القوى الناعمة شر محتمل

> دخلت الجنوب منذ فجر استقلالها، في مواجهات عسكرية، مع نظام صنعاء، فقامت الحرب بينها عامي 1973 و 1979م، وكلا الحربين لم تسقط نظام الجنوب الثوري، وعجز عن تحقيق دوره الانقلابي على الجنوب، فأوكل للقوى الناعمة أن تقوم بهذا الدور بدلا من الدور العسكري

فالقوى الناعمة هي المهاجرون الذين استوطنوا الجنوب من جنسيات يمنية هاجرت إلى عدن تبريرات قابلة للصدق، وهي أنهم هاربون من ظلم الإمامة البغيض، وأنهم ملاحقون، فجاؤوا إلى أرض الحرية (عدن)، ومن هؤلاء المهاجرين من سكن الفيلات العدنية الراقية، وسكنوا في الأحياء وأمام الشواطئ، ودخلوا المدارس والمعاهد، واشتغلوا في مؤسسات الدولة، وترزقوا من أرزاق عدن.

لكنهم ظلوا مرتبطين بقراهم، وملتزمين بدفع الإتاوات لشيوخهم في الشمال، بل ويأتمرون بأمرهم، أما السياسيون منهم فقد كانوا ضد الآراء المستقيمة، يعارضونها، ويقفون ضدها، وسيكولوجيتهم تقول بضرورة رجوع الجنوب إلى بيت الطاعة في الشمال، لذا كان دورهم "المعطل" يسوقون الجنوب نحو الشمال بكل الطرق الممكنة؛ فأدخلت هذه القوى الناعمة البلاد في صراعات، وحروب أهلية، وجعلوا القائد يقتل القائد، والزعيم يقتل الزعيم، وكان كل القتلى من الجنوب؛ فادخلوا البلاد في بلاء بحجة القرارات الثورية التي كانت ضد تطلعات أبناء الجنوب، فقرار التأميم جاء لمصلحة القوى التجارية الشمالية، وقانون الإسكان جاء لمصلحتهم، فتملكوا السكن الذي كانوا مستأجرين له، وألفوا قانون الجنسية، بدلا من جنوبي إلى الجنسية اليمنية، وبقرارات ثورية صدقها الجنوبيون، وهي ضد تطلعاتهم.

أما الإصلاح الزراعي فقد كان نقلة نوعية لحياة الذين كانوا يعملون أجراء للأرض، تحولوا بقدرة قادر إلى ملاك للأرض، ومعظمهم كان ينتمي إلى الشمال وتحول جواز السفر الجنوبي إلى جواز سفر يمني.
قال الكاتب الإيطالي ميكيافللي إذا أردت أن تقضي على الثورة فصدر لها مجاميع سكانية، تفوق السكان الأصليين فتنحرف الثورة وتنتكس.

فقد لعبت القوى الناعمة على هذا الوتر، وأدت إلى سقوط النظام الجنوبي بإلحاقه بنظام صنعاء، واحتلت صنعاء الجنوب بجيوشها؛ فوقع الجنوب في الأسر، والصورة اليوم مقاربة لصورة ما حدث قبل عام 1986م، وبحجة الحرب في الشمال، تدفق الآلاف من المهاجرين أو النازحين إلى الجنوب، وسكنوا الأحياء السكنية والجبال والشواطئ، ويحسبون اليوم بأكثر من ثلاثة أضعاف سكان الجنوب، وهذه المجموعات ربما صرفت لها الجنسيات الجنوبية، والهويات العدنية، والخوف من أولئك النازحين الذين تملكوا البيوت والسيارات والدراجات النارية، ويكسبون رزقهم منها والمطاعم الفارهة... الخ

والخوف كل الخوف أن يحدث سيناريو ما حدث عام 1986م وسقوط النظام الجنوبي لا سمح الله بأدوات القوى الناعمة، وليس بالقوى العسكرية، فالقوى الناعمة شر يجب أن يحسب حسابه، فهم موصولون بخيوط تحرجهم من الشمال، ولنا في أحداث المواجهات العسكرية في شقرة أن الذين يقاتلون الجنوبيين هم من أصل شمالي بالتعاون مع ضباط جنوبيين، انقطعت مصالحهم ويقاتلون من أجل ارتدادها بحد السيف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى