كيف تستغل إسرائيل "الكانتينا" لعقاب الأسرى الفلسطينيين؟

> تُسخّر دولة الاحتلال الإسرائيلي كافة إمكانياتها لاستهداف الأسرى الفلسطينيين، من خلال سنّ جملة من القوانين والإجراءات التعسفية والقمعية لسلب حقوقهم المشروعة؛ كمنع زيارات عائلاتهم لهم، ومواصلة سياسة الإهمال الطبي والعزل الانفرادي، والحرمان من الرعاية الجسدية والنفسية، والمماطلة في اتّخاذ إجراءات الوقاية والسلامة لهم مع انتشار وباء كورونا داخل المعتقلات الصهيونية.

واستمراراً ومواصلة لعقاب الأسرى، أعادت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، في 22 أيلول (سبتمبر)، الحوالة المالية الخاصة بمشتريات الأسرى الفلسطينيين "الكانتينا"، ولم تدخلها إلى حسابات شركة "ددش" التي تتسلمها شهرياً كالمعتاد منذ سنوات عديدة، والذي من شأنه أن يتسبّب في تفاقم الأوضاع السيئة التي يعيشها الأسرى داخل السجون الإسرائيلية؛ لاعتمادهم بشكل كبير على "الكانتينا"، التي تعدّ متنفّسهم الوحيد لتأمين أدنى متطلّبات حياتهم ومستلزماتهم المعيشية.

والكانتينا مقصف يوجد داخله الطعام والشراب وبعض مستلزمات الأسرى في السجون؛ حيث تستخدمه إسرائيل كوسيلةً لعقاب الأسير، لا لضمان ما تنصّ عليه معاهدات وإعلانات حقوق الإنسان الدولية، فيُسمح لعدد من الأسرى بالحصول على احتياجاتهم منه، ويُحرم آخرون بدعوى عقوبة صادرة بحقهم من "إدارة السجن".

5 آلاف أسير
ووفق هيئة شؤون الأسرى والمحررين؛ فقد بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين القابعين داخل السجون الإسرائيلية 5 آلاف أسير، من بينهم 180 أسيراً من الأطفال، و43 أسيرة فلسطينية، و430 أسيراً يواجهون الاعتقال الإداري، والذين لم تصدر بحقّهم السلطات الإسرائيلية أية لائحة اتهام، ولم يتم تقديمهم للمحاكمات العسكرية، فيما يقضي 570 أسيراً أحكاماً بالسجن المؤبد.

وأقرّ الكنيست، خلال الفترة من العام 2015 حتى 2017، عشرة قوانين تتعلق بالأسرى، وتشديد العقوبات عليهم، ومن ضمن تلك القوانين التي أقرّها الكنيست: قانون "احتجاز جزء من المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية"، عام 2017، وإثر ذلك، احتجزت إسرائيل، في 7 شباط (فبراير) 2019، مبلغ 138 مليون دولار من تحويلات الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية بسبب دفعها مخصصات مالية إلى عائلات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

وتنتهك إسرائيل بقوانينها العنصرية وقراراتها المتعلقة بالأسرى الفلسطينيين القانون الدولي، حيث نصّت اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، في المادة (98)، على أنّه يجوز للمعتقلين أن يتلقوا إعانات من الدولة التي يكونون من رعاياها، أو من الدول الحامية، أو من أية هيئة تساعدهم.

وكانت هيئة شؤون الأسرى والمحررين قد أعلنت، خلال شهر آذار (مارس) الماضي؛ أنّ الأسرى في معتقلات الاحتلال قرروا البدء بـ "خطوات تصعيدية" ضدّ إدارة السجون، وذلك رداً على إجراءات الإدارة بشطب أكثر من 140 صنفاً من "كانتينا" السجون، تشمل مواد تنظيف وخضروات ومواد غذائية، في وقت قرّر فيه الاحتلال اتخاذ خطوات أخرى، شملت منع زيارات الأسرى نهائياً، وتأجيل محاكماتهم، بزعم إجراءات السلامة من فيروس "كورونا".

جريمة جديدة
وقال الناطق باسم مفوضية الشهداء والأسرى والجرحى بالهيئة القيادية العليا لحركة فتح، نشأت الوحيدي، في حديثه لـ "حفريات" إنّ "قرار مصلحة السجون هو جريمة جديدة تأتي في ظلّ حرمان الأسرى الفلسطينيين من أبسط حقوقهم الإنسانية التي كفلتها لهم القوانين والمواثيق الدولية"، مبيّناً أنّ "الكانتينا هي من الأمور الأساسية التي يحتاج إليها الأسير لاستكمال حياته داخل سجون الاحتلال".

وأوضح أنّ "الكانتينا يجري تمويلها من هيئة شؤون الأسرى والمحررين التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية؛ حيث يستفيد 5 آلاف أسير بداخل المعتقلات الصهيونية بمبلغ 400 شيكل شهرياً ( 115 دولاراً أمريكياً)، وذلك لتغطية جزء من متطلباتهم الحياتية والمعيشية، على الرغم من الحصار المالي المفروض على السلطة الفلسطينية".

ولفت إلى أنّ "الأسرى أمهلوا مصلحة السجون الإسرائيلية، حتى 29 أيلول (سبتمبر)، للرضوخ إلى مطالبهم العادلة في إرجاع الكانتينا كما كانت سابقاً، وفي حالة مواصلة الاحتلال التعنت ورفض مطالبهم؛ فإنّ هناك جملة من الخطوات التصعيدية سيقوم بها الأسرى داخل السجون؛ كإرجاع وجبات الطعام، والطرق على أبواب الزنازين والمعتقلات، وغيرها من الخطوات التي تؤكد الاستمرار في مطالبهم وعدم الرضوخ للسجّان الإسرائيلي".

تشديد العقوبات على الأسرى
وأكّد الوحيدي؛ أنّ "قرار وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، جلعاد أردان، الذي اتّخذه خلال العام 2019، ودعا فيه إلى احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين كعقاب لهم بعد موتهم, وكذلك للمساومة عليهم والضغط على الشعب الفلسطيني ومقاومته، لم يتورّع عن مطالبته بتشديد العقوبات على الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، وهو ما شكّل قاعدة سهلة على المستوى السياسي الصهيوني لتضييق الخناق عليهم للنيل من صمودهم وعزيمتهم".

وبيّن أنّ "العقوبات الإسرائيلية المفروضة على الأسرى لم تقتصر على حرمانهم من الكانتينا، بل شملت أيضاً حرمانهم من العلاج والتواصل مع ذويهم، وكذلك عدم توصيل غرف الاعتقال بالمياه الساخنة للاستحمام، ومنعهم من اللقاء بمحامي الدفاع"، مشيراً إلى أنّ "تلك الإجراءات تهدف مصلحة السجون الصهيونية من خلالها إلى كسر معنويات الأسرى، إلا أنّ هذه الخطوات ستعود بالتأكيد بالضرر الكبير على الاحتلال، ولن تنال ممن قدّموا ما يزيد عن  225 شهيداً من الحركة الأسيرة منذ العام 1967م".

ودعا الوحيدي إلى "ضرورة توحيد الخطاب الفلسطيني لتسويق الرواية الحقيقية عن واقع الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الصهيونية نحو العالم، وأن تتابع جامعة الدول العربية قراراً اتخذته سابقاً بمتابعة قضية الأسرى في الأمم المتحدة، وهو ما لم يحصل إلى يومنا هذا، أيضاً متابعة كافة المنظمات الدولية وأحرار العالم لهذه القضية المفصلية في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة حتى عودة الأسرى سالمين إلى ذويهم".

سحق الأسرى الفلسطينيين
بدوره، تحدّث الأسير المحرر، سعدي بشارات، والذي اعتقل في سجون الاحتلال لمدة 15 عاماً، عن أنّ "الكانتينا داخل السجون الإسرائيلية هي حقّ طبيعي وقانوني للأسرى الفلسطينيين، في ظلّ حرمانهم من قبل مصلحة السجون الصهيونية من أدنى متطلباتهم المعيشية"، مبيناً أنّ "القرار الصهيوني يهدف إلى إذلال الأسير الفلسطيني وتحطيم معنوياته وكسر عزيمته".

ويضيف بشارات، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "الحركة الأسيرة استطاعت الصمود في كافة الإجراءات التعسفية التي ارتكبتها بحقهم مصلحة السجون الإسرائيلية، وتمكّنت من إخضاعها والاستجابة لمطالبها، وهو ليس بالأمر الغريب على حركة قدمت العديد من الشهداء من بينهم 75 أسيراً، قضوا داخل المعتقلات في ظروف اعتقال صعبة، و70 أسيراً فقدوا حياتهم بفعل الإهمال الطبي على مدار 5 عقود من الأسر".

وأكّد أنّ "الاحتلال الإسرائيلي يريد تحويل الأسرى الفلسطينيين إلى مجرد أرقام فقط، وإظهارهم بأنّهم حقول للتجارب ويجب سحقهم، وهي دعوات تواصلت منذ عدة أعوام على المستوى السياسي؛ حيث وصفت إيليت شاكيد، وزيرة العدل الصهيونية السابقة، الأطفال الفلسطينيين بأنّهم ثعابين صغيرة، مبرّرة قتل المدنيين، وهي تصريحات تمهّد لقتل المزيد من الفلسطينيين".

وتساءل بشارات عن أسباب استمرار الاحتلال اعتقال الأسرى الفلسطينيين، الذين تجاوزت أعمارهم 80 عاماً، ومنهم آخرون فقدوا أطرافهم السفلية والعلوية، وماذا يشكّل هؤلاء من خطر على دولة الاحتلال".

ويوضح أنّ 30 أسيراً فلسطينياً يعانون أمراضاً مزمنة وخطيرة، وهم في حاجة إلى عمليات جراحية على أيدي أطباء اختصاصيين، "وليس على أيادي مجرمين يرتدون الرداء الأبيض، ويمارسون العنف بحقّ الأسرى، خاصة المرضى منهم".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى