الاحتلال الإسرائيلي يمارس العقاب الجماعي ويحرم فلسطينيين من بطاقة الهوية

> منذ ما يزيد عن 15 عاماً يعيش الفلسطيني مصطفى أبو حسين (43 عاماً) في قطاع غزة دون هوية، أو أيّة أوراق ثبوتية في وطن لا يحمل جنسيته، ليتذوق مرارة اللجوء وعلقم التشرد في سجن اسمه غزة، ويبقى مشتتاً ومنعزلاً تاركاً خلفه عائلته، والذي لا يستطيع السفر والوصول إليهم.

ويروي أبو حسين لـ "حفريات": "القصّة بدأت عندما غادرت عائلتي قطاع غزة، خلال حرب عام 1967، إلى جمهورية مصر العربية"، مبيناً أنّه لتصويب أوضاعه القانونية والحصول على الجنسية الفلسطينية قرّر المجيء إلى القطاع برفقة عائلته، خلال عام 2005، للتقدّم بطلب الحصول على هوية وجواز سفر فلسطيني، لدى الإدارة المدنية الفلسطينية".

وفي الخامس من يونيو عام 1967، اندلعت حرب بين إسرائيل وجيوش عربية، ترتب عليها نزوح 300 ألف شخص، من قطاع غزة والضفة الغربية، وفق إحصائيات فلسطينية، فتمّ سحب أسماء هؤلاء من السجل المدني الفلسطيني، من قبل السلطات الإسرائيلية.

وكانت السلطات المصرية قد أصدرت للفلسطينيين الذين هُجّروا عقب نكبة 1948 أو نكسة 1967 من فلسطين إلى الأراضي المصرية عبر سيناء ما تسمّى بوثيقة سفر اللاجئين الفلسطينيين، لإثبات شخصياتهم وتمكينهم من التنقل بالخارج، إلا أنّها لا ترقي إلى مرتبة جواز السفر؛ إذ لا تعترف بها دول كثيرة.

وعام 2000، جمّدت إسرائيل عملية تسجيل المستجدات والتغييرات في نسخة السجل الذي لديها، ومن وقتها وهي لا تعترف بالتغييرات التي تجريها السلطة الفلسطينية، وسمحت للسلطة بتسجيل الولادات والوفيات فقط، وباستبدال البطاقات البالية، ونتيجة لذلك لا تملك السلطة في الضفة الغربية، أو حركة حماس في قطاع غزة، أية إمكانية لإصدار بطاقات هوية للسكان معدومي المكانة القانونية وتصديق طلبات لمّ الشمل.

ويصبّ الرفض الإسرائيلي في هذا الإطار، برفضه للقرار 194، الخاص بعودة اللاجئين وكافة القرارات المتعلقة بهذا الشأن عدا عن تنصّله من بنود تمّ الاتفاق عليها في اتفاقية أوسلو والاتفاقات التالية لها؛ فهو يتعنّت أمام أيّ طلب، ولو كان صغيراً، بجمع شمل العائلات التي تمزقت بين الأرض التي عاد بعضهم إليها والبلدان التي ينتظر الباقون فيها بصيص أمل للحلّ.

سجين في وطنه
وتابع أبو حسين: "أعيش وعائلتي، المكوّنة من أربعة أفراد، كسجناء في وطني بلا أوراق ثبوتية؛ حيث ترفض السلطات الإسرائيلية منحنى بطاقة هوية شخصية، وقيّدنا في سجلات الأحوال المدنية؛ حيث لا أمتلك سوى بطاقة تعريفية مؤقتة أصدرتها وزارة الداخلية التابعة لحركة حماس بغزة، لتسيير أمور حياتنا بداخل قطاع بغزة فقط، وهي بطاقة لا تمحني حقّ المواطنة في بلدي، ولا تسمن ولا تغني من جوع".

ولفت إلى أنّه "منذ دخول غزة انقسم عن عائلته الكبيرة، لعدم مقدرته على الخروج منها، وبقي والداه الطاعنان بالعمر وأشقاؤه وبعض أفراد العائلة يعيشون قي مصر دون لقاءهم منذ أعوام، لتزداد معاناته أضعافاً مضاعفة، بعد أن حصل على تحويله طبية من وزارة الصحة للخروج عبر معبر إيرز إلى مستشفيات الضفة الغربية لإجراء عملية قلب مفتوح، ليفاجأ برفض الجنود على المعبر إدخاله؛ لعدم وجود اسمه داخل سجلات الإدارة المدنية، ويعود إدراجه إلى داخل قطاع غزة".

وتتعاظم معاناة ومأساة أبو حسين، ليس مع السفر ولم شمل عائلته، وإنّما مع العمل والإنجاب أيضاً؛ فهو وأبناؤه لا يستطيعون في بعض المؤسسات الخاصة، التي تطلب من الشخص المرشح للوظيفة عند التوقيع على عقد العمل وجود بطاقة الهوية الشخصية أو جواز السفر؛ وذلك نظراً لعدم اعترافها ببطاقة التعريف المؤقتة، مشيراً إلى أنّ عمليات التوظيف تجابه دوماً بالرفض من قبل أرباب العمل، لعدم امتلاكي وأبنائي هوية رسمية مسجلة بالأحوال المدنية الإسرائيلية".

 وأشار أبو حسين، وهو يشعر بغصّة في قلبه: إلى أنّ "أحفاده، والذين ولدوا في القطاع، لا يمتلكون شهادات ميلاد أو رقم قومي فلسطيني"، مؤكداً أنّ الجهات الفلسطينية المختصة لا تتعاون معهم بالشكل المطلوب، وتتمّ معاملتهم كأنّهم لقطاء في بلدهم، كما ويربط الاحتلال قضيتهم دوماً بالأوضاع السياسية الراهنة".
حلم العودة ليس سهلاً

أما الشاب هاني البطش، فكان من ضمن العائلات التي دخلت قطاع غزة، خلال عام 2011، قادماً من دولة الكويت، التي عاش مع عائلته فيها منذ عام 1970، إلّا أنّ حلمهم بالرجوع إلى أرضهم ووطنهم واللقاء بأقاربهم وأحبتهم في قطاع غزة، الذي ترعرع فيه آباؤهم لم يكن أمراً سهلاً، كونهم لا يحملون وثائق أو مستندات فلسطينية صادرة عن السلطة الفلسطينية، ومسجلة بالإدارة المدنية الإسرائيلية".

ولفت البطش (32 عاماً) في حديثه لـ "حفريات"؛ إلى أنّ "الفترة الطويلة التي مكثتها عائلته في الكويت لم تكن كافية لحصولها على كافة الخدمات، فهم ممنوعون من تلقّي الخدمات الصحية والتعليمية، أو تملّك عقار، أو الحصول على رخصة قيادة مركبة، لامتلاكهم جوازات سفر مصفرة، تمّ الحصول عليها من خلال سفارة فلسطين بالكويت، تمكّنهم من السفر إلى بعض الدول العربية فقط، لعدم احتوائها على رقم وطني فلسطيني".

وتابع: "السبيل الوحيد للوصول إلى غزة كان استخدام الأنفاق الحدودية للقاء أقربائهم"، مبيناً أنّه "بعد أكثر من ثمانية أعوام من التقدم بطلب لمّ الشمل للعائلة، بهدف الحصول على الأوراق الثبوتية الفلسطينية، لم تلقَ أسرته أيّ جواب، وبقيت قضية المعروفة باسم "البدون" حبيسة أدراج السلطات الإسرائيلية، والتي تماطل في منح الفلسطينيين الأوراق الثبوتية التي تثبت جنسيتهم الفلسطينية".
عقاب جماعي

وأكّد البطش أنّ "الأوضاع المعيشية في غزة صعبة للغاية، ويعدّ الحصول على وظيفة في مجتمع ترتفع فيه معدلات البطالة لمستويات كبيرة بالأمر المستحيل، كما يصعب الحصول على الخدمات الطبية والتعليمية، لعدم امتلاكنا أوراقاً ثبوتية رسمية لتلقِ تلك الخدمات، ليكتب لنا القدر أن نعيش بقية حياتنا في سجن يسمى غزة".

وبين أنّ "بطاقة الهوية هي وثيقة ضرورية لكلّ مواطن فلسطيني لإثبات جنسيته، وبناء عليها يستطيع الشخص التقدم للحصول على جواز سفر وتسجيل أبنائه في ملحق بطاقته الشخصية، كي يتمكنوا من الحصول على كافة الخدمات والمنافسة على الوظائف الحكومية والخاصة، والسفر إلى خارج قطاع غزة".
ويرى البطش أنّ "الاحتلال الإسرائيلي يمارس سياسة العقاب الجماعي والابتزاز ضدّ الفلسطينيين الذين هم في حاجة إلى أوراق ثبوتية رسمية يستطيعون من خلالها الحصول على كافة حقوقهم في داخل وطنهم".
ملفّ شائك ومعقّد


بدوره، يقول المحامي في مركز عدالة لحقوق الإنسان، يوسف القاضي، في حديثه لـ "حفريات": "ملفّ لمّ الشمل بقي عالقاً منذ توقيع اتفاقية أوسلو خلال العام 1993، إلى أن حدثت انفراجة في هذه القضية، ووافق الاحتلال على منح عدد من الفلسطينيين الذين دخلوا القطاع في تسعينيات القرن الماضي، بطاقات شخصية، بتنسيق إسرائيلي؛ حيث توقّف الملف نهائياً خلال عام 2008، بعد صعود اليمين المتطرف إلى سدّة الحكم في إسرائيل".

وبيّن أنّ "5 آلاف و300 فلسطيني ما يزالون ينتظرون موافقة إسرائيلية للمّ شملهم ومنحهم بطاقات هوية، ليستطيعوا من خلالها استصدار جواز سفر فلسطيني يتيح لهم زيارة أسرهم التي انفصلوا عنها بفعل هذا الملف الشائك والمعقّد منذ عدة أعوام، كذلك إتاحة الفرصة أمام الطلبة الفلسطينيين لتلقّي تعليمهم الأكاديمي بالجامعات العربية والدولية، والمرضى للسفر لتلقي الرعاية الصحية خارج قطاع غزة".

وتابع القاضي: "السلطة الفلسطينية منحت بعض العائلات التي لا تمتلك أوراقاً ثبوتية فلسطينية جواز سفر فلسطينياً "مصفراً"، وهو لا يحمل رقماً وطنياً، ويمكّن هذا الجواز حامله من السفر إلى خارج قطاع غزة دون العودة إليها مجدداً"، مبيناً أنّ من حقّ كلّ فلسطيني الحصول على الجنسية الفلسطينية، والتمتع بكافة الحقوق المشروعة في وطنه".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى