هل من ضرورة لقراءة إرث أكتوبر المتصل؟

>
انطلقت ثورة أكتوبر وعقلية أبناء الجنوب العربي أكثر العقليات في الجزيرة العربية التي اخترقتها الشعارات العروبية ثم الأممية، ساعدتها في ذلك الاختراق الانقسامية السياسية في الجنوب ومنافراتها فيما بينها، ومنافراتها في داخلها، جعلت البعض يثور لتقسيم الانقسامية، والبعض ثار أنفة من احتلال "نصراني كافر"، والبعض ثار يبحث عن تماسك وطني وعن تحقيقه، والبعض أحدث جناية ألزمته بالهروب فالتحق بالثوار...إلخ.

ولقد صدقوا مع ما آمنوا به، لكن عقلياتهم لم تتقبل كنظيراتها من انقساميات الجزيرة حلولا للتماسك الوطني من واقعها بل التجأت لضجيج الصوت العالي الجاذب الذي لم يتوفر إلا في شعارات الوحدة العروبية، فركبتها شعارات لها جذر هلامي وواقع عاطفي افتراضي في الذاكرة العربية، فلم تكن يوما مشروعا وطنيا ولا مشروعا إمبراطوريا.

ورغم تلك العقلية فالأجداد الأبرار ما ثاروا من أجل أن تكون إماراتهم أو سلطناتهم حينها، ناهيك عن أن الجنوب العربي جزء من اليمن سواء بملكيته أو جمهوريته، لكنها شراهة نخب للسلطة تزاوجت مع شعارات قومية هلامية وأنانية نخبوبة استثمرت قلة وعي لدى عامة الثوار بأهمية الدولة الوطنية، فحقنتها وحقنت الحاضنة الشعبية بشعارات تعبوية وظفتها مشاريع شمولية متصارعة في الحرب الباردة، فاستفقنا على هزيمة الطرف الحليف وإذا بنا في باب اليمن!

نحتفل بأكتوبر مثقلين بتجربة أشعلنا شمعة التصالح والتسامح لبلسمتها، لكي لا يُستَثمر الماضي لإخضاع الحاضر والتحكم بالمستقبل، فوطننا احتله ويحتله الذين طردتهم الحوثية من صنعاء واعترفوا أنهم أداروه بالاستعمار، والحوثي أكثر شراهة بأن يرث احتلالهم للجنوب!

فبماذا نحتفل؟! وهل لأكتوبر الثورة دور في مأساة حاضرنا، أم أن الدور كان لمستثمري أكتوبر؟
ليجيب كل منا على التساؤل بصدق مع نفسه، فلو أن لأكتوبر دورا فحريّ بكل جنوبي، يأنف الإدارة بالاستعمار، أن يرجم هذا اليوم كما رجمت العرب قبر "أبي رغال"، وأن كان للمستثمرين فلنقل لهم على الأقل: يكفي استثمارا.

وجهة نظر.. هل من ضرورة لقراءة إرث أكتوبر المتصل؟
إن كنا صادقين للانطلاق للمستقبل فالاستفادة من الماضي ليس بجعل أخطائه تعويذات مقدسة، بل بتقييمه لصيانة وعي أجيالنا وتحصينها من أخطائه ونضعه في سياقه التاريخي، فالتضحيات ليست حجابا يحجب إعادة قراءته، فبعد مرور عقود يجب استقراء تلك المرحلة، وهل فعلا كانت تضحياتها ضرورية أم أنها جاءت في إطار استراتيجيات مشاريع أخرى كانت على التماس من "أكتوبرنا"، فاستثمرت نبل هدف أبناء الجنوب العربي واتقاد مشاعرهم واستفادت من هدر دمائهم في إطار استراتيجيتها في المنطقة؟
هذا على الأقل يحصّن أبناءنا من الوقوع في شرك تجربة مماثلة تستنزف دماءهم الآن!
صحيح أن تضحيات أخرجت بريطانيا، وصحيح أيضا أنها قررت الرحيل من شرق السويس بعد هزيمتها عام 1956م بحسابات المصلحة والتكلفة، فأعباء القواعد البريطانية المنتشرة أكبر من المردودات الاقتصادية فرحلت من بلدان كان استعمارها أكثر جدوى من استعمار الجنوب العربي، فتركت ماليزيا وسنغافورة بدون ثورة ولا تضحيات عام 1958، وتركت الكويت 1962 وعمان والبحرين، وتركت الإمارات العربية المتحدة بدون ثورة وكفاح مسلح، وحددت الانسحاب من الجنوب العربي في يناير 68م، فكان الفارق الذي أنجزته الثورة شهرين.

نحتاج إعادة القراءة لوضع تجربة أكتوبر في سياقها بلا نرجسية ولا ثارية منها ولا استثمار، فأكتوبر مكون رئيسي من وعينا وتجربته جزء من تاريخنا، لكن لتأصيل وعي يجعل الجنوبيين يتصالحون مع ذاتهم ويقبلون بعضهم بوضوح وشفافية، ويعرفون ويعرّفون عدوهم، ويؤسسون لمستقبل يخلو من "التابوها" التي يتسلل منها الأعداء، ويحصن قضيتنا من الفتن، فليس منطقيا أن نخطو للمستقبل ونحن "بشلل نصفي" نلوك مصطلحات نكبتنا لنتحرر منها، ولا يُعقَل أننا في الجنوب وصلنا للحالة الراهنة وثورتنا صح ونخبنا صح ومصطلحاتنا صح وتجربتنا صح.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى