حزب الإصلاح بين غياب الرؤية وفقدان الأهليّة

> وأنت تسمع وتشاهد حملة التشهير بحكومة المناصفة بين الجنوب والشمال وتمارس من قبل منابر إعلامية تابعة لحزب الإصلاحي الإخواني، ينتابك كمشاهد ومتابع كثير من الشكوك حول جدوى ما يطرح ويقال من قبلهم، وغالباً ما تبادر إلى ذهنك أسئلة متعددة ماهيتها على سبيل المثال: عن أي استراتيجية سياسية ووطنية يتبعها ذلك الحزب ويتحدّث عنها؟ وما الفائدة والمصلحة التي يمكن أن تجنى من وراء ذلك وسط هذا المشهد المعقد والمرتبك أصلاً داخلياً وخارجياً؟

فلو نظرنا إلى ما يقوم به ومن زوايا متعددة ومختلفة هو ذاته مشارك بعدد من الوزراء في نفس هذه الحكومة، ويتمثل بقبوله ضمنياً متوازياً مع عملها وفي إطارها، إضافة لاعتباره صاحب التموضع الأكبر عسكرياً من أبين إلى شبوة بلوغا مأرب ليتمكن من أن يقود جزءا من المعركة مع الحوثيين، لكنه بالمقابل وعلى غرار ما هو حاصل من التشابك والتقاطع هذا يعمل في اتجاه آخر، لينزع الثقة عنه، وليزرع العراقيل والمطبات أمام تنفيذ اتفاق الرياض، وعن طريق استقطاب إعلامي غير مسبوق ضد التشكيل الحكومي والوزاري الجديد.

ولو تتبعنا سبر أغوار مواقفه فقط ومن يوم انطلاق حوار جدة وما تلاها وحسبناها حساباً دقيقاً ففي مجملها تعبّر عن النهج غير المصرّح به رسمياً من قبله كحزب ويتحاشى خوضه، وقد أخذ يبيح لنفسه النبش في العديد من القضايا الوطنية، وبتمكين عدد من ناشطيه وصحفيه المرموقين والمحسوبين حصرياً عليه كظاهرة صوتية عابرة للقارات، مستعيناً بهم في حشدوه المكثّفة للبعثرة في جميع الأوراق وخلطها بغية مكاسب يعرفها هو لا سواه، إلى أن تكلل المجهود السعودي بالنجاح ولرأب الصدع ولملمة الفرقاء نحو هدف وجوب القضاء على تمرد الحوثيين أولاً وقبل الدخول في معترك استحقاقات مقبلة للجانبين الجنوبي، والشمالي، وليبدأ من بعده أمل يدب في النفوس وباقتراب ولادة عهد جديد سيتمخض من تنفيذ الشق العسكري ومن ثم الشق السياسي كتتويج لذلك، حتى عمل على تكشير أنيابه بغرض كبح جماح كل جهد أثمر نجاحاً في خدمة الإنسان اليمني، ومن أجل إفراغه من مضامينه ومحتواه بالكليّة، يستبق ويرفع من حميّته وحرارته إلى درجة عالية من المواجهة.

ولو تأملنا جليّاً في هذا التململ الحاصل الذي يبديه ذلك الحزب وأصبح ليس خفيّاً على أحد بمواقف كلها متباينة وفيها من التعجّب والغرابة الكثير.. ليألو جهداً تارة يدفع بنواب من إقليم تهامة يحثّهم على تحديد موقف مسبق من تلك الحكومة متعللاً بحرمان إقليمهم من التشكيل الوزاري الجديد بل وإخراجه خارج سياق الدائرة الوطنية والسيادية للدولة، إلى تسليط الضوء على تجاوز التشكيلة الوزارية للتمثيل النسائي، وأخرى يعود يوجه سهامه المسمومة لإثارة حفيظة أبناء الجنوب أنفسهم بالتظاهر إلى جانب قضيتهم المشروعة والعادلة.. ناهيك عن الزوبعة المثارة حول مكان أداء اليمين، وما يمين دستوري أمام هادي في الرياض أو في عدن والذي ما أنفك عنه وحوله إلى هذا اللحظة طعنا وتجريحاً واستنكاراً.

المسألة هنا لا تقبل التأويل إلا إلى منحنى سلبي متراجع للغاية ويتمحور حول مفهوم وأحد ليس له ثاني، وهو أن هذا الحزب ليس لديه حرج من شيء يفعله ويقوله إلا مواصلة طريق الأسوأ، فقد تحوّل ومن يوم اندلاع حرب مارس 2015م من قبل الحوثيين فاقدا للأهلية، ويعاني غياب الرؤية لديه بالمرة، بل ويعيش ارتباكاً غير مسبوق على مسيرته الوجودية ككيان سياسي ظل يقبع زمنا طويل ما بين الطائفة والحزب، ليأتي توقيع اتفاق الرياض بين الشرعية، والانتقالي ومن بعد ما راهن هو على عدم إقامته كثيراً.. غير قادر على استساغته والتكيّف معه إلى حدود كبيرة، لذلك أصبح بإمكانه بلورت أهدافه في قوالب وطنية تتناسق مع استحقاقات المرحلة السياسية القادمة بين الجنوب، والشمال، وبمفرده ما زال مصراً يبني استراتيجيات بالية وتقليّدية تعد وفقاً للتطورات الأحداث الأخيرة والحالية خارج النص.

والفاجعة الكبرى له فمن بعد عام من التوقيع وفي لحظة مفاجئة، يأتي تنفيذ جزء هام من الشق العسكري ليتلوه السياسي في غضون أيام متقاربة، ليكن ذلك بمثابة الضربة التي قصمت ظهر البعير، فما كان بإمكانه تصديق ذلك الحدث إلا محاولا بشكلٍ أو بآخر التملّص منه ورميه بأشد العبارات والتّهم.

وفي التقدير عنه كحزب من الآن فصاعداً يصبح أمام مفترق طريقين أحلاهما مرُ إما تعديل سلوكه وبإظهار المرونة السياسية حفاظاً على ماء الوجه له، ومن ثم القبول الانخراط إلى صف الوطن والإنسان المطحون بالحروب، والمجاعات، والأمراض مع الكف عن الطعن وإيذاء الميتين وهم على كثرتهم، أو يقبل الإهانة وبالنهاية الحتميّة الموجعة ليلقى نفسه يوماً ما جثة نتنة مرمية خارج سياق المعادلة السياسية للوطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى