تنفيذ الشق العسكري قبل تشكيل الحكومة إجراء مخالف للدستور

> المستشار محمد عمر بامطرف

> المفاوضات الجارِية في الرياض بين رئيس الوزراء المُكلف بتشكيل الحكومة الجديدة ووفد المجلس الانتقالي الجنوبي بشأن تشكيل الحكومة أهم ما ورد من أخبارها أنه سيتمُ البدء بتنفيذ الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض قبل الإعلان عن تشكيل الحكومة وقبل عودتها إلى العاصمة المؤقتة عدن لمباشرة مهامها، وهذا الخبر إن صح فعلاً فهو مخالِفٌ للدستور؛ لأن الحكومة القائمة حالياً - بعد أن قدمت استقالتها - أصبحت حكومة تصريف أعمال العادية فقط، ولا يحِقُ لها القيام بالأعمال غير العادية، ولا التعيين، ولا العزل، وهذا ما نصت عليه المادة ( 140) من الدستور اليمني - الذي تستمِدُ منه الحكومة شرعيتها - فقد نصت بقولها على الآتي :
"عند استقالة الوزارة أو إقالتها أو سحب الثقة منها تُكلف الوزارة بتصريف الشؤون العامة العادية، ماعدا التعيين والعزل حتى تُشكل الوزارة الجديدة".

ومن خلال التمعن في سياق هذا النص الدستوري الهام نستنتج أن هذه الحكومة المستقيلة مكلفةٌ بتصريف الشؤون العامة العادية فقط، ويمتنع عليها القيام بالشؤون العامة غير العادية (الاستثنائية) وتمتنع عن التعيين والعزل، لأن ذلك من اختصاص الحكومة الجديدة التي سوف تُشكل، ولأن تنفيذ الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض هو بشأن قوات عسكرية وأمنية للطرفين المتفاوضين (وليست للحكومة وحدها فقط) تم الاتفاق على نقلها بقياداتها وأفرادها وكامل أسلحتها وعتادها من مناطق إلى أخرى في الجمهورية وإعادة انتشارها وتموضعها من جديد، وهو من الشؤون غير العادية (الاستثنائية) التي تختص بها الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها، وليست من اختصاص هذه الحكومة المستقيلة أصلاً التي تُسمى في جميع دول العالم (حكومة تصريف أعمال) المكلفة بتصريف الشؤون العامة العادية فقط، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، إنه أيضاً وفقاً للنص الدستوري المشار إليه يمتنع على حكومة تصريف الأعمال إجراء التعيين والعزل حتى تُشكل الحكومة الجديدة، وبطبيعة الحال، إن نقل قوات عسكرية وأمنية مكونة من عدة ألوية ووحدات عسكرية وأمنية وإعادة انتشارها في مناطق أخرى يتطلب دمجها بقيادات المناطق العسكرية الجديدة التي ستنتقل إليها، وإعادة تكليف القادة العسكريين في القيادات العليا وفي كافة الفروع والوحدات العسكرية والأمنية بمهام أخرى جديدة تُسند إليهم، وهذا يتطلب بالضرورة اتخاذ إجراءات وقرارات تعيين جديدة وتكليف وعزل، وهو ما لا تملكه حكومة تصريف الأعمال بنص صريح في الدستور؛ لأنه من اختصاص الحكومة الجديدة التي سوف تُشكل.

ومن جانبٍ آخر، ينبغي الإشارة إلى أن إصرار الجانب الحكومي على البدء أولا بتنفيذ الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض، واشتراط أن يتم ذلك قبل الإعلان عن تشكيل حكومة المناصفة الجديدة قبل عودتها إلى عدن لمباشرة مهامها لا يُبشِرُ بالخير، ولا تُستشفُ من ورائهِ النوايا الحسنة؛ لأنه من غير المنطقي ولا المعقول أن يُشترط البدء أولا بتنفيذ الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض قبل تشكيل الحكومة الجديدة ومباشرتها لمهامها، بينما هي التي بمقدورها أصلاً القيام بذلك بتشكيلتها الجديدة بالمناصفة بين الطرفين المعنيين اللذين تحاربا وتقاتلا وتوصلا إلى اتفاق، فهي -أي الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها بالمناصفة بين الشمال والجنوب- الحكومة التي تم تشكيلها باتفاق الطرفين؛ ولذلك، هي القادرة والمؤهلة حسب اختصاصاتها المنصوص عليها في الدستور والقوانين للقيام بتنفيذ الشق العسكري والأمني بجميع تفاصيله وإجراءاته، وستتخذ ما ينبغي لها اتخاذه من قرارات تعيين وعزل لتنفيذ ما تضمنه اتفاق الرياض في شقهِ العسكري والأمني وغيره. فلماذا الإصرار على تنفيذ الشق العسكري والأمني أولا قبل تشكيل الحكومة الجديدة التي سيتم الإعلان عن تشكيلها بعد أيام معدودة؟ لماذا لا يتم الانتظار بضعة أيام حتى تشكل الحكومة الجديدة لتتولى هي القيام بهذه المهمة واتخاذ كل ما تتطلبه من قرارات وإجراءات في سياق مزاولتها لأعمالها ومهامها العادية وغير العادية وفقاً للدستور؟ لماذا يخالفوا الدستور وهو الذي تستمِدُ مِنهُ الحكومة شرعيتها ؟! هذا مما يُثيرُ الشك والريبة.

ومن الجدير بالذكر أن تعثر وفشل تنفيذ اتفاق الرياض طيلة الفترة الماضية منذ التوقيع عليه في نوفمبر من العام الماضي حتى الآن كان لاشتراط البدء بتنفيذ الشق العسكري والأمني، من ذلك الاتفاق قبل تشكيل الحكومة أولاً؛ ولهذا فشل التنفيذ؛ ولذلك ينبغي للجانبين المتفاوضين، وعلى وجه الخصوص وفد المجلس الانتقالي، الاستفادة مما سبق من أخطاء؛ لتجنبها وعدم تكرارها مرةً أخرى، وعدم الركون إلى ما يُسمى بضمانات تنفيذ الاتفاق، مهما كانت، وأيا كان مصدرُها، فلا أخلاق في السياسة ولا قِيم، بل تستند أولاً وأخيرا على المصالح.

 وينبغي أخذ الحَيطة والحذر عند التفاوض والتمسك بما نص عليه الدستور وما تقتضيه المصالح الوطنية العليا للجنوب؛ من أجل التوصل إلى نتائج آمِنة ومُرضية وعادلة.
 ونسأل الله للجميع الهِداية والتوفيق لما يُحِبهُ ويرضاه وهو حسبُنا ونِعم الوكيل.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى