (فرنسيس فوكوياما) صاحب نظرية (نهاية التاريخ) والمفكر الأمريكي اليهودي (صمويل هينتنجتون) صاحب كتاب "صدام الحضارات" الذي صدر بعد مرور ثمان سنوات على قرار الكونجرس الأمريكي بشأن تفكيك دول وجيوش منطقة الشرق الأوسط عام 1982 تحت مظلة النظام العالمي الجديد في ظل العولمة.

لقد تزامن قرار الكونجرس الأمريكي بشأن تفكيك الشرق الأوسط عام 1982م مع قيام الحرب العراقية الإيرانية (حرب الخليج الأولى) وما كان يطلق عليه "الجهاد الإسلامي" الذي كانت تخوضه الجماعات الإسلامية ضد القوات السوفيتية في أفغانستان، وما ترتب على تلك الحروب الإقليمية من فوضى عارمة عمت منطقتي الشرق الأوسط والشرق الأدنى في ظل الحرب الباردة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن كيف تعاملت السياسة الخارجية الأمريكية مع الآثار المترتبة على تلك الحروب الإقليمية في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية؟

في إطار الصراع الدولي على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط بين أمريكا وروسيا على الصعيد الدولي في ظروف الحرب الباردة، لجأت الإدارة الأمريكية إلى استثمار حالة الفوضى من خلال استخدام سياسة "الاحتواء المزدوج" لكل من العراق وإيران، فضلا عن الجماعات الإسلامية في أفغانستان، على نحو ما فعلته في ظل نظام الحكم الإيراني في عهد مصدق، حين نجحت في ذلك الوقت في إعادة شاه إيران إلى سدة الحكم عام 1956م، بينما أخفقت في إعادة النظام الإمبراطوري عقب اندلاع الثورة الإيرانية الإسلامية عام 1979م.

أما الفوضى التي رافقت الانهيار المفاجئ للاتحاد السوفيتي (سابقاً) وغيره من الدول الاشتراكية في أوربا الشرقية في مطلع التسعينات من القرن العشرين، فقد دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى التحول من سياسة واستراتيجية الاحتواء المزدوج (الاستراتيجية المباشرة) إلى سياسة واستراتيجية التدخل الخارجي (الاستراتيجية غير المباشرة وأحيانا المباشرة) باستخدام مختلف أجيال الحروب، وخاصة حروب الجيل الرابع بعبارة أخرى أكثر وضوحاً، فمن وجهه نظر الفكر الاستراتيجي العالمي: إذا كانت سياسة واستراتيجية الاحتواء المزدوج تقوم على حروب الجيل الثاني المباشر (الغزو من الخارج) في ظل الحرب الباردة، فإن سياسة واستراتيجية التدخل الخارجي في ظل العولمة تقوم على حروب الجيل الرابع بدرجة رئيسة (الغزو من الداخل) وبدرجة أقل الأجيال الأخرى من الحروب بواسطة المرتزقة والجواسيس والمنشقين وغير ذلك من الأدوات المحلية تحت ما يسمى (الحروب بالوكالة) في إطار نظرية الفوضى الخلاقة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى