لا يوجد تفسير منطقي للوضع الصحي الغامض في اليمن، سوى أنّ فيروس كورونا قد وصل إلى هذا البلد المتخم بالاضطرابات، وأبرم معه اتفاق تهدئة، أو ربما أنه قد أعلن وقف تسجيل الإصابات من جانب واحد، كحُسن نية، استجابة لدعوة منظمة الصحة العالمية. من يصدق أنّ "كوفيد 19"، الذي اقتحم أسوار البيت الأبيض، بعد وصوله إلى رئة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأدخل غالبية بلدان العالم في موجة هلع جديدة في ظلّ المخاوف من موجة أخرى مع حلول مقدمات فصل الشتاء، هو صاحب الحضور الخجول في المدن اليمنية.
حتى مساء أول من أمس، الأحد، أعلنت سلطات الحكومة الشرعية تسجيل 2054 إصابة فقط، بينها 595 حالة وفاة، منذ الكشف عن أول إصابة في محافظة حضرموت في 10 إبريل الماضي. أما في مناطق سيطرة الحوثيين، فالجماعة التي لا تتورع عن مداهمة عشرات المنازل أو تفجيرها بوضح النهار، فضّلت إخفاء الإصابات حفاظاً على مشاعر ومعنويات السكان بمناطقها، فهي لا تريد لأي طارئ أن ينغّص عليهم بحبوحة العيش.
وبما أنّ مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن قد عجز عن تفسير ظاهرة كورونا في البلاد، فليس هناك سوى احتمالين؛ الأول هو أنّ "كوفيد 19" قد تعرّض للإخفاء القسري لدى جماعة الحوثيين، البارعة في إخفاء كل ما يشكل تهديداً وجودياً عليها، كما فعلت مع جثة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، أو مع خصومها السياسيين مثل القيادي في حزب "الإصلاح" محمد قحطان، أو مع قيادات بارزة بالصف الأول فيها، مثل عضو الوفد المفاوض بمشاورات جنيف، حمزة الحوثي، الذي انقطعت أخباره منذ نحو 3 أعوام.
وبما أنّ شرّ البلية هو ما يسرح ويمرح في اليمن، يبدو أنّ كورونا عجز عن فهم الواقع اليمني، واكتشف أنّ هذه البلد أرض خصبة للاتفاقيات وليس للفيروسات، ففضّل الانخراط باتفاق تهدئة، وما الأرقام التي تعلنها لجنة الطوارئ الحكومية، عن تسجيل إصابة واحدة باليوم الواحد من دون وفيات، أو حالة وفاة من دون إصابات، إلا مجرد خروقات يرتكبها "كوفيد 19"، مستغلاً هشاشة السلطات الصحية المدعومة أممياً.
العربي الجديد