«ياسر قنيوي» شاب حضرمي يوثق تاريخ 30 قرناً من إبداع الزخارف التقليدية بحضرموت

> تقرير/ خالد بلحاج

> في أرض حضرموت المليئة بالأسرار وحكايات الإنسان الخالدة بذل الفنان البصري ياسر قنيوي جهوداً كبيرة لحفظ التراث البصري والتقليدي استمرت ثمان سنوات، ورافقتها في الآونة الأخيرة جهود جبارة مكثفة كللها مؤخراً بإطلاق كتابه الموسوم بعنوان "الزخارف التقليدية في حضرموت" باللغتين العربية والإنجليزية.

8 أعوام من البحث
الكتاب مطبوع من ورق فاخر 420 صفحة 20x25cm باللغتين العربية والإنجليزية استغرق إنجازه 8 سنوات، وشارك فيه 13 مصوراً بما فيهم المؤلف قدموا 375 صورة إلى جانب 4 رسامين محليين ودوليين، وقد تم جمع المحتوى اعتماداً على النصوص الشفوية من الحرفيين التقليديين والمعمرين الذين بلغ عددهم 35 شخصاً.
ويعد الكتاب باكورة بحثية حول دراسة الزخارف التقليدية في حضرموت جنوب اليمن مدعم بـ (370) صورة فوتوغرافية ورسماً، حيث قسم الكتاب الزخارف إلى 15 قسماً وفقاً للخامات المحتوية على تلك الزخارف كالعمارة، الخشب، النسيج، البدن الآدمي، الخوص، الفخار.. وغيرها. الكتاب يقدم محتوىً نادراً عن المنطقة، والمنطقة العربية، وكذلك التراث الإنساني العالمي ككل.

الهوية الحضرمية
يصنف الكتاب على أنه باكورة في دراسة الزخارف، ويعتبر الثالث ضمن سلسلة المؤلف.
ويكشف كتاب "الزخارف التقليدية في حضرموت" النقاب عن الزخارف التقليدية والفنون البصرية التي تعود إلى مئات السنين في عمق الهوية الحضرمية، حيث يسعى المؤلف من خلاله إلى حفظ التراث الشعبي في حضرموت، ويركز الكتاب على منتجات الحرف التقليدية والعمارة الفنية والإبداعات الشعبية على الأجساد أو المنحوتات المرسومة منها أو المحفورة، والتي تمثل منتجاً فنياً زاخراً وجزءاً من الثقافة الفنية الشعبية التي يقدمها السكان المحليون في الجزء الجنوبي من اليمن.

منتجاً فنياً
يعد هذا الكتاب الثالث الذي ألفه قنيوي بعد كتابيه "وادي دوعن الأرض والإنسان (2012)"، و"قرى وادي دوعن (2013)" وما يميز هذا الكتاب هو أنه أول كتاب يكشف النقاب عن الزخارف التقليدية والفنون البصرية التي تعود إلى 30 قرناً، والتي بقي القليل منها اليوم محفوراً ومرسوماً على منتجات الحرف التقليدية والعمارة والنقش على الجسد التي مثلت منتجاً فنياً زاخراً قدمه السكان المحليون الذين يمثلون الهوية الثقافية الغنية لحضرموت.

وكشف مؤلف الكتاب النقاب عن الأنماط والزخارف التقليدية المعقدة والفنون البصرية إجمالاً التي تمثل الهوية البصرية الثقافية الغنية للحضارم -سكان حضرموت- من خلال الاستقصاء الواسع الذي رافقه التوثيق البصري. ويتميز هذا الكتاب -علاوة على ما سبق- بعرض قطع أثرية ونماذج من التقاليد والممارسات الإبداعية  داخل المجتمع لفترة طويلة، والتي كشف عنها النقاب ولم تسلط عليها الأضواء بسبب الانغلاق الثقافي وخاصة إبداعات المرأة الحضرمية، وفي الكتاب لأول مرة تفصح المرأة الحضرمية عن خصوصيات جمالية خاصة بزخرفة الجسد وعادات النساء في المجتمع المحلي.

وبين دفتي الكتاب تقول أ. العمارة د. سلمى الدملوجي الباحثة في مجال العمارة الفنية بالجامعة الأمريكية ببيروت: "إن الكتاب يعد الأول من نوعه، حيث قام المؤلف فيه بتصوير الحرف اليمنية بشكل جميل، تحديداً في منطقة حضرموت على وجه الخصوص، وهذا العمل يعتبر بحثاً قيماً يوثق مختلف أشكال الفنون والحرف اليدوية التي تم إنتاجها عبر الأجيال المتعاقبة في المجتمعات الحضرمية".

عن المؤلف
ولد ياسر أحمد قنيوي 31 عاماً في مديرية دوعن بحضرموت شرقي اليمن، وهو فنان بصري ومؤلف عن التراث البصري الفني حاصل على البكالوريوس في تصميم الجرافيك من جامعة اليرموك سنة 2014، ثم حصل على درجة الماجستير في التصميم الجرافيك بشهادة مزدوجة من جامعة (KDU) ماليزيا، وجامعة روما للفنون الجميلة في إيطاليا 2018، ويعمل كمخرج فني بصري في الرياض بالمملكة العربية السعودية. يهتم بتوثيق ونشر التراث الفني البصري، ويستخدمه كمصدر إلهام في مشاريع التصميم.

النشأة
نشأ لأب فنان ملهم وهو الخطاط أحمد قنيوي بدأ ممارسة الرسم في سن مبكر، ولم يحقق أي تقدم يذكر، ولم يكن مستواه مرضياً بما فيه الكفاية، مما جعله يتحول إلى هواية أخرى هي ممارسة الخط العربي على خطى والده، وبمستوى مقبول شارك بالتخطيط من خلال النشاطات المدرسية، خصوصاً في المجلات الحائطية، فوجد أن تلك الخطوط المتجردة والحبر الأسود لا يترجمان كل الرغبات الفنية التي بداخله.

البداية
في سنة 2007 بدأ تعلم تصميم الجرافيك، وفي تلك السنة اشترت عائلته جهاز كمبيوتر. قبل ذلك بوقت قصير من نفس السنة بدأ هواية التصوير الفوتوغرافي، حيث كان يستعير كاميرا صديقه الرقمية، وفي أغسطس 2010 حصل على أول كاميرا (DSLR) احترافية، وبدأ رحلة التصوير الفوتوغرافي الاحترافية.

مهارات
بعد تمكنه في الجرافيك بدأ العمل كمصمم جرافيك محترف لمؤسسة دوعن للتنمية، ثم وكالة العمقي للإعلان والتسويق. مع هذه الخبرات تمكن من تطوير مهاراته بشكل متقدم في تصميم الجرافيك. وفي سبتمبر 2010 حصل على منحة دراسية من مؤسسة تعليمية غير ربحية بواسطة رجل الأعمال الشيخ عبدالله بقشان لدراسة تصميم الجرافيك في الأردن. وحصل على  درجة البكالوريوس في تصميم الجرافيك بجامعة اليرموك لاحقاً في يوليو 2014.

ياسر قنيوي
ياسر قنيوي
وبينما كان يعمل بالتعاون مع الشيخ بقشان، خلال تلك الفترة، تمكن من نشر كتابيه المصورين الاثنين في عامي 2012 و2013 وكتابه الثالث في 2015 الثالث (الزخارف التقليدية في حضرموت) وواصل العمل فيه، والذي اشتمل على توثيق وتصوير لهذه الزخارف في أغلب قرى ومدن حضرموت.
 في عام 2016 توقف عن أعمال التصوير الفوتوغرافي أو الجرافيك بسبب هجرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمتابعة دراسة اللغة الإنجليزية كلغة ثانية، والتي منحته فرصة لتعزيز مهاراته في اللغة الإنجليزية.

عن كتاب "الزخارف التقليدية في حضرموت" يقول ياسر: "يعد هذا الكتاب الأول من نوعه، حيث كشف النقاب عن الأنماط والزخارف التقليدية المعقدة، وحتى الفنون البصرية إجمالاً التي تمثل الهوية البصرية الثقافية الغنية للحضارم من خلال الاستقصاء الواسع الذي رافقه التوثيق البصري، ويتميز هذا الكتاب -علاوة على ما سبق- بعرض قطع أثرية ونماذج من التقاليد والممارسات المختزنة داخل المجتمع لفترة طويلة، والتي لم تبرز بسبب الانغلاق الثقافي، وخاصة في جانب الإناث واللاتي -لأول مرة- يفصحن عن خصوصيات جمالية خاصة بزخرفة الجسد وعادات النساء في المجتمع المحلي.

 من خلال 14 نوعاً مختلفاً من منتجات الحرف اليدوية والممارسات الفنية الأخرى، وأكثر من (300) رسم توضيحي وصورة فوتوغرافية يعدَّ الكتاب دليلاً مادياً على قدرة الحضارم على استيعاب مظاهر الجمال في الكون والحياة، وعلاقتهم بالأشياء والأحداث والكائنات من حولهم. وذلك من خلال تلك الرموز التي تتمثل عياناً في زخارفهم المحلية".

ويضيف: "إصدار هذا الكتاب يبعث التأمل في نشر الوعي الذي يستجيب للدعوة إلى الحفاظ على ما تبقى من هذه الزخارف في حضرموت. وهذا الحفظ ليس لغرض الفن وحده، بل في السعي إلى ترسيخ الهوية الفنية لسكان حضرموت في مختلف مناحي الثقافة المقروءة والمسموعة والمرئية لنقلها للأجيال القادمة. والمساهمة في امتدادها لقرون طويلة جامعاً بين الوفرة والمزيج المتناغم بين الأساليب الفنية في التراث الزخرفي الفني البصري في منطقة حضرموت جنوب اليمن الذي يعد حصيلة تاريخ طويل من الحضارة والتجارة والهجرة".

ويتابع: "يتميز الكتاب بتقديمه صوراً عالية الدقة للقطع الأثرية والمقتنيات التقليدية المحفوظة من قِبل المجتمع المحلي لفترة طويلة التي لم يظهر بعضها للعامة بسبب حساسيتها الثقافية، وخاصة زخرفة الجسد الأنثوي. الآن، لأول مرة، ستتم مشاركتها مع الجمهور.
لقد دمرت الحرب الأهلية التي اندلعت باليمن في عام 2015 حتى الآن العديد من المواقع التراثية، وأدت إلى إلغاء وتأخير العديد من المشاريع والدراسات التي كانت تهدف إلى الحفاظ على المعالم الثقافية والحرف التقليدية، كما أثر غياب القانون والدولة سلباً على ملكية القطع الأثرية في البلد، وادى إلى بيع بعضها في السوق السوداء أو تهريبها إلى خارج البلاد. علاوةً على ذلك فإن معظم المصادر اللفظية التي تتمثل في كبار السن الذين حافظوا على التقاليد توشك على الغياب لكبر سنهم، وعدم انتقال معارفهم للأجيال".

ويؤكد مؤلف الكتاب على نشر الوعي الذي بدوره سيدفع الأفراد والمؤسسات للحفاظ على ما تبقى من هذه الزخارف في اليمن، وترسيخ وتعزيز الهوية البصرية لحضرموت واليمن.
أهدي الكتاب لهيلاري كلينتون (سياسية أمريكية) عبدربه منصور هادي (الرئيس الحالي لليمن)، أنطونيو جوتيريش (الأمين العام للأمم المتحدة)، الأمير سلطان بن سلمان (رئيس الهيئة العامة للسياحة السابق بالمملكة العربية السعودية)، سيرجيو يونياك (سان خوان الأرجنتين حاكم الدولة)، سفراء ووزراء العديد من البلدان حول العالم.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى