حضرموت.. قصة فتاة اقتحمت المهن الذكورية وعملت في تزيين سيارات الأفراح

> تقرير/ سمية أحمد :

> في حضرموت شرق اليمن، وبالتحديد في مدينة المكلا، المعروفة بمجتمعها المحافظ على ثقافته وعاداته، وصعوبة ترحيبه وتقبله للأفكار الجديدة، وتخوفه منها، تحاول نساء هذه المدينة الصغيرة قرع أبواب جديدة وفتح مساحات واسعة لهن، على الرغم من الصعوبات والمعوقات التي تقابل الأغلبية منهن، إلا أن نشاط المرأة وصوتها يزداد صداه وتأثيره يومًا بعد آخر.

مها فرحان، طالبة نظم المعلومات، في بداية عقدها العشرين، رسامة وفنانة تشكيلية تمتلك موهبة الرسم منذ الصغر، ولكنها اختارت أن تخوض مجالًا فريدًا من نوعه، وأن تفتح آفاقًا جديدة لعمل المرأة في حضرموت، اختارت مها أن تتخذ من مجال تزيين السيارات مهنة لها، لتكون أول فتاة في حضرموت تعمل "كمزينة" لسيارات الأفراح.

بدايات المهنة
"أنا رسامة والفن يجري في عروقي منذ الصغر، ليس غريبًا عليّ أن أتعامل بالألوان والفرشاة، ولكن الجديد في الأمر أن الرسم كان على سيارة، لا على أوراق ولا جدران"، هكذا ابتدأت مها حديثها لـ "خيوط" بعيون يملؤها شغف وحماس فتاة تريد أن تقول للجميع إن العمل ليس عيبًا، وإنه ليس حكرًا على الرجال أيضًا، خصوصًا عندما يكون ممتزجًا بموهبة فنية فريدة ومتميزة ولها طابعها الخاص، حينها تصبح المرأة أكثر إبداعًا في العمل وتتفوق على أقرانها الرجال، وهذا ما حدث بالفعل عندما أنهت مها تزيين أول سيارة لها ونشرت صورتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

تقول مها، التي تعد أول فتاة في حضرموت، وربما في اليمن، تعمل في مجال تزيين سيارات الأفراح "إن الله قد وهبني موهبة، لماذا لا أستفيد منها وأسعد الناس وأنشر البهجة بينهم، هذا هو هدفي في الحياة ويكفيني أنني أحب ما أفعل وأستمتع به كثيرًا".
عن هذه التجربة، تقول مها: "أول سيارة كانت بالنسبة لي تحدّيا كبيرًا، أو بإمكاننا القول إنها كانت نقطة الحسم، إن نجحت في تزيينها ولم أفسد الأمر فسأستمر، وإن لم أتمكن من ذلك سأنسحب من هذا المجال".

استعدت مها، وقامت بتجهيز الأدوات التي ستحتاجها للعمل، وأتى الصباح الموعود لتجد نفسها واقفة أمام المحل في انتظار سيارة العروسين، "توترتُ قليلًا" تقول مها، وفكرَت في العودة إلى المنزل، ولكن مع تشجيع مالك المحل، تمالكت نفسها وأمسكت بالفرشاة وبدأت بالرسم والنقش. النتيجة كانت مبهرة للجميع بشكل عام، "ولي شخصيًّا بشكل خاص" تؤكد هذه الفتاة، أتى العريس بعدها ليستلم سيارته المزينة، وتحفة مها الفنية الأولى، وكان أن أُعجب الكثير بعملها، الذي كانت نتيجته النهائية طلب مالك المحل منها الاستمرار في العمل معهم.

وعن أول إنجاز لها في العمل تقول مها: "يومها لم أستطع النوم من شدة الفرح، قمت بنشر صورة السيارة على موقعي في صفحات التواصل الاجتماعي، لأتفاجأ بسيل من عبارات الإعجاب والتشجيع، وقام العديد من الأصدقاء بمشاركتها والثناء عليها".

صعوبات وعراقيل
بالنسبة لمها مرحلة البداية لم تكن هي البداية فعلًا، فقبلها كانت مرحلة محاولات الإقناع للأهل للسماح لها بخوض هذه التجربة، كغيرها من الفتيات اللاتي يأتين بفكرة جديدة وخارجة عن المألوف والسائد، تملكها الخوف والتوتر، أخفت الأمر على أهلها حين عرض عليها أحد ملاك محلات التزيين الفكرة عندما رأى رسوماتها في أحد المعارض وأعجب بها.

استجمعت مها قواها وواجهت أهلها برغبتها، وكان الرفض هو الجواب الأول، ومع تزايد إلحاحها وافقوا تحت شروط معينة، كأن يكون عملها في ساعات محددة فقط، وأن يرافقها لموقع العمل أحد أفراد أسرتها.

وعن تقبل المجتمع لطبيعة عملها، تتابع مها حديثها: "في الحقيقة، قابلت العديد من ردود الفعل السلبية، وتأثرت بها كثيرًا، ثم فكرت أن كل هذا الاستنكار أمر طبيعي كوني أول فتاة تمارس هذا العمل في منطقتي، ثم إنني بتحملي لهذه الصعوبات، أُيسِّر الطريق وأجعله ممكنًا لمن يأتي بعدي من الفتيات، ويردن العمل في نفس مجالي أو في مجالات مختلفة وجديدة".

تثق هذه الفتاة أنه بعد فترة سيتقبل المجتمع عملها هذا، ويصبح شيئًا مألوفًا واعتياديًّا، وهذا ما حدث فعلًا.

إضافات جديدة
كان الهدف الأساسي لإقدام مها فرحات في اقتحام سوق العمل واختيار مهنة تزيين سيارات الأفراح، ليس الكسب المادي، بل إن تزيد ارتباطها بالفن أكثر، وتجعل من السيارة لوحة فنية فريدة وغنية.

وعن اختلاف أسلوبها الشخصي عن الأسلوب التقليدي السائد في مهنة تزيين سيارات الأفراح، تؤكد أن العمل الذي أقدمت عليه لفت انتباه العديد من الناس؛ كونه مختلفًا عمّا هو مألوف، وكونها فنانة ورسامة في الأساس عمدت على اتباع أسلوبها وطريقتها الخاصة في تزيين السيارات، سواء كان من حيث الألوان أم من حيث الأسلوب المستخدم في الرسم والنقش.

يعتمد الأسلوب التقليدي في هذه المهنة على استخدام الملصقات والصور المطبوعة والجاهزة وتلوينها بواسطة "البخاخات"، وكتابة عبارات مألوفة وشهيرة، مثل: "ألف مبروك" وتلصيق الورد والشبك الملون على السيارة.
لا تتبع مها هذا الأسلوب، بل لديها طريقتها الخاصة في العمل وتزيين كل سيارة بطريقة مختلفة، إذ إن هناك العديد من العوامل المؤثرة في عملية التزيين، مثل نوع السيارة وطرازها، وأيضًا هُوية صاحب السيارة.

تقوم أولًا بالسؤال عن نوع السيارة ولونها، ومن ثَمّ تفكر في كيفية رسم النقشات وتوزيعها على هيكل السيارة، والألوان التي ستستخدمها ومدى تناسقها مع لون السيارة. تردف بالقول: "أعتبر كل سيارة هي لوحة، أقوم بإنجازها، وتقريبًا أنا الوحيدة في هذا المجال التي تقوم بالرسم بشكل يدوي، وباستخدام الفرشاة والألوان"، إضافة إلى اهتمامها بتناسق الألوان مع أدوات الزينة المستخدمة، مع إضافة رسوم أو عبارات أو أبيات شعر محببة وقريبة لصاحب السيارة لتعطيه كما تقول، "جزءًا من روحه".

إصرار مها على متابعة شغفها وتحقيق أحلامها لا يتوقف عند سقف ولا يعرف حدًّا، وإلى جانب كونها رسامة ماهرة، هي أيضًا تجيد نقش الحناء والمكياج وعمل المجسمات الفنية، وتقول عن هذا: "إن الله قد وهبني موهبة، لماذا لا أستفيد منها وأسعد الناس وأنشر البهجة بينهم، هذا هو هدفي في الحياة ويكفيني أنني أحب ما أفعل وأستمتع به كثيرًا".

"خيوط"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى