المملكة وإخوان اليمن.. انتهى شهر العسل ومن هنا يبدأ "قصقاص الأجنحة"

> وهيب الحاجب

> أجندات "الإصلاح" تجبر السعودية على تصنيف الإخوان جماعة إرهابية
ليست المرة الأولى التي تصنفُ فيها المملكة العربية السعودية تنظيم الإخوان المسلمين جماعةً إرهابية، إذ عمدتْ الرياض، خلال الفترات الماضية، على مداراة الإخوان بشيء من السياسة بعيداً عن المؤسسة الدينية والموقف الشرعي من هذه الجماعة.
في مارس من العام 2014 صنفت وزارة الداخلية السعودية جماعة الإخوان ضمن التنظيمات الإرهابية داخل المملكة، بيد أن الرياضَ دأبتْ، بعد هذا التصنيف، على ممارسة سياسة المداهنة والعمل ببراجماتية في علاقاتها مع أنظمة عربية أخرى تُدار بعقلية الإخوان وتدير شؤونها تحت هيمنتهم وفي مقدمة هذه الأنظمة اليمن.

انطلاق عاصفة الحزم وتدخّل السعودية عسكريا في اليمن كان لابد من أن تعيد السعودية صياغة علاقتها مع الإخوان وفقا لما تقتضيه الظروف السياسية وتطلبه مقتضيات الحرب ضد جماعة الحوثي؛ اعتقادا من الرياض أن الإخوان في هذه المنطقة سيكونون حليفا للمملكة في حربها ضد المشروع الإيراني وضد التدخل التركي، وهو ما أوهمت به الجماعة النظام السعودي، بغية حصولها على المال والسلاح من خزينة التحالف.

بعد نحو عامين من عاصفة الحزم بدأت أجندات الإخوان تتكشف وبدأت علاقات الجماعة مع قطر وتركيا تظهر للعلن، ومعها برزت تحالفات علنية بين الحوثيين وحزب الإصلاح -ذراع الإخوان باليمن- فبدأت المملكة تغرق في رمال مأرب والجوف وشبوة وفي حدودها الجنوبية بخديعة حبكَ عقدتها رجال الإخوان في منظومة الشرعية اليمنية وقادات الجيش والعسكريين ورجال القبائل الذين وثقت بهم الرياض كحلفاء ضد إيران ومولتهم بالسلاح والمال دون أدنى حسابات لتاريخ الإخوان المتربص بالمنطقة.

المؤسسة الدينية في المملكة استشعرت فأدركت أن خطر الإخوان بدأ من مستنقع اليمن، إذ قالت هيئة كبار العلماء في السعودية، عبر حسابها على تويتر، في يونيو 2017، إن جماعة الإخوان "ليست من أهل المناهج الصحيحة، ومنهجهم قائم على الخروج على الدولة"، مضيفة أن "كل جماعة تضع لها نظاما ورئيسا، وتأخذ له بيعة، ويريدون الولاء لهم، هؤلاء يفرّقون الناس".

وفي الشهر ذاته أصدرت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر بيانا مشتركا صنفت فيه شخصيات ومؤسسات خيرية من جنسيات مختلفة على أنها إرهابية، وتضمنت القائمة 59 شخصية و12 هيئة، منها شخصيات تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
وفي مارس 2018 وصف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جماعة الإخوان بأنها "حاضنة للإرهابيين"، كما هاجم الجماعة في مقابلة تلفزيونية في محطة "سي بي إس" الأميركية، متعهدا بـ "اجتثاث عناصر الإخوان المسلمين" من المدارس السعودية في وقت قصير.

أمس الأول، وفي ظروف عصيبة وتعقيدات تمر بها الجهود السعودية بشان اليمن جراء عرقلة حزب الإصلاح لتنفيذ اتفاق الرياض وإعلان حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب، عاودت هيئة كبار العلماء بالسعودية تصنيف الإخوان جماعة إرهابية، في تطور جديد هذه المرة تمثل بوصف الإخوان أنهم "جماعة خارجة عن الحاكم"، وهو إشارة واضحة إلى موقف حزب الإصلاح اليمني من الرئيس عبدربه منصور هادي، وتأكيدٌ جليٌّ على أن إخوان اليمن شذّوا عن التوافق على تشكيل الحكومة وانحدروا نحو أجندات تخريب تمولها قطر وتركيا بمساندة إيران عبر أذرع حوثية متخفية داخل مؤسسة الشرعية اليمنية.

هيئة كبار العلماء قالت في بيان رسمي لها، أمس الأول، إن جماعة الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام"، مشددة على أن هذه الجماعة "تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي الدين".
وأضافت هيئة كبار العلماء -في بيان موقّع من رئيسها و16 من أعضائها- أن الإخوان "جماعة منحرفة قائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد".

واتهمت الهيئة جماعة الإخوان بأنها لم تُظهر منذ نشأتها "عناية بالعقيدة الإسلامية وعلوم الكتاب والسنة"، وأن غايتها كانت الوصول إلى الحكم. ووفقا لبيان هيئة كبار العلماء فإنه قد خرج من رحم جماعة الإخوان "جماعات إرهابية عاثت في البلاد والعباد فسادا".

تطور جديد في الموقف السعودي من جماعة الإخوان المسلمين جاء متزامنا مع جمود في العملية السياسية التي تتبناها الرياض بشأن رأب الصدع بين الحكومة اليمنية والمجلس والانتقالي الجنوبي وتوحيد الجهود لمواجهة المشروعين الإيراني والتركي في المنطقة العربية، إذ يتعثر حتى مساء أمس تسمية حكومة المناصفة بين الشمال الجنوب جرّاء اشتراطات يضعها حزب الإصلاح الإخواني لفرض شخصيات موالية لقطر وتركيا وتعمل ضد التحالف من داخل الحكومة، ما تعده الرياض تغولا تركيا قطريا قد يطال خطره المملكة على حين غرة.

التقارب الأخير بين الرئيس عبدربه منصور هادي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس قاسم الزبيدي اللذين التقيا في الرياض مرتين خلال أسبوع واحد وكشفا عن توافق كبير لإعلان تشكيل حكومة المناصفة.. أثار حنق الإخوان داخل الشرعية؛ ما زاد من جهودهم في التصعيد العسكري على الأرض واستئناف خرق الهدنة التي أعلنها التحالف في شقرة، إذ شنت مليشيات الإخوان -عقب لقاء هادي والزبيدي- هجوما مباغتا على مواقع القوات الجنوبية أسفر عن مقتل عشرة جنود، إضافة إلى تصعيد سياسي بوضع مزيد من العقبات لعرقلة تسمية الحكومة وإفشال تنفيذ الاتفاق.

الموقف السعودي في تصنيف الإخوان جماعة إرهابية خارجة عن الحاكم وعن قوانين الدولة رسالة واضحة إلى حزب الإصلاح اليمني ونافذيه في الشرعية المعرقلين للاتفاق الذي رعته الرياض بهدف إعادة لملمة أشلاء الشرعية، كما أن موقف المملكة استيعابٌ حقيقي وموفّق لعلاقات إخوان اليمن بقطر وتركيا وارتباطاتهم بجماعة الحوثي وتحالفاتهم الخفية للعمل ضد السعودية وضربها من عقر دارها.

ما يؤكد هذه الرسالة، التي أرادت المملكة توجيهها لإخوان اليمن، هو موقف القيادة الإخوانية والحاصلة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، التي ردت مباشرة على بيان هو الأعنف على هيئة علماء السعودية دفاعا عن الإخوان التي تتنكر لهم وتقول إن حزب الإصلاح اليمني لا يتبع جماعة الإخوان ولا يوالي فكرهم، إذ قالت كرمان غاضبة من البيان: "إلى هيئة كبار المطبلين لـ بن سلمان وملمعي أحذيته: الإخوان في السعودية مكافحون في سبيل الحرية، ونظام الطاغية بن سلمان قامع لحريات الجميع، الإخوان وغير الإخوان، تمتلئ سجونه بكل من قال "لا" بل وبكل من يتوقع أنه سيقول "لا"، وبسقوطه سيتنفس الجميع الحرية وذلك اليوم قادم لا ريب فيه، ‏أما الإرهاب فالسعودية أمه وأبوه الروحي، اخترعته وصنعته كفكر وغذته وزاولته كممارسة، ويد هيئتكم البائسة هذه ملطخة بدماء أغلب ضحايا الإرهاب في العالم، أتحدث عن حكام السعودية لا عن شعبها العظيم والحبيب".

الإصلاح حزب إخواني فكرا وعقيدةً وأجنداتٍ سياسية باعتراف الأم الروحية للتنظيم في اليمن، والإخوان جماعة إرهابية خارجة عن الحاكم ولا تمثل الإسلام بفتوى شرعية من هيئة كبار العلماء في أرض الحرمين.. إذن الإصلاح تنظيمٌ إرهابي خارج عن الحاكم وعقبة أمام الحل السياسي في اليمن، وهذا ما يبدو أن السياسة السعودية ستسير عليه في جهودها باليمن خلال الفترة القادمة.. فهل أنهت المملكة شهر العسل مع إخوان اليمن وأدركت حقا مدى خطورة هذه الجماعة الغادرة؟ وكيف ومتى ومن أين ستبدأ الرياض بـ "قصقصة" أجنحة الإخوان داخل اليمن لتمهّد طريقا جديدا لسلام دائم منزّهٍ من شوائب الإرهاب وآفات الفكر المتطرف؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى