ماكرون يطل على العالم الإسلامي عبر قناة الجزيرة؟

> اكتفى البعض بنبأ أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيطلّ على العالم الإسلامي عبر منبر قناة "الجزيرة" التي قادت الحملة العنيفة ضده على مدار الأسبوع الماضي، ليعتبروا أنّ الفعل ذاته هو صكّ غفران أو استجداء لاعتذار، غير أنّ عدم الاكتفاء بالانطباع الأول، وتتبع الحوار الذي استمرّ لـ50 دقيقة وتحليله، يؤكد أنّ الرئيس الفرنسي الذي أخطأ مرّة بالفعل، قد تدارك خطأه وعاد لتسجيل ضربات في مرمى الخصم.

والخطأ المقصود، ليس تحديداً ما روجّت له "الجزيرة" والنظام التركي، تلقفته مشاعر المسلمين المُحِبّة والغيورة، في موعد يتنافسون فيه لإظهار حبهم للنبي، في ذكرى مولده، إذ إنّ ذلك الخطأ المتصوّر بتعمد إهانة ماكرون للرسوم والإسلام قد أزاله في لقائه الذي بدا فيه واثقاً متمكناً، مستشهداً بوقائع تاريخية، وبقناعات ونصوص دستورية، متحدثاً عن الإسلام والمسلمين على أنهم ضحايا مثل من سقطوا من شعبه، فيما المذيع ترتسم على وجهه ابتسامة تصيّد فرصة الجلوس أمام رئيس دولة كفرنسا، وتسجيل نصر لقناته بمحاورته في الذكرى الـ24 لها.

اللقاء إذاً لم يكن نصراً للجزيرة، بل على العكس، فقد امتلك ماكرون الجرأة والحنكة اللازمة ليخرج مدافعاً عن نهجه الأوّل، عبر المنصة التي تهاجمه، ويجبرها ومستمعيها على تلقي كلماته بإنصات واحتفاء، وإن حاولوا اقتطاع اللقاء فيما بعد، أو تصويره على أنه نصر وتراجع.

لكن، أين أخطأ ماكرون إذاً؟ تجيب عن ذلك الكاتبة إنعام كجه جي في "الشرق الأوسط" اللندنية، حين استرجعت استراتيجية ماكرون لمواجهة الإسلام المتشدد، وما تلاها من أحداث، فتقول: "حين صرّح ماكرون عن خطته لمواجهة هذه الأقلية كان ذلك بتاريخ 2 تشرين الأول (أكتوبر) كواحدة من أهدافه الانتخابية، ولكن حدث أن قُتل المدرس بعد أسبوعين، حينها أعلن ماكرون تصريحه الثاني في 21 تشرين الأول (أكتوبر) مدافعاً عن خطته وبرنامجه في حفظ "الهوية الفرنسية" من العبث بها، مستخدماً -لسوء حظه- مثالاً هو في الأصل مختلف عليه حتى في الداخل الفرنسي، حين وضع مبدأ حرّية التعبير امتحاناً لبرنامجه في الحفاظ على الهويّة"، وتتابع: "جاء تصريح ماكرون المنحاز لأحد أطراف الجدل، وحوّل بذلك معركته الفرنسية إلى معركة عالمية!".

وهنا تحديداً يكمن خطأ ماكرون الأكبر، حين لم يزن كلماته التي دافع فيها عن حرّية التعبير في أوج معركة محتدمة وجدال، فابتعدت تصريحاته عن الدبلوماسية التي عادة ما يستخدمها الرؤساء والمسؤولون في مثل تلك المواقف، ماذا كان سيخسر ماكرون، إذ جنب دفاعه عن حرّية التعبير في تأبين المدرس ضحية الإرهاب، ليظهر كما لو كان متحدياً الإرهاب بمزيد من الرسومات؟ فكانت النتيجة أن منح تركيا هدية أحسنت استخدامها.

ولو أنّ ماكرون الذي صرّح عبر "الجزيرة" عقب الأزمة أنه "يتفهم مشاعر المسلمين الغاضبة من الرسوم المسيئة" قد توقعها قبل أن يطلق تصريحاته في الزمان والمكان الذي أطلقها فيهما، لكفى نفسه معركة استطاع فيها أردوغان العودة للعب الدور الأكثر تفضيلاً له، لتنصيب نفسه مدافعاً عن الإسلام والمسلمين، في وجه فرنسا ورئيسها، التي كانت أبرز من يواجهه وينغصّ عليه ويتصدّى لطموحاته (أردوغان) الإمبريالية في ليبيا وشرق المتوسط.

وعودة إلى ظهور ماكرون الخاص عبر "الجزيرة"، فقد كان موفقاً إلى حدٍّ بعيد، حيث تصدى لتركيا لينتقصها، ويعترف بتاريخ بلاده الإمبريالي، ويبدي تفهماً لمشاعر المسلمين، لكن في الوقت نفسه متمسّكاً بالحرّية في بلاده التي لا تتمتع بها الدول التي تنتقدها، في إشارة إلى تركيا وغيرها، من منصة الحليفة الاستراتيجية الأبرز: قطر.

الحوار
وجاء في تصريحات ماكرون، التي تؤكد أنه لم يخسر جولة اللقاء بل كسبها، قوله: "فرنسا تحت صدمة العمليات الإرهابية، وأردت أن أزيل سوء الفهم معكم، وكنت أتابع ما تنشره قناتكم"، "في آخر 40 عاماً أو أكثر 80% من ضحايا الإرهاب هم من المسلمين، تُختطف فتيات في نيجيريا مسلمات... المسلمون هم أوّل ضحايا الإرهاب الذي ارتُكب باسم الإسلام".

وقال أيضاً: إنّ "فرنسا ستكافح الإسلام المتطرّف وليس الديانة الإسلامية، فعلى العكس فرنسا فيها الملايين دينهم الإسلام، ولهم كامل المواطنة، هؤلاء من يريدون العيش بسلام، كما أنّ لفرنسا دولاً صديقة غالبية سكانها من المسلمين، من نواجه، ويجب أن يتضامن معنا الجميع بغضّ النظر عن الدين، هم المتطرّفون العنيفون الذين يرتكبون الأسوأ باسم الإسلام... ويخرجون الأطفال من المدارس".

وتابع أنّ مشروعه الذي سُمّي بالانفصالي يهدف إلى مواجهة الجماعات الراديكالية: مكافحة هذه الجماعات والأشخاص العنفيين، منع وصول التمويلات  إليهم، ودخول الأطفال إلى مدارسهم، واتباع مبدأ الشفافية المالية"، وشدّد قائلاً: "على أيّ شخص مهما كان دينه أن يحترم قوانين الجمهورية الفرنسية".

وحول علاقة فرنسا بالإسلام قال: "لقد كانت فرنسا من أوائل الدول التي ترجمت القرآن الكريم في القرن الـ17، ومن أوّل الدول التي علّمته ودرّسته، من يريد أن يرى الإسلام في فرنسا، فليذهب ويشاهد مسجد باريس الكبير، ولو سألتم إمام مسجد باريس، فسيقول الحديث نفسه (...)، دول كثيرة تعاني من الإرهاب، تونس عانت من الجماعات الإرهابية والجزائر لعقود، وأفريقيا جنوب الصحراء، نحن نواجه إيديولوجيا تطوّرت وأصبحت إيديولوجية موت.

وتابع: "المتطرّفون يُعَلِّمون أنه يجب عدم احترام فرنسا. هم يُعَلِّمون أنّ النساء لسن متساويات مع الرجال، وأنّ البنات الصغيرات يجب ألّا يكون لهنّ حقوق الصبيان الصغار نفسها. أقولها لكم بكلّ وضوح: ليس في بلدنا". وهذا الاقتباس أعاد ماكرون نشره عبر صفحته على تويتر بالعربية مصحوباً برابط الحوار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى