اللواء طيار قاسم عبدالرب لـ"الأيام": الجميع خسر المعركة والحل في إعمال العقل والعودة إلى عهد الدولتين

> حوار/ أحمد يسلم صالح

> الحرب انتهت والمتناحرون الآن في مرحلة "التشطيب" بحثا عن المصالح
بمناسبة ذكرى الاستقلال الوطني الثلاثين من نوفمبر 1967م كان لنا أن نجري حديثا ضافيا مع واحد من كبار قادة القوات المسلحة الجنوبية الذي تسنم مراكز قيادية حساسة كقائد للقوى الجوية والدفاع الجوية، ثم نائبا لرئيس هيئة الأركان العامة فرئيسا لها لفترة عام قبل أن يتم إحالته مع زملائه إلى السلك الدبلوماسي، فعمل سفيرا لبلاده اليمن الديمقراطية في ألمانيا الديمقراطية ثم جمهورية إيران. اللواء طيار قاسم عبد الرب العفيف واحد من أهم الكوادر العسكرية الذين عاصروا الدولة الجنوبية في مختلف مراحلها، التقته "الأيام" في حوار كرس لجوانب من تاريخ القوات الجوية والجيش الجنوبي منذ تأسيها حتى اليوم، كما تطرق الحوار إلى مستقبل قضية الجنوب والمآلات التي قد يفضي إليها الوضع المتأزم في الجنوب والشمال.

سعادة اللواء هل لنا من معرفة البدايات؟ والبداية من بطاقة التعريف.
- شكرا جزيلا لكم وللأيام الصحيفة المرموقة بمكانتها المعروفة والمعهودة.
قاسم عبدالرب صالح العفيف من مواليد 1948م، من مواليد قرية سلفه يافع.

قاسم عبدالرب
قاسم عبدالرب
هناك محطات في حياتي، وكانت البداية بعد نهاية دراستي بالمعلامة ومغادرة أغلب من كان معي بالسفر إلى مدن مختلفة إما للدراسة أو للعمل، ولذا قررت أن أذهب إلى مدينة جعار حيث يعمل والدي، وهناك حصلت على فرصة الدراسة، وأنهيت الابتدائية والمتوسطة في نهاية عام 63 في جعار، ثم انتقلت للدراسة في كلية الاتحاد في عاصمة اتحاد الجنوب العربي حينها، وهي المدرسة الثانوية التي تقبل طلاب من جميع إمارات الاتحاد آنذاك.

هل كانت كلية الاتحاد بداية نشاطكم السياسي؟
- كانت تلك المحطة الرئيسية التي وضعت قدمي على أعتاب العمل السياسي الوطني، فقد كانت الأوضاع السياسية في المنطقة ملتهبة بتأثير ثورة مصر ومشروع ناصر التحرري والقومي، وكانت هناك ثورة في اليمن، ووجد جيش مصر لمساندة ثورة صنعاء، واصبح المد الناصري على تخوم الجنوب، فزاد من سخونة الوضع السياسي، وأجج المشاعر الثورية لدى عامة الناس، وحفز القوى السياسية الجنوبية للتحرك نحو انطلاق ثورة تحررية، وكنا نلمس حراكا سياسيا محموما لاستقطاب الشباب للمشاركة في العملية النضالية التحررية، وكان أن تم استقطابي عضوا في حركة القوميين العرب في صيف 63م، وكانت حركة سرية، وكانت أهم فصيل في الثورة المسلحة الجنوبية التي شكلت الجبهة القومية.

وفي 63 انطلقت ثورة 14اكتوبر من جبال ردفان... فالثورة لم تكن نزهة، ولكنها كانت ضرورية لتحريك الركود السياسي والاقتصادي الذي كان سائد في تلك المرحلة، والذي كان يشمل ساحة الجنوب عدى عدن التي كان وضعها أفضل وفيها حركة نشاط تجاري وخدمي بحكم موقعها ميناء حرا يلبي احتياجات السوق الحرة والمحلية والمجاورة، ويخدم حركة التجارة العالمية كحلقة وصل بين الشرق والغرب.

معها تحولت كلية الاتحاد إلى كتلة من النشاط الثوري، وبحكم تأثير الثورة كان طلاب الكلية من أشد المناصرين للثورة، لذا كانوا هم من أوائل المنخرطين في الحراك الشعبي المناهض للاستعمار في عدن، عبر المظاهرات وتوزيع المنشورات وتنفيذ الإضرابات والعصيان المدني. كانت تسند اليهم مهام في مديريات الشيخ عثمان والمنصورة إلى بداية عام 67 الذي سمي عام الحسم، وكانت الجبهة القومية قد قررت العمل بشكل مستقل في مؤتمرها الثالث في منطقة حمر قعطبة خارج أي وصاية أجنبية، بعد أن قطعت مصر دعمها للثورة، واحتجزت بعض قياديها في القاهرة، وبعدها كان اعتمادها على حاضنتها الشعبية. ولإثبات وجودها مجدداً كان لابد من انطلاق مظاهرات في أول مناسبة، وهي 19 يناير من عام 67م، تاريخ احتلال عدن، وكان أن انطلقت أكبر المظاهرات المؤيدة للجبهة القومية في مختلف المناطق والمدن، ومنها جعار التي كنا فيها، وكانت استراتيجية جديدة قد وضعت لمزج العمل العسكري بالشعبي والتحضير لتحرير المناطق، وكانت البروفة بأسقاط كريتر في 20 يونيو1967م، وما حققه من نصر سياسي وعسكري بلغ صداه العالم. بعدها توالت سقوط المناطق واحدة تلو الأخرى.

متى أنضم قاسم عبد الرب إلى صفوف الشرطة؟
- هذه محطة أخرى من حياتي حيث كنا قد سجلنا الانتساب لدورة ضباط في الشرطة الاتحادية في منتصف 67 م، وكانت الدورة ستعقد في كلية الشرطة بالأردن، وكان قد تحدد السفر يوم 25 مايو 67 م، ولكن لظروف معينة تم إلغائها فصرفنا النظر. لكن في أحد الأيام بينما كنت أقبع في سجن البحرين بمدينة جعار كسجين سياسي، وصل الرائد يحيى عبد القوي المفلحي باحثا عني، ثم أخرجني من السجن؛ بقصد الالتحاق بالدورة الشرطوية التي تقرر إجراؤها في عدن، كان ذلك في 20 اغسطس 67م وفِي يوم 4 ديسمبر 67 م تخرجنا ضباطا، وبعدها التحقنا بدورة أخرى في مدرسة البوليس المسلح، ومع بداية مارس 68 تم توزيعنا على مراكز الشرطة، فكان حظي أن أكون بالضالع. تدرجت بالمناصب في إطار محافظة لحج إلى أن وصلت إلى قائد الأمن في المديرية الجنوبية، وبعدها انتقلت إلى عدن.

كيف قررت سعادة اللواء الذهاب لدراسة الطيران؟
- من أهم المحطات في حياتي الالتحاق بدورة الطيران العسكري في أبريل عام 69 م مع مجموعة من الزملاء، وكانت الحكاية أنني كنت منهمكا في أداء عملي في إدارة المباحث العامة، ومكلف بمهام على رأس فريق أمني في محافظة أبين، خاصة في تلك الفترة، التي ظهر فيها نشاط لقوى سياسية معارضة تزعزع الأمن والاستقرار في تلك المحافظة، وعند عودتي في إحدى المرات، أتصل بي أحد الزملاء وقال إن علي أن أذهب للفحص الطبي للاشتراك في دورة الطيران العسكري في الاتحاد السوفييتي. في البداية لم أكن متحمسا، ولكن كان هناك إصرار من بعض الزملاء أن أذهب للفحص، وفعلا ذهبت، وكانت نتيجة الفحص أنني لائق طبيًا لأكون طيارا عسكريا.

هل وجدت من يشجعك على الالتحاق بعالم الطيران.؟
- بالتأكيد هناك كثير من الزملاء ممن شجعوني على الذهاب في هذه الدورة، خصوصا من كانت تربطني بهم علاقة في أثناء الثورة، وإضافة إلى ذلك، وجود زملاء لي من رفاق الدراسة في كلية الاتحاد، وأيضا من زملائي الضباط في الشرطة.

هل كنت في قوام أول دفعة طيارين؟
- نعم، كنّا أول بعثة عسكرية لجيش جمهورية الجنوب، وكانت تشرف على إعدادها وزارة الدفاع، وكان حينها وزير الدفاع محمد صالح العولقي. حينها كانت وزارة الدفاع يتسنم المناصب فيها مدنيون، ومنعزلة عن قيادة الجيش، وهي التي اختارت عبر لجنة مدنية تابعة للوزارة كان مقررها الوكيل محمد صالح الوالي وعدد آخر لا أتذكر أسماؤهم، من بينهم الأستاذ أحمد القعطبي. وحسب قرار لجنة الفحص، تم فرز الطيارين الصالحين طبيا وبدنيا، وتم اختيار عشرين طيارا وثلاثين مهندسا لمختلف التخصصات الفنية للطائرات والمعدات الأرضية الأخرى المساعدة للطيران.

هل سافرتم مباشرة بعد إقرار ترشيحكم؟
- نعم سافرنا مباشرة في طائرة خاصه أقلتنا من مطار عدن إلى مطار موسكو.

من هم أبرز من تتذكرهم ممن كانوا في قوام دفعة أوائل الطيارين؟
- كثير منهم زملائي، منهم اللواء عبدالله علي عليوة، كابتن عبدالله ناصر مسعود، لواء أحمد سعيد بن بريك، أحمد شيخ منصور، أحمد حسين موسى، وحامد عبده محمد، عبدالاه علي سالم، حسين عوض صالح، أحمد محمد الدحيمي، وآخرون لا يسعفنا الحيز لذكرهم جميعا الآن.

متى سافرتم إلى موسكو؟
- سافرنا يوم 18 أبريل 69 م، ووصلنا موسكو بعد أن مررنا بعدة مطارات في منتصف الليل، وقعدنا في مدينة موسكو ثلاثة أيام، انبهرنا باتساع شوارعها وضخامة مبانيها وحدائقها الجميلة وتنوع المواصلات فيها، فوق الأرض وتحت الأرض ( المترو) وعلى سطح النهر الذي يمر وسطها، وانتقلنا بعدها إلى جمهوريات الجنوب التي كانت وجهتنا الأخيرة مدينة ( تكوماك) في جمهورية قيرقيزستان لدراسة اللغة الروسية لمدة ستة أشهر.

وفي أكتوبر من عام 69 توزعنا من جديد، فنحن الطيارون انتقلنا إلى جمهورية كازاخستان مدينة "الماطا"، وأما المهندسون فتوزعوا على مدينة فرونزه عاصمة قيرقيزستان، ولستة أشهر كنّا قد أنجزنا الدراسة النظرية والعملية، وبعدها تحولنا إلى الإعداد العملي الميداني ما قبل الطيران، وقبل كل ذلك كان لا بد من القفز بالمظلة، وهنا أصبح الطريق للطيران مفتوحا.

صف شعورك عندما ولجت كابينة قيادة الطائرة أول مرة؟
- شاهدنا عددا كبيرا من العدادات تتحرك في وقت واحد، في البداية كان شعور غريب حقا، ولكن كنّا قد حفظنا وظيفة كل عداد في كل مراحل التدريب على الطيران، كان الوضع مثيرا لنا، وبالأخير تعودنا على الوضع الجديد، وهذه إحدى الميزات التي يتحلى بها الطيار في أنه يتخذ القرار على ضوء المعطيات التي أمامه في ثوانٍ، ولا مجال آخر أمامه لتحقيق الهدف غير النجاح.

تحديدا متى حلقت؟
- بدأنا الطيران على طائرة نفاثة "أيًل 29" وقضينا ستة أشهر، نفذنا خلالها برنامج التدريب الشامل، مدته سبعون ساعة طيران حتى اجتزنا امتحان التخرج بنجاح في نهاية نوفمبر عام 70، وأصبحنا بعدها طيارين فعلا، نستطيع أن نطير على أي طائرة نفاثة أخرى، وشعرنا بفخر لأننا أصبحنا نتحمّل المسؤولية في حماية الوطن في هذا المجال الحيوي كنسور جو.

عدنا إلى أرض الوطن في إجازة مدتها شهر، قضيناها مع الأهل والأصدقاء، وتمكننا من اللقاء ببعض القيادات العسكرية والمدنية بما في ذلك اللقاء ببعض القيادات السياسية.

متى كانت أولى التحليقات في عدن؟
- في عدن بدأت الطيران على الطائرات الميج 17 وعلى الطائرات "الجت بروفست" الإنجليزية عند عودتي مباشرة، وكان لدينا تدريب للطيارين الجدد على هذه الطائرات، ومع بداية أغسطس 71م تم تعييني أركانا للقوى الجوية، وكان القائد حينها الأخ أحمد سالم عبيد - أمده الله بالصحة - وعملنا معا باهتمام لبناء قوات جوية جديدة من الصفر من الناحية البنيوية والتنظيمية والإدارية والتموينية وغيرها، كان ذلك بالتزامن مع تلبية طلبات القوات البرية في الدعم اللوجستي والعمليات القتالية لدعم القوات في حربها مع الإرهاب، لاسيما أن تلك العناصر تقوم بأعمال تخريبية في مناطق مختلفة من الجمهورية الفتية.

هل تتذكر أولى الطلعات القتالية؟
كانت لنا أول مشاركات فعالة في عملية البلق، نعم عملية البلق في نهاية أكتوبر 71 م التي تم فيها اجتياز الحدود الدولية مع الجمهورية العربية اليمنية، وكان ذلك بالتنسيق مع قيادة صنعاء التي ليس لها حضور في تلك المنطقة، فقامت القوات المسلحة الجنوبية بعملية خاطفة وناجحة، وخلال 48 ساعه تم تصفية معسكر البلق من الإرهابيين، وكان دور الطيران فعالاً ومؤثرا، وكنت حينها قائدا لمجموعة الطيران المساند للقوات البرية في تلك العملية، وقد حظي الطيارون والمهندسون بتقدير الرئيس سالمين في عدن، أي بعد عودتنا من الأعمال القتالية.

متى كان تعيينكم قائدا للقوى الجوية؟
- تحديدا في بداية يناير 1972م، كان قد صدر القرار الجمهوري بتعييني قائداً للقوى الجوية، ويومها شعرت أنني أمام مسؤولية كبيرة، وكان أن وجهت كل جهدي في مجال التدريب القتالي، وترقية خطط الاستعداد القتالي، ورفع الروح المعنوية للأفراد والضباط. ووضعت نفسي ورجالنا أمام التحدي الكبير، ولا مجال للفشل، وحددت هدف النجاح، ولا غير ذلك.

لم تكن الأمور مفروشة بالورود، واجهت صعوبات جمة، وكان أول قرار اتخذته اختيار المساعدين لي بعناية، من العناصر التي لديها الاستعداد للعمل والتضحية بالوقت والجهد والروح، وتتسم بالإخلاص من أجل تنفيذ المهام والخطط اليومية والفصلية والسنوية، وليس أمامنا ما هو مستحيل، طالما كنّا نعمل كفريق واحد، وحققنا نجاحات في مجال إعداد الكادر، وأنشأنا مركزا للتدريب الجوي الذي يتولى تدريب الطيارين والفنيين الجدد، وأرسلنا أعدادا كبيرة من الكادرات للتأهيل الخارجي سنوياً في التخصصات كافة، مع استمرار التدريب للطيارين محليا في الداخل، وكنا ندمج خطة التدريب اليومي للأفراد كلً في مجاله بخطة تكاملية بين الوحدات لترقية خطة الاستعداد القتالي، ولم يكن لدينا حدود لأي خطة، وكنا نتوخى من كل تدريب فردي وجماعي للوحدات مزيدا من الإضافات الإيجابية في تطوير وترقية خطة الاستعداد القتالي للقوى الجوية.

وفِي نهاية عام 73م تم تزويد القوى الجوية بطائرات الميج 21، وهي طائرات حديثة يومها، وفِي نفس الوقت ضمت وحدات الدفاع الجوي إلى قوام القوى الجوية، وقمنا بإعادة هيكلتها وتأهيلها لكي تواكب مسيرة القوى الجوية، وهذا سهّل قيادة هذه القوات؛ لأن عصب الدفاع الجوي متمثلا بالرادارات والاتصالات والطيران المقاتل ونقاط القيادة والسيطرة كانت تحت إدارتنا، ولهذا دمج بقية الأسلحة كان إضافة نوعية لخطة الاستعداد القتالي التي تدار من مركز السيطرة والقيادة للقوى الجوية والدفاع الجوي

متى كانت البدايات لوحدات المظلات؟
- في العام 73 تم تكليف القوى الجوية والدفاع الجوي بتأسيس وحدات المظلات، وباشرنا في إعداد السرية الأولى بقيادة الملازم فضل العنشلي، التي أضحت فيما بعد نواة للواء الخامس مظلات، وأشركناها في مناوراتنا الفصلية والنصف سنوية والسنوية التي كنّا نجريها على مستوى عدن والمحافظات المجاورة وعلى مستوى الجمهورية، وأيضا أشركناها في مناورة القوات المسلحة التي جرت في خرز بحضور رئيس الدولة سالمين في عام 74م.

طيب ماذا عن خطة توسع مهام القوات الجوية والدفاع الجوي؟
- على الفور، شرعنا في إعداد مطارات ترابية جديدة لغرض الاستخدام القتالي في مواجهة العناصر الإرهابية التي كانت تتسلل من وراء الحدود لإقلاق السكينة العامة للمواطنين، وكانت مهمتنا مواجهتها على التخوم والصحارى قبل وصولها إلى أهدافها، وكان مطار بحران أحد المطارات الجديدة وتم تطوير مطار الريان ومطار بير فضل ومطار الغيظة ومطار سيئون.

قل لي عن إنشاء قاعدة العند الجوية باعتبارها أهم قاعدة جوية في المنطقة يحسب لها ألف حساب؟
- حقيقة، قاعدة العند الجوية تعد من أهم الإنجازات التي حققناها، بعد أن تم بناء مطار وقاعدة العند من الصفر، بمساعدة الاتحاد السوفييتي طبعا، لتصير أكبر قاعدة جوية مجهزة تجهيزا حديثا يواكب تطور القوى الجوية كسلاح استراتيجي لاستقبال كافة أنواع الطائرات، ووضعنا خطة لبناء مطارات وقواعد جوية في محافظة شبوة في منطقة مرة، ومحافظة حضرموت في منطقة الخشعة، ومحافظة المهرة في منطقة شيبوت كنسق أول وكمطارات متقدمة، وتم وضعها للمستقبل للتنفيذ. واكب هذه النجاحات قيامنا بالبدء بإعداد خارطة كاملة للجمهورية الجنوبية بمقاسات مختلفة لأول مرة في التاريخ ولاستخدامات متنوعة، استغرق الأمر عدة سنوات، وهي مفيدة لكل الاستخدامات العسكرية والاقتصادية وغير ذلك.

ماذا عن تطوير القوى الجوية بامتلاك طائرات نوعية؟
- توالى وصول طائرات حديثة بل ونوعية مثل السوخوي والهيلوكوبترات بأنواعها والقاذفات وطائرات النقل الكبيرة، وأيضا واكب هذا إدخال أسلحة حديثة للدفاع الجوي من ضمنها الصواريخ أرض- جو، وذلك ضمن خطط منسقة، وقبل ذلك كنّا نعد الكادر والمنشآت التي سيتم استيعابها كقواعد عسكرية، وتم بناء مطار صلاح الدين كقاعدة للطائرات العمودية، وعندما أقول الطائرات العمودية بأنواعها وتنوع مهماتها.

خلال تلك السنوات كانت مهامنا تجهيز وترقية قوات جوية ودفاع جوي فعالة تستطيع أن تحمي سماء الوطن وفِي نفس الوقت تقوم بمهام الدعم اللوجستي للقوات البرية المترامية في الصحاري والجزر وأيضا، تقديم الدعم والإسناد الناري للقوات في العمليات الحربية، وأيضا في مهام الإنقاذ. وكانت طائراتنا تنطلق في أي وقت لإنقاذ مريض أو لنقل حالة ولادة متعسرة أو حالة حرجة من أي بقعة على أرض الجنوب إلى عدن في أقصر وقت ممكن.

ومن ضمن ذلك، استكملنا بناء شبكة السيطرة والقيادة على أجواء الجمهورية من خلال بناء منظومة الاتصال والاستطلاع بالرادار والسيطرة؛ لتغطي أراضي الجمهورية، وربطها بنقطة السيطرة المركزية في قيادة القوى الجوية والدفاع الجوي؛ لتعمل على مدار الساعة في مراقبة أجواء الجمهورية من دخول أي هدف معادٍ ليتم التعامل معه مباشرة وفق قواعد الاشتباك.

ماذا عن إعداد الطيارين الليلين؟
- خطوة كهذه تعد نقلة نوعية في مجال تأهيل الطيارين، وربما سبقنا غيرنا في المنطقة في هذا المجال، وفي تلك الفترة، قمنا بإعداد الطيارين ضمن برنامج خاص بتنفيذ طلعات ليلية للطيارين أولا من مطار عدن الذي يعتبر من أفضل المطارات تجهيزا من الناحية الفنية، وبعدها انتقلنا لتنفيذ تدريب الطيارين ليلاً، من مطار عتق في ظروف كانت الإمكانيات الفنية والتجهيزات شحيحة للغاية في ذلك المطار، لكن كان طموحنا كبيرا، وكنا نهدف إلى رفع معنويات القوات البرية على حدود الوطن في شبوة وحضرموت، كما تم إدخال مطار الغيظة في الخدمة مع بداية عام 75 م، عبر توسعته لاستقبال الطائرات المقاتلة، وتم بالفعل هبوط سرب من الطائرات المقاتلة هناك.

متى تم التفكير بتأسيس كلية القوى الجوية والدفاع الجوي؟
- مع نهاية 74 م، تم إنشاء مدارس فنية، كنا نتوخى منها بناء قاعدة تدريبية حديثة لإعداد الفنيين والطيارين محلياً، وأصبحت فيما بعد نواة لكلية الطيران والدفاع الجوي.

في نهاية عام 75 م غادرت القوى الجوية والدفاع الجوي للدراسة في أكاديمية فرونزه العسكرية في موسكو بعد أن أصبحت القوات الجوية والدفاع الجوية جاهزة للدفاع عن سماء الجمهورية، وجاهزة للدعم الناري للقوات البرية والبحرية.

ممن تكونت دفعة فرونزه؟
قاسم عبدالرب، عبدربه منصور هادي، محمد مفتاح عبد الرب، محمد عوض الشحيري، عوض محمد فريد، والأخير لم يكمل، وعاد إلى أرض الوطن.

انتقلنا أنا ومحمد مفتاح إلى الكورس الأول وتخرجنا في ظرف 3 سنوات، وبقي الأخرون لدراسة اللغة الروسية وبعد أربع سنوات تخرجوا.

ماذا بعد فرونزه؟
- عدنا، فتوليت منصب نائب رئيس هيئة الأركان العامة لشؤون العمليات والتدريب.

بالنسبة لتعييني في الأركان العامة، كان ذلك بعد تخرجي من أكاديمية فرونزه العسكرية التي تُعنى بتخرج قادة القوات المشتركة للجيوش، وتم تعييني نائبا لرئيس الأركان العامة لشؤن العمليات والتدريب في يوليو من عام 78، وكان حينها رئيس الأركان الأخ صالح أبوبكر بن حسينون الذي عملنا معه في إدارة القوات المسلحة الجنوبية بانسجام وتعاون كامل، واضعين مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وحققنا نجاحات كبيرة في كافة المجالات، في ترقية التدريب القتالي والقيادي للقوات، وتطوير خطط الاستعداد القتالي لكل صنوف القوات، وتثبيت الانضباط العسكري، وتطوير القوات من خلال إدخال منظومات متعددة من الأسلحة المتطورة في كل صنوف القوات المسلحة، بل قمنا بإعادة هيكلة القوات المسلحة توافقًا مع حجم التطور في الكادر وإدخال أسلحة حديثة وإعادة وضع خطط التطوير للخمس السنوات المقبلة، تتضمن إعداد الكادر والتسليح وبناء المنشآت العسكرية على طول وعرض الجمهورية وفي الجزر، وتم تطوير التدريب القيادي للقوات من خلال إجراء مناورات شهرية لكل لواء تقوم به الأركان العامة بهدف تطوير المهارات القيادية للقادة والأركان، وتم استحداث مدرسة تابعة للعمليات الحربية لإعداد الأركان في الألوية والوحدات، وكانت نواة لكلية القيادة والأركان التي تم إنشاؤها في ما بعد، وتم توحيد التدريب القتالي للقوات من خلال إنشاء مركز تدريب العند؛ ليصبح مصنع الرجال لتخرج كل دفعات التجنيد العام وإعداد كادر صف الضباط بشكل موحد للوحدات القتالية، وكثير من الأعمال التي تم استحداثها لأول مرة في تاريخ القوات المسلحة.

- مالذي جعل القيادة السياسة آنذاك تحيلكم إلى العمل الدبلوماسي؟
كلانا أنا وبن حسينون شملتنا قائمة ما سمي بقائمة 23 ضابطا من خيرة كبار القوات المسلحة أطلقنا عليها "مجزرة الضباط" في إطار حسابات غير دقيقة للأسف.
عينت سفيرا في ألمانيا الديمقراطية فيما عين بن حسينون في ذات الوقت سفيرا في جمهورية إثيوبيا.

سعادة اللواء، هل يكون العسكري الناجح بالضرورة دبلوماسيا ناجحا؟
أكيد بدون جدال، فالعمل الدبلوماسي يعتبر أرقى أنواع العمل، ومن يجيد الانضباط ويؤدي واجباته بنجاح في ظروف الحرب سيكون بالضرورة ناجحا في ظروف العمل الدبلوماسي التي هي حرب من نوع ناعم.

سؤال أخير إلى أين تتجه الأمور في ضوء ما يجري من حرب واتفاق الرياض ومستقبل القضية الجنوبية؟
- سؤال سيحتاج إلى كثير من التحليل والتمعن في السياسات التي تدار الآن من قبل الأطراف المتحاربة، قد لا يكفي الحيز المسموح، ولكن باختصار شديد الحرب انتهت، وما يجري اليوم هو حرب تشطيب كما يتم تشطيب أي عمارة بعد البناء، وهناك من فشل في أداء هدفه، وهناك من يعتقد أنه أنتصر، وهناك من يحاول أن يرتب وضعه ليكون لديه موقع في قادم الأيام. ولكن بنظري أن الجميع قد خسر المعركة؛ لأنهم ببساطة لم يكن في أهدافهم مصلحة الشعب، وستظهر الأيام القادمة انكشاف الجميع، ولذا أنصح أن يعاد إعمال العقل، إن كان هناك مجال للعقل ما زال يعمل، وهو أن يعودوا إلى جذر المشكلة والاعتراف بها وحلها بما يؤمن مستقبل اّمن للأجيال القادمة في التعايش والعيش بسلام، وأقصد بجذر المشكلة بين الشمال والجنوب، وهي فشل الوحدة والعودة إلى نظام الدولتين. أيضا جذر المشكلة داخل الجنوب وداخل الشمال بعمل مصالحات وطنية داخلية والاتفاق على طبيعة الحكم فيما بينهم. بعد كل هذا الخروج بصيغة كيفية التعامل بين الدولتين الجنوبية والشمالية، ليسود الأمن والأمان والاستقرار في المنطقة ودول الإقليم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى