الهروب نحو مرافئ الحلم

> عبد المنعم الشرمي

> أحمد موظف عمومي كغيره من موظفي القطاع الحكومي يعاني من الهموم والظروف الصعبة بعد أن أصبح المعاش لا يفي بأبسط متطلبات المعيشة.
لكن أحمد كلما استلقى على فراشه ليلاً، ومن باب التخلص من الأرق وهرباً من واقعه المر أبتكر آلية ذهنية معقدة للهروب من ذلك الواقع المرير آلية معقدة أضحت وبعد الكثير من التدريب الذهني سهلة ونتائجها الأريحية فاعلة في عملية تسريع ولوجه لعالم النوم، والتخلص من الأرق وإجهاد التفكير في ديونه المتراكمة.

وملخص هذه الآلية هو خلق عالم سحري كل ليلة ينسج في رحابه حلم يقظة سرمدياً يحلق في فضائه اللا محدود، ليغدو تارة رجل أعمال ناجح تدير مشاريعه الملايين.
وتارة أخرى وزيراً أو مسؤولاً حكومياً رفيع المستوى لديه عدد لا يحصى من الفلل والشقق السكنية والسيارات الفارهة ناهيك عن أرصدته البنكية، وسفراته الشهرية إلى أرقى المنتجعات السياحية العالمية إما للسياحة أو دواعي العلاج في الخارج من نزلة برد طارئة على نفقة الدولة.

وفي يوم استلام الراتب يدلف لغرفته ويخرج ورقه وقلماً، ويبدأ بتدوين كافة ديونه ابتداءً من إجمالي قيمة (الراشن) الذي كان يشتريه قبل أشهر بـ 30 ألف ريال، بينما قيمته اليوم زادت أضعافاً بسبب التدهور للقيمة الشرائية لسعر الريال مقابل الدولار، مروراً بقيمة مبلغ الدين الخاص بالبغال، وانتهاءً بما يدين به لبائع السمك.

وفي خضم محاولاته تقسيم قيمة معاشه الحقير على إجمالي الديون، وبعد عمليه حسابية معقدة وتجزيئية قد لا تقيه من غضب وتذمر الدائنين بحجة عدم دفعه لما يدين به لهم بشكل كامل. إلا أن ذلك أفضل من عدم مواجهته لهم، فبقليل من التودد المصحوب بشرح ظروفه الصعبة واضمحلال قيمة معاشه أمام الارتفاع الجنوني للأسعار مع ذر قليل من رماد الوعود أمام وجوههم لامتصاص ولو قدر يسير من تذمرهم على غرار:

"أنت وصل هذا المبلغ على حسابي وربك كريم. باتفرج وما بيقع إلا كل خير".

فجأة تدلف عليه ابنته الطالبة بالمرحلة الثانوية لتذكره:

(لا تنس حساب قيمة البالطوهات، والملابس والدفاتر والحقائب المدرسية).

فيتذكر أن معاش هذا الشهر يصادف بداية العام الدراسي.

فيعلق بتذمر: (لازالت بالطوهات العام الماضي بحالة جيدة)

(لما لا تطلبي من أمك غسلها وكيها؟)

يضيف متسائلاً: (البالطوهات حق العام الماضي زرقاء اللون؟)

تجيب، فيقاطعها: (إذن ما المشكلة في ذلك؟)

(المشكلة يا أبي أن المديرة طلبت بالطوهات مدرسية باللون الأخضر هذا العام)
ترد ابنته وهي تهم بمغادرة الغرفة، فيدلف طفله البالغ من العمر 7 أعوام نحو الغرفة فرحاً بدافع من لهفته بعد أن ترك اللعب مع أقرانه فور سماعه أن والده قد استلم المعاش!

وما أن توسط الغرفة حتى لاحظ الوجوم المخيم على ملامح أبيه!
ابتلع فرحته ووقف منتصباً يجول بناظريه ما بين رزمة الأوراق النقدية الملقاة في حجر أبيه، وبين ملامح وجه أبيه الواجمة، والتي لا تبشر بالخير.

فهو قد تعود أن يستقبله والده بوجه بشوش ويأخذه بالأحضان كلما عاد من العمل أو من السوق.
حاول استعادة رباطه ليذكر والده بوعده الذي قطعه على نفسه بشراء دراجة هوائية له أسوة بأقرانه من أبناء الجيران:

(أبي هل ستشتري لي الدراجة التي وعدتني بشرائها قبل أشهر؟)
يرفع الأب نظرة نحو طفله، ومن ثم يشيح بوجهه نحو الأرض دون أن ينبت ببنت شفة!

فيدرك طفله الحقيقة المرة المتمثلة باستحالة إيفاء أبيه بوعده.
فيغادر وقد اكتست ملامح وجهه الطفولي الناضح بالبراءة، بالأسى والحزن.

جاهد (أحمد) لمنع سقوط دمعة ابنته إلا أن تسقط مبللة الورقة أمامه.
رمى بالورقة والقلم جانباً، واستلقى على ظهره محاولاً تشغيل آلية الهروب والانفصال عن الواقع. لكن ذهنه مشوش ولم يستجب برغم محاولاته الحثيثة.
ظل على وضعية الاستلقاء محملقا بسقف الغرفة كجوال ممتلئ الذاكرة. علق لتوه بعد تعرضه لهجوم فيروسي مباغت من قبل جيش من الهكر الإلكتروني المخترق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى