​هاتوا الصدق، واتركوا ابن عمه!

>
في نكتة لأحد كبار مشجعي الكرة زمان، نرددها عندنا بعد أن انهزم فريقه وتكررت الهزيمة، فذهب لحارس المرمى، وسأله: سالم يا ولدي أيش لي يحصل معك؟  رد عليه وهو مطأطئ الرأس والله نشوف الكرة قدامي اثنتين ولا ندري أيا نمسك من كرة، أيا الصدق من الكذب، ولهذا جاءت الأهداف فينا. نظر إليه المشجع العجوز مليا، ثم قال له: يا سالم سهل، كان مسكت واحدة من لي تشوف من الاثنتين الكرات وخل وحدة وبانعرف، أي منهما، صدق  وأي الكذب...

هنا تظهر أمامنا حكاية أن نبرر تقصيرنا وخيبتنا أو العجز في المواجهة بأوهام مالها أساس، إلا أننا ننسج الخيال ثم نصدقه بيننا وبين أنفسنا ويوما بعد يوم يصبح هذا الوهم هو سيد الموقف، ونرمي عليه كلما نعجز أو نتقاعس عنه أو لاتصل أيدينا إليه.
  ومثلما روينا من حكاية، أو مرت أمامنا من شواهد لأحداث موجعة فتكت بنا وذهب ضحيتها إما قادة كبار ووطنيون أو ضحايا أبرياء من الشعب، ومن دون أن نكشف الحقيقة أو نجري بحثا متكاملا يبين الحدث والأسباب والعبرة في تجنب وقوع أو تكرار مثيله لاحقا، أما المذنبون فلا نبحث عنهم ولن يصل اليهم أحدا إطلاقا، ويكفي أن نشاهدهم في فيلم "المذنبون" المصري ونكتفي، لأن هناك ما يكفي من المصاعب والمحذورات التي من الصعب الخوض فيها، ولكن علي الأقل نعرف ماذا حدث ولماذا يتكرر هذا التقصير، وأن  نفهم مسألة سد الفراغات وتجنب الخسائر بقدر الإمكان، بعيدا عن اختراق المناطق المحرمة بسبب عجزنا وتخاذلنا وضعف العزم فينا.

 ما أصبنا به من خسارة وآلام وسقوط ضحايا في مناسبات عدة وظروف غامضة ليس لأن القدر يتربص وحده. أو هم كانوا بالصدفة موجودين في حفل أو مطار أو عرس أبدا،  بل لان الخوف من إيقاظ الصدق والحقيقة صعب، ولن نحصل عليه، ولهذا فإننا نذهب لإيقاظ ابن عمه، ولأن الأخير لا علم له بمقصدنا، فما أن نستكمل اللجان ونخطو وتظهر الجدية علينا حتى يفر هاربا منا، وهو لا ذنب له لأنه ليس الصدق ولكنه مجرد ابن العم الذي هو الآخر لا يعلم ما سيقوله الصدق نفسه إن نطق أو تكلم.

يسقط ضحايا في حوادث تشابهت، ويسقط مع هؤلاء ضحايا آخرون هم الأرامل واليتامى والأمهات الثكالى، ولا أحد يسأل ولا نلاحق لا فاعلا ولا شاردا ولا حيا ولاميتا. تختفي الملفات و كل شيء ذهب مع الريح، ولو أردنا أن نكاشف وأن لا نرمي التهم جزافا من أول وهلة، وطبعا نحن في حالة حرب مع خصم وقتال تشهده جبهات وميادين، إنما ما في الخنادق ليس مثلما ينزل صاروخ على مطار أو صالة عزاء أو يضرب مجندين أو قادة كبارا على منصة تخرج، أو يحرق محافظ. كل هذا تحيط به جملة من الألغاز ويسدل الستار عليه وتدفن الأدلة، ويموت الفاعل الذي لا تعرف لا هويته ولا تظهر بصماته لا على الصاروخ ولا القذيفة ولا السيف والخنجر.

 الوجع من سقوط ضحايا أبرياء في المطار يوم استهدفت الحكومة القادمة من الرياض لم يهدأ فينا، والجراح لا زالت مؤلمة، ومثلما حدث هذا، كان هناك ما يشبهه من قبل. وتظهر لجان وتفتح ملفات وتمتلئ الأوراق بالأسئلة ولكن... ومن دون لكن، تلتهم الرمال المتحركة كل الصواريخ والأسماء والدماء التي انسكبت، وكل هذا لأننا لا نمسك بتلابيب الصدق حتي ينطق، بل لا نستطيع، لهذا نذهب بحثا عن  بؤسنا وعجزنا في تبرير إخفاقنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى