سياسة اتخاذ القرارات السيادية

>
كم هي محزنة تلك النقاشات التي يخوضها بعض الإخوة الجنوبيين على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تعبر عن تدني مستوى الوعي السياسي  لشعب قيل عنه في نهاية ستينيات القرن الماضي إن 90% من سكانه سياسيين أو يتعاطون السياسة، حقيقة كم هو مهول مستوى التردي التي آلت إليه الأوضاع في الجنوب بعد 94م، في شتى مناحي الحياة، لكن الأكثر ترديا هو التخلف السياسي والثقافي والمهني الذي طال الإنسان من الجيل الأول، لانشغاله في توفير وسائل الحياة وعدم ممارسته للعمل المهني والسياسي والإبداعي بتأثير السياسة التي مورست ضد شعبنا(خليك في البيت) ولجيل الشباب بحكم حرمانهم من فرص التعليم والتدريب وسياسة زرع الإحباط التي لم تمكن من الحصول على فرص للتعليم، وعدم توفر فرص عمل للخريجين من الجامعات والمعاهد المتوسطة لممارسة الأنشطة والمهن التي تأهلوا من أجلها ويمكن أن يبدعوا فيها، أما في مجال  السياسة التي غاب فيها التأهيل تماما، فحدث ولا حرج خصوصا عندما لاحظوا أن الأغبياء السياسيين هم من يتم التنقيب عنهم بعناية لترفيعهم إلى أعلى المستويات كي يقبلوا بتمرير ما يملى عليهم لأنهم يعرفون حجمهم وقدراتهم التي لا توصلهم إلى هذه المناصب وإنما الحاجة لهم هي لتمرير ما يملى عليهم، وسلوكهم القابل للتعاطي مع سياسة الفساد والإفساد هي من أوصلتهم إلى أعلى المستويات، وتسلط على شعبنا أجهلهم كنوع من العقاب الجماعي لاستفزاز وإذلال بني جلدتهم من ذوي المؤهلات والهامات والمقامات والكفاءات.

وهكذا سادت الأمية السياسية والمهنية واختفى الإبداع الثقافي والفني فوجدنا أنفسنا في الساحات على هذه الحالة المزرية إضافة إلى افتقاد القيادة السياسية الموحدة، والفكرة السياسية الموحدة، والهدف السياسي الموحد، لكن الأمور بدأت في الآونة الأخيرة في التحسن ولو أنها تحتاج إلى وقت أطول كي نتخلص من هذه المعاناة ومع ذلك نلاحظ احتدام النقاش السخيف، الغبي، في السؤال الساذج هل القرارات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية في إعادة ترتيب قياداتها في القوات المشتركة، اتخذتها لمصلحة الجنوب أم ضد الجنوب.

ولا يدرك الكثيرون أن السعودية أو أي دولة أخرى  تتخذ قراراتها لما فيه صالح الدولة نفسها، وهذا حقها في قراراتها السيادية لأنها سيد على أرضها، وليس من أجل خدمة مصالح دولة أو شعب آخر وإلا فإنها الخيانة بعينها لشعبها، وهذه ليست خصوصية للمملكة بل لكل الدول المحترمة والتي تحترم مصالح شعبها، وهي تتخذ مثل ذلك القرار فهي تدرك أيضا تأثيره السلبي وتأثيره الإيجابي على الآخرين، أكانوا أصدقاء أو أعداء لها، وحينها  تقتضي اللياقة السياسية أن ترسل رسائل تطمينية لكل من يتضرر من تلك القرارات، وعندما يشتد الاحتجاج من أي طرف متضرر فإنها تحاول معه اتخاذ إجراءات أخرى تحد من ذلك الضرر وبما يخدم مصالحها مع هذا الطرف المتضرر من القرار.

أما من يكون تأثير القرار الإيجابي لصالحه فإنها أي الدولة المتخذة للقرار تحاول أن تستفيد من هذا التأثير الإيجابي لقراراتها لصالحه لما يخدم مصالحها مع ذلك الطرف المستفيد وهكذا تعالج العلاقات بين الدول، التي لا تبنى على أساس الحب لسواد عيون زيد أو عمرو من الناس(ولنا في القرار الإثيوبي في بناء سد النهضة مثال فقد يكون ذلك القرار اتخذ بتخطيط أو دعم إسرائيلي أو غير إسرائيلي، لكنه في الأخير قرار إثيوبي سيادي، لكن لهذا القرار تأثيرات سلبية كبيرة على مصر  والسودان ولم يراع الحق التاريخي لدول المصب، لهذا نجد إثيوبيا تخوض تفاوض صعب مع مصر والسودان للحد من تأثير هذا القرار عليهما وتقديم إثيوبيا لحوافز كبيرة لهما في مدهما بالطاقة الكهربائية التي ستولدها شلالات السد)  
 فمن حق كل طرف أن يدرس نتائج تأثير(وضع تحت كلمة تأثير خطين) تلك القرارات السيادية عليه، ويطالب باتخاذ إجراءات للحد من تأثيرها على وضعه، ومن جانب آخر، يستخدم نفس الآلية للضغط على الدولة المتخذة للقرار، بما لها من مصالح لديه للوصول إما للتعويض عن النتائج السلبية عليه أو بتعريض مصالحها لديه، بحيث يرغمها على التراجع عن تلك الإجراءات أو التعويض عن خسائره وقد يصل الأمر إلى قطع العلاقات الدبلوماسية.
أما الغباء السياسي الذي نشاهده على وسائل التواصل الاجتماعي، وكثرة المتعاطين للسياسة من غير السياسيين  فلندعه جانبا، ولا يستحق حتى محاكاته.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى