عدن والمحافظ لملس والآخرون

> كلنا على علم وإدراك تام أن الوضع الخدمي السيئ الذي وصلت إليه عدن اليوم لم يكن وليد اليوم أو أمس أو قبل أمس، بل هو نتاج طبيعي لمشروع تدميري كبير وخطير تم إعداد دراساته وتصاميمه وطرق وآليات تنفيذه بعناية فائقة وإتقان من قبل دوائر عدة في منظومة حكم صنعاء منذ سنوات سبقت لحظة التوحيد والانصهار الجغرافي.
ونعلم أيضاً أن مشروع تدمير عدن تم تنفيذه عبر استهداف مؤسساتها الاقتصادية الحيوية والتعليمية والصحية والأمنية والخدمية، والأهم هو استهداف ثقافة وسلوك الإنسان الجنوبي في عمل إجرامي ممنهج عبر جهات رسمية وخلايا مدعومة بسخاء من قمة هرم النظام نفسه واشتركت في تنفيذه أيضاً أدوات جنوبية تابعة للنظام.

والمؤسف أن ذلك المشروع التدميري الخبيث نجح نجاحا منقطع النظير في ظرف زمني مقداره سنوات الوحدة الاندماجية في نشر ثقافة الفوضى والعشوائية وعدم احترام القانون والفيد والبلطجة التي ترسخت وأضحت ثقافة سائدة في سلوك السواد الأعظم من المجتمع الجنوبي، والمجتمع العدني جزء منه.
فما شهدته العاصمة الجنوبية عدن خلال ثلاثة عقود زمنية مضت من تدمير ممنهج لمؤسسات ومقدرات الدولة الجنوبية التي تحتضنها عدن والمؤسسات والمرافق الخدمية الخاصة بالمواطن العدني كالكهرباء والمياه والمستشفيات والمرافق الصحية والرياض والمدارس والمعاهد التخصصية والجامعة والصرف الصحي والنظافة والطرقات وغيره أعاد عدن المدينة العريقة ومجتمعها المدني المثقف إلى العصور القديمة، وأوصل حاضرها إلى الحضيض.

ومع أن هناك متغيرات طرأت على الساحتين السياسية والجغرافية الجنوبية أفرزتها حرب تحرير عدن ومحافظات الجنوب عام 2015 مكنت الجنوبيين من انتزاع القليل من السلطة على أرضهم، وبالتالي أدارتها وحمايتها أمنياً وعسكرياً، ووضع أبناء الجنوب أيديهم لأول مرة على العاصمة عدن إلا أن ذلك لم يشفع لها التخلص من ويلات المشروع التدميري، بل وللأسف الشديد تواصلت آليته مع اختلاف هوية أدوات تنفيذه، إذ تسلمنا نحن الجنوبيين بكل أسف مهام التنفيذ وارتفعت وتيرته وازداد قبح نتاجه ومستوى انعكاساته السلبية على المجتمع العدني.

فبشهادة الكثير من الخبراء والمختصين والمهتمين بالشأن الخدمي وصل وضع مؤسسات ومرافق الخدمات في عدن إلى مستوى الصفر، أي الانهيار الكامل، مما نتج عنه انعدام قدرتها على الاستمرار في تقديم خدماتها للمستهلك (المواطن).
ومعالجة ذلك الوضع الناتج عن انهيار البنى التحتية الأساسية لمؤسسات ومرافق الخدمات ليس بالأمر الهين أو السهل، بل يتطلب جهدا خرافيا وإمكانيات كبيرة جداً ووقتا طويلا، ويتطلب منظومة إدارية وأمنية متكاملة ومتناسقة تعمل بوتيرة واحدة، وكذلك تعاونا والتزاما مجتمعيا.

لهذا كان ولايزال موضوع انتشال الوضع الخدمي في عدن هاجسا مزعجا يطرق رأس كل شخص منتمياً للمدينة، وبقيت مسألة معالجة كل مشاكله هدفا لكل شخص يتولى قيادة شؤون عدن. ولكون كل المعالجات التي كان معظمها مجرد أعمال ترقيعية وليست حلولا جذرية تأزمت المشكلة ووصلت إلى هذا المستوى السيئ جداً.
واليوم وبعد تعيين الأستاذ احمد حامد لملس محافظاً لعدن تعلقت آمال العدنيين جميعهم عليه كمنقذ لوضع مدينتهم المزري الذي عجز ممن سبقوه عن انتشاله ويظن هؤلاء الغلباء أن لملس يمتلك عصا سحرية ستصلح ما أفسده العطارون (المحافظون) السابقون خلال شهر أو شهرين.

حقيقة أمر عدن مختلف جداً عن غيره في المحافظات الأخرى، ومشاكلها متعددة ومعقدة جداً، ولكنها مرتبطة ببعضها، فحل مشكلة واحدة يتطلب حل المشاكل الأخرى.
فعلى سبيل المثال لحل مشكلة المياه يتوجب علينا إصلاح منظومة الكهرباء أولاً، ولإصلاح الكهرباء علينا إيجاد بنية تحتية متطورة وحديثة وجهاز أمني (صالح) وفعال يساعد إدارة الكهرباء على إيقاف ظاهرة الربط العشوائي وضبط المخالفين وإلزام المواطن المستهلك بتسديد فاتورة رسوم الاستهلاك، والأمر ينطبق على بقية المؤسسات الخدمية.

صحيح أن المحافظ لملس يمتلك خبرة في العمل الإداري ولديه طموح كبير في عمل شيء لعدن التي ترعرع وتعلم وعمل فيها سنوات طويلة ولديه شبكة علاقات عامة واسعة بأبناء المدينة وشخصياتها المؤثرة، ولكن كل هذا لم يشفع له بحل كل مشاكل عدن إلا إذا وجد التعاون من أبناء عدن والدعم الكامل من التحالف العربي والحكومة اليمنية والمساندة الكافية من المجلس الانتقالي الجنوبي ومساعدته في توفير احتياجات المؤسسات الخدمية وبسرعة والعمل معه على توحيد الأجهزة الأمنية وتفعيل دور وحداتها المختلفة وترفع قياداتها ومنتسبيها عن صغائر الأمور والتفرغ لمهامهم الأمنية، ولهذا الملف يفترض أن يعطى الأهمية والأولوية، فبدون جهاز أمني وطني نزيه لن يستطيع المحافظ لملس أو أي محافظ غيره عمل شيء لعدن.

كما أن هناك ملفات أخرى شائكة وأكثر تعقيداً كملف الأراضي العامة والخاصة وأعمال البسط غير القانوني عليها وما نتج عنها من مشاكل كثيرة وصلت إلى حد الاقتتال تنتظر المحافظ الذي أنا متأكد أنه على اطلاع بها.
خلاصة القول أسأل الله أن يعينه ويوفقه ويجمع الخيرين حوله لمساعدته في انتشال وضع عدن.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى