على هامش الحلقة الاذاعية التوثيقية: هشام باشراحيل ..الحضور الدائم

> بحجمه الانساني زمنا و أمكنة، لا يمكن أن تلم بتلابيب الشخصية الوطنية الكبيرة الأستاذ هشام محمد علي باشراحيل - رحمه الله رحمة واسعة - في غضون الدقائق المتاحة ضمن حلقة توثيقية اثيرية و مرئية لاذاعة "بندر عدن" بعنوان :"مسيرة نجاح" .
كنت أستنجد بالذاكرة لأغطي بعض جوانب حياته ذات الوقائع الإيقاعية المتسارعة كما عرفتها عن كثب، التي في مجملها وطنيا كانت في عين العاصفة.

أعود للتاريخ في أثناء حديثي عنه متكئا على مسارات البدء والتأسيس للعميد الأب الأستاذ محمد علي باشراحيل - رحمه الله - وأجد أن الأب قد خرج عن المألوف الصحفي ارتقاء بصحيفته "الأيام" لتكون أيقونة عدن، وتكتسح شارع الصحافة في عروس البحار كما قال الفنان الرائع والكبير محمد مرشد ناجي - رحمه الله.

ومن بين لفات الورق وصف الحروف وتنضيدها والحبر الأسود ورائحته والقلق الناشئ قبل الإصدار والأسارير المبتهجة مع خروج المولود مع تباشير كل فجر جديد في عدن ، نشأ هشام باشراحيل حاملا هذه المزايا الحركية جاعلا من الحرف المجرد التزاما معرفيا وتثويريا بقواعد الانحياز للمواطن: الواحد في الكل والكل في واحد، بالقواسم الجمعية التي قد يشذ عنها آخرون، ولكن يظلون الأقل.

هذه الديناميكية لازمة في التكوين البنائي والنفسي لهشام، وتظل إحدى مداخل هذه الشخصية التي جمعت بين الصحافة إبداعا وحالة اجتماعية معرفية عصرية وبين السياسة كمنظومة عمل أخلاقية، بعيدا عن قوالبها الحزبية ومزاياها المحلية الانتهازية، باستحضار الوطني الجامع فيها (عدن، الجنوب) دون شوفينية أو عنصرية تجاه الآخر، وخاصة المواطن العادي، والتركيز على

أس المواجهة وأساسها، من اقترفت يداه إثم احتلال الجنوب في العام ١٩٩٤م.
ويتذكر البعض أن هشاما أبى ترأس نادي "التلال" في كريتر؛ حتى لا يدخل في المحاصصة الرياضية على حساب أبويته للكل الرياضي في عدن.

الحركة والقوة المنضبطة والتحكم بالقدرات عند الفعل ورد الفعل وعند المواجهة تجعله إنسانا امتيازيا لرجل بلغ به المرض (السكري) مبلغه، وانثالت الضغوط والمؤامرات عليه من حيث يدري ولا يدري، لكنه ظل ثابتا قويا ومواجها بشجاعة في كل لحظة دعاه الداعي إليها.

لما دخل على مجلس قات مشبع بزهو الانتصار الكاذب على الجنوب، وقد عاد الرجل يومها من عملية قلب مفتوح، لم يعطه مسؤول الأمن السياسي الآنسي فرصة لالتقاط أنفاسه، وبدأ مهاجمته بكل ما امتلك من مجامع الكلم البذئ، لم يمهله هشام كثيرا قبل أن يلجمه ويضعه في خانة "الشيطان الأخرس"، وإذا بصغير عدني يحبو على سلم النفاق، وعينه على مقعد "المحافظ" الذي بلغه بعدها، يتدخل لصالح الآنسي فيرد عليه هشام بهدوء: "أنت عدني، خليك لبعدين نتكلم أنا وأنت".

اما والرصاص يتطاير في أرجاء البيت الذي شبهته يوما ببيت أبي سفيان من دخله كان آمنا، فلم ينل منه الخوف طرفة عين، وظل على نفس ما اعتاد، أن يجلس ويتحدث ويبادل من حوله القفشات والضحكات ويشجعهم على الثبات والصمود.

حرب هشام التي خاضها من أجل الجنوب باهظة ومكلفة، خاضها بالكلمة المسئولة والصورة الملونة الدالة على همجية النظام وبمقالات الرأي والخبر الذي هو تقليد متبع مذ اختط الوالد المؤسس لصحيفته "الأيام" نهج الصحيفة الخبرية بالمهنية المتعارف عليها صحفيا، فلم يلجأ إلى التدليس أو الكذب أو التزييف أو السباب والشتم في وجه أعدائه، وهو ما مكنه من النيل منهم وفضحهم وتعريتهم والانتصار عليهم. بينما لجأوا (هم) إلى كل الموبقات، ولم يرتدعوا عن توجيه السلاح المتوسط والخفيف على دار عدنية مسالمة، قبيلتها الصحيفة وسلاحها الحرف و ترسانتها المدنية التي عرفت بها مدينتهم عدن.

أتذكر مقولة هشام "الحزن يبدأ كبيرا و ينتهي صغيرا" وهو يكررها على مسمعي كلما عدنا من مقبرة "القطيع" بعد وداع قريب أو حبيب له، سمعتها بعد مواراة أحب الناس الى قلبه ابنته المأسوف على شبابها (هناء) رحمها الله تعالى، وتكررت العبارة منه عدة مرات وكأنه يواسيني أنا الذي أبكي لبكائه و أحزن لحزنه.
لكن هذه المقولة تختل بموت الحبيب الغالي هشام باشراحيل قبل ثمانية أعوام، فقد أخذتنا الصدمة إلى حيث لا دمعة سالت ولا عبرة تحشرجت ولا تصديق أن الرجل الكبير قد رحل، وتعاملنا على وهم أنه بيننا باسترجاع فيض الذكريات عنه في كل جلسة وأخرى.

إلا ما كان في أثناء تسجيل شريط الذكريات عنه عندما تلعثم لساني وفاضت دموعي وعندها همست في أذنه : "الحزن يبدأ صغيرا و ينتهي كبيرا يا حبيب هشام، فأنت غير الكل"
رحم الله أبا باشراحيل رحمة الأبرار وأسكنه وارف الجنان، وإنا لله وإنا إليه راجعون .


> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى