حكومة مفخخة

> لا يوجد محفز يدعو للتفاؤل بنجاح حكومة المحاصصة المنتظر إعلانها، كونها ولدت على خلفية الصراع بين الشرعية والانتقالي الجنوبي، الذي لا يزال قائما رغم تكرار إعلان التهدئة الهشة التي عادة لا تستمر طويلاً بينهما، هذا أحد العوامل المعيقة لنجاحها مستقبلاً، لأن نجاح أي حكومة يتطلب وضعا مستقرا ولو في حده الأدنى على ألا يكون مفخخا وقابلا للانفجار، أو يؤدي لتعطيلها في أي وقت عند أبسط تباين، وهناك ما يكفي من التجارب والعبر بالنظر إلى ما حدث ويحدث لحكومات لبنان مع التأكيد على اختلاف جوهر وأسباب الصراع عن ما هو موجود في اليمن، وكذا الوضع بين البلدين.

إن لم يستبق إعلان تشكيل أي حكومة، اتفاق سلام أو مصالحة لإنهاء أثار الصراع والاحتراب يستحيل نجاحها حتى إذا افترضنا أنها تُمهد لحلحلة الأوضاع أمام "الإعلان المشترك" الذي يتبناه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن السيد مارتن جريفيثس، إلا أنها في الواقع ستؤسس لدورة صراع قادمة بالعودة إلى ما آلت إليه الأوضاع عقب تشكيل الحكومات اليمنية المتعاقبة منذُ ثورة الربيع العربي، وكيف عملت على تأجيج الصراع وتفكيك الدولة اليمنية ومؤسساتها.

المؤكد أن فرص النجاح ستقل وستتلاشى أمام حكومة مفخخة بالصراع والتطرف السياسي، كهذه المنتظر إعلانها، وقد تنعدم كليًا مهما قُدم لها من دعم إقليمي ودولي، دبلوماسي وسياسي واقتصادي وإنساني، فأضداد الصراع لا يمكن لهما معاً اجتياز الطريق الوعر بأمان؛ فكل منهما سيحاول الانقضاض على الآخر والتربص به لإفشاله، وهذا سلوك سياسي يمني متوارث لا جدال فيه، بالإضافة إلى بيئة الفساد التي ترعرعت فيها الأطراف المتصارعة، المشجعة لهذا السلوك، إلا إذا وجد عامل ومحفز آخر أكبر منهما، تفوق قدراته قدراتهما، قادر على الدفع بهما للعبور وتحقيق النجاح، واجتياز مخاطر الطريق.

لكيلا يذهب البعض للنظر إلى ذلك بأنه محاولة لبث روح الإحباط واستباق الأحداث قبل وقوعها أو محاولة القفز على ما اتفق عليه الجنوبيون (اتفاق الرياض) الذي باركناه جميعا، كمخرج لوقف الحرب ومعالجة الصراع بين الطرفين اللذان لا يمثلان كل الجنوب، لأننا كنا ننتظر من نتائجه إنقاذ الوضع من الانهيار الاقتصادي، ووقف نزيف الدم في شقرة والشيخ سالم بأبين، وهذا ما لم يحصل، بل نُقل الوضع من السيئ إلى الأسوأ، وأوصل العامة إلى استنتاج أن الاتفاقات الجانبية الثنائية لم تحرز أي نجاح أو حلول تذكر، بقدر ما تمهد ميدانيا مع مرور الزمن، وهو لم يحن بعد! للحل النهائي للصراع في اليمن، وكجزء من معالجة إنهاء الصراع (الإقليمي) الخليجي - التركي من جهة والخليجي - الإيراني من جهة أخرى، وإلا لما تمردت القوات القتالية على أوامر الرئيس هادي بوقف إطلاق النار أكثر من مرة في شقرة.

مهما تكُن قوة الضمانات الإقليمية وإمكانياتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية إلا أنه سيصعب عليها إلزام الأطراف المتصارعة التي تمثل حكومة المحاصصة "المفخخة" بتوحيد جهودها في خندق واحد لتحقيق أهداف التحالف العربي وخدمة الشعب اليمني جنوباً وشمالاً، وإنقاذ الوضع من الانهيار المتسارع، وفي ظل هذا يبقى إحلال السلام الدائم هو أفضل الخيارات الضامنة لنجاح أي حكومة قادمة واستقرار اليمن بشكل عام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى