سياسات وإجراءات لا بد منها لرفع كفاءة تنفيذ البرنامج الاقتصادي للحكومة

> إعداد/د. محمد عمر باناجة

> أولاً: "رؤية"
يهدف الكاتب من هذه الورقة التي أقتطعها من بحث ما زال في طور الإعداد، تناول توصيف وتحليل المشهد الاقتصادي الراهن (2015 - 2020)، وسبل الخروج من المأزق الذي استحكمت حلقاته بفعل تداعيات الحرب من ناحية، وقصور وضعف كفاءة الأداء الحكومي (سابقاً) من ناحية أخرى.

ولأن استكمال كتابة البحث وتجهيزه للنشر يتطلب وقتاً قد يطول، فقد ارتأ الكاتب أن يقتطع منه الأفكار الرئيسية التي من شأنها -حسب تقديره- أن تسهم في رسم رؤية حول خارطة طريق للحكومة تخرج الوطن من براثن الأزمة الاقتصادية التي ألمت به. وكانت آثارها قد لامست أوجه الاقتصاد كافة، الاقتصاد الإنتاجي (الحقيقي)، الاقتصاد المالي، والاقتصاد النقدي. لكن أستدرك وأقول: إن وضع خارطة طريق لتلمس المداخل الكفؤة لفكفكة الأزمة، ومن ثم حلحلتها لا بد لها من المرور أولاً عبر مدخلي القطاعين المالي والنقدي للاقتصاد. باعتبار أن إصلاح السياسات والمؤسسات والأداء في هذين القطاعين سيساعد إلى حد كبير جداً في تمهيد الطريق للانطلاق نحو النهوض بالقطاع الاقتصادي الإنتاجي، ومن ثم تعزيز سياسات النمو.

قد يقول قائل إن الأزمة الاقتصادية قد استحكمت حلقاتها، وأضحى حلها من الصعوبة بمكان، إن لم يكن مستحيلاً. لا سيما في ظل عدم التجانس المرغوب فيه في الخلفية السياسية لأعضاء الحكومة، واتساع فجوة التناقضات الاجتماعية والانقسام البنائي الحاصل للمؤسسات التي ترمز للدولة الواحدة.

نعم أتفق مع ما قاله القائل، لكنني أوكد أن ضمان توفير شروط نجاح الحكومة في تأدية عملها، يتأتى-أولاً قبل كل شيء- تأسيساً على قاعدة الإرادة السياسية الصادقة، والإدارة التنفيذية الرشيدة. وكما يقال في الأمثال (الإرادة بذرة النجاح). فإذا ما عقدت القيادة السياسية والتنفيذية، والفاعلون الاقتصاديون العزم على المضي قدماً نحو إعادة تصور الاقتصاد اليمني والسعي إلى إصلاح حلقاته القائدة، فإن عجلة الاقتصاد -حتماً- ستبدأ بالدوران من جديد، وستدفعها السياسات المالية والنقدية الداعمة للاستقرار ومن ثم النمو.

ثانياً: "خارطة طريق"
بغية تلمس المداخل السليمة لرفع كفاءة أداء مؤسسات المالية العامة والجهاز المصرفي نضع خارطة طريق تتضمن بنسختها المختصرة، 3 مسارات أساسية، يضم كل مسار مصفوفة من المهمات والإجراءات التي تهدف إلى تركيب إطار للسياسات الداعمة لإصلاح المالية العامة والسلطة النقدية بهدف رفع كفاءة أدائها لتمهيد الطريق نحو معافاة الاقتصاد الحقيقي بداية، وتأمين شروط حفز نموه لاحقاً.

المسار الأول: تعظيم الموارد الحكومية المحلية والأجنبية مع ترشيد وضبط الإنفاق الجاري.

يستدعي السير في هذا المسار تنفيذ مصفوفة من الإجراءات والمهام الآتية:

- وضع إطار من الإجراءات الحازمة لحشد الموارد الحكومية المحلية لضمان استدامة المالية العامة، وتنفيذ الموازنة بصرامة من خلال إلزام كافة المؤسسات والمصالح الحكومية بتوريد إيراداتها في حساباتها لدى البنك المركزي.

- قيام وزارة المالية والجهات الحكومية الأخرى المختصة، بتفعيل القانون المالي اليمني، واتخاد العقوبات المنصوص عليها بالقانون بحق كل من يخالف نصوصه بشأن الايراد والصرف من الموارد الحكومية.

- فتح حساب فرعي في حساب الحكومة لدى البنك المركزي بالنقد الأجنبي يخصص لمرتبات الوزراء والوكلاء والعسكريين ولكل من يستلم راتبه بالدولار في الخارج، على أن يعزز هذا الحساب الأصول الخارجية للبنك المركزي، ويصرف ما يقابله للمذكورين بالعملة المحلية على أساس سعر الصرف المحدد للمعاملات النقدية للحكومة (سعر الإقفال لحسابات الحكومة).

- تقييد عمليات الاستيراد للسلع والخدمات غير الضرورية، وإن تطلب الأمر العودة الى نظام تراخيص الاستيراد، منع استيراد السلع الكمالية التي تتسم بارتفاع كلفتها وتدني منفعتها، وذلك لمدة مؤقتة تتراوح بين 2 - 3 سنوات بغية تخفيف الضغط على سوق الصرف الأجنبي.

- التباحث مع الدول والمنظمات الدولية المانحة على ضرورة تحويل مساعداتها ومنحها النقدية إلى حساباتها في البنوك التجارية بعدن، أو إلى حسابات الجهات الحكومية المستهدفة من المنح طرف البنك المركزي في عدن، وأن يتم الصرف منها من قبل المخولين بذلك حسب القانون المالي.

- قيام مجلس الوزراء بتكليف الجهات الحكومية المختصة لحث الشركات العاملة في مجال إنتاج النفط برفع وتيرة الإنتاج كل ما كان ذلك متاحاً، بغية زيادة الصادرات النفطية لدعم موارد الحكومة من النقد الأجنبي وتوريدها إلى حسابات الحكومة في البنك المركزي بعدن.

- تكثيف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بطلب قرض بفوائد ميسرة لدعم القيمة الداخلية والخارجية للعملة الوطنية. علماً بأن مثل هذه القروض يمنحها الصندوق عادةً للدول التي تمر بظروف مشابهة للظروف التي تمر بها بلادنا.

- استثمار المباحثات السنوية مع الصندوق والبنك الدوليين لطلب استكمال تنفيذ المشاريع القائمة، التي توقفت بسبب الحرب، وطلب الدعم الجديد لتنفيذ مشاريع الأشغال العامة التي تستهدف الحد من البطالة التي تصاعدت معدلاتها بسبب توقف أو تقليص نشاط قطاع الأعمال الخاص.

- استمرار الدعم النقدي والمالي للمملكة العربية السعودية، بما يضمن استدامة المالية العامة لمجابهة المتطلبات المالية لتنفيذ بقية مخرجات اتفاق الرياض، وكذا استحقاقات إعادة الإعمار.

مع توفير القدر الملائم من النقد الأجنبي لدعم الأصول الخارجية في ميزانية البنك المركزي بعدن، من خلال وديعة نقدية جديدة، وفق صيغة تضمن تجددها تلقائياً، لتقوم بوظيفة مزدوجة كخط دفاع أولي لحماية قيمة العملة الوطنية، وبنفس الوقت كمصدر لتوفير النقد الأجنبي لاستيراد السلع الغذائية المغطاة (المدعومة).

- الإسراع بإعلان البدء ببرنامج إعادة الإعمار، ومن ثم الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للمانحين لتوفير الموارد اللازمة لمجابهة متطلبات وتأمين احتياجات حفز النمو وتحريك عجلة الاقتصاد.

ولما كانت المهمات المقترحة أعلاه ضمن المسار الأول لخارطة الطريق تتطلب زيادة الإنفاق الحكومي بشقية الجاري والاستثماري، فإن ذلك بدوره، يفرض توفير ما يقابله من كتلة نقدية. الأمر الذي يستوجب إيجاد إدارة كفؤة للسيولة المتاحة، مع توقع القيام بمزيد من طباعة الأوراق النقدية لمجابهة كافة التزامات ومتطلبات التنمية والنمو الذي قد يرفع بمعدلات التضخم إلى أعلى.

لهذا، فإن العمل بمسار ثانٍ مواز للمسار الأول المقترح في خارطة الطريق سيضمن الحيلولة دون عرقلة تنفيذ مهمات المسار الأول.

المسار الثاني: رفع كفاءة إدارة السيولة النقدية في الجهاز المصرفي.

تابع المهتمون الزيادة التي قام بها دولة رئيس الوزراء د. معين عبد الملك إلى البنك المركزي اليمني بعدن، والتي أعطت إشارة واضحة إلى أن تدشينَه زياراتِه الميدانية إلى المنشآت الاقتصادية بزيارة البنك المركزي، فيها من الدلالات القوية، على أن مركز ثقل البرنامج الاقتصادي الحكومي هو النشاط النقدي الذي تديره وتقوده السلطة النقدية ممثلة بالبنك المركزي اليمني في عدن.

لقد أصاب حدس رئيس الوزراء في تحديد مركز ثقل نشاط الحكومة القادم، إذ إنه بدون إجراء إصلاحات في أركان النظام النقدي اليمني، فإن أي جهود تبذل في جوانب الاقتصاد الأخرى لن تؤتي ثمارها ما دامت مؤسسات النظام النقدي في البلاد ضعيفة التأثير.

ولتحقيق أهداف هذا المسار، ينبغي القيام بثلاثة مهمات ضرورية وهي:

● الاستغلال الأمثل للسيولة المتاحة
وذلك عبر اتخاذ الإجراءات الآتية:

- تطوير وتحسين أنظمة المدفوعات، وزيادة عدد آلات الصرف الآلي، ونقاط البيع، لجهة التقليل من استخدام العملة المتداولة في عملية التبادل.

- رفع كفاءة دور البنك المركزي في الرقابة على أداء شركات الصرافة وتفعيل القانون رقم (19) لسنة 1995م وتعديلاته بشأن أعمال الصرافة، وتحديداً المواد: (8)، (11)، (14)، (16)، (20)، (21)، (23)، (24)، (25).

- توفير الاحتياجات الفنية والبشرية للبنك المركزي لأغراض تعزيز نظامي التسوية الإجمالية الآنية المعروفة بـ (RTGS). وغرفة المقاصة الآلية (ACH).

● استخدام الأدوات غير المباشرة للسياسة النقدية
وذلك عبر اتخاذ الإجراءات الآتية:

- ضرورة تخصيص جزء من النقد المصدر لرفد خزائن البنوك العاملة بالنقدية بإحدى الآليتين أو بكلتيهما:

1 - ضخ سيولة نقدية للبنوك بنسبة محددة من النقد المصدر. شريطة أن توزع ما بين البنوك قياساً بما يمتلكه كل بنك من ودائع لدى البنك المركزي.

2 - قيام البنك المركزي من خلال استخدامه لأداة السوق المفتوحة بإعادة شراء جزء من أذون الخزانة التي انقضت مواعيد استحقاقها فيما سبق. وذلك حسب دفع من حيث الأقدمية، وليس دفعة واحدة.

3 - يهدف التفريق ما بين البنوك من حيث السيولة النقدية المضخة لها، إلى تحفيز البنوك على زيادة إيداعاتها لدى البنك المركزي، ناهيك عما يتم إيداعه لقاء نسبة الاحتياطي القانوني على ودائع الجمهور لدى البنوك التجارية والملزمة به حسب قانون رقم (14) لسنة 2000م بشأن البنك المركزي.

- تحريك سعر الفائدة إلى أعلى بنسب تراعي معدلات التضخم، بحيث يكون سعر الفائدة الحقيقي الذي يساوي سعر الفائدة الأسمى ناقصاً معدل التضخم موجباً. ولا يخفى عليكم الأهداف التي يمكن أن تتحقق من وراء هذا الإجراء، ومن أبرزها:

1 - سحب الأموال المكتنزة في البيوت كأوراق نقدية، والتي تسببت في تعطيل الدورة النقدية والعمل على إعادتها إلى قنواتها المصرفية لتنتظم الدورة النقدية، وتتلاشى تدريجياً أزمة شحة السيولة.

2 - إن رفع معدلات سعر الفائدة على الودائع، سيحد من رغبة من يمتلكون مدخرات بالريال في تحويلها إلى دولار، الأمر الذي يتسبب في شيوع ظاهرة "الدولرة"، وتحول الدولار إلى وسيلة لخزن القيمة، بل أحياناً إلى وسيلة للدفع عندما تنسب أسعار السلع والخدمات إليه (أداة للقيمة).

3 - سيخفف ذلك من ارتفاع الطلب على الدولار في السوق المحلية.

4 - وجود سعر فائدة موجب على الودائع سيزيد من حجم الأموال المودعة في البنوك التي تشكل للبنوك موارد اقراضية، تمكنها من استعادة نشاطها الائتماني الذي يسهم في خلق النقود (نقود الودائع)، وزيادة كمية النقود من مصادر غير تضخمية حسب حاجة الاقتصاد، ودون ضخ أوراق نقدية جديدة من قبل البنك المركزي ناهيك عما تسهم به القروض من نشاط استثماري.

- رفع كفاءة استخدام أداة الاحتياطي الالزامي على ودائع الجمهور في البنوك، بطريقة لا تجعلها عبئاً على النظام المصرفي من جهة، ولا تعرقل التوزيع الجيد للموارد من جهة أخرى.

وذلك عبر الآتي:

1 - تخفيض نسبة الاحتياطي القانوني على الودائع بالريال من 7 % إلى 5 %.

2 - تخفيض نسبة الاحتياطي القانوني على الودائع بالدولار من 10 % إلى 7 %.

3 - قيام البنك المركزي بمنح فوائد على ودائع البنوك لديه أكانت المتأنية من الاحتياطيات الإلزامية على البنوك المودعة لديه، أو من الاحتياطات الفائضة للبنوك.

ويهدف هذا الإجراء إلى الآتي:

- التوسع في تنقيد الاقتصاد.

- توجيه السيولة نحو قنواتها المصرفية لضمان سلامة الدورة النقدية.

- تحفيز البنوك إلى رفع مقدرتها الإقراضية بالنقد المحلي والأجنبي، وبالتالي رفع مساهمتها في خلق النقود.

- تشجيع البنوك على الالتزام بتوريد حصتها كاملة من الاحتياطيات الإلزامية لكمية الودائع المودعة لديها.

اللجوء الاضطراري لزيادة الكتلة النقدية
قد يضطر البنك المركزي اليمني بعدن للجوء إلى طباعة مزيد من الأوراق النقدية، لتلبية الإنفاق الحكومي المتوقع زيادته في سياق تنفيذ مخرجات اتفاق الرياض، والبدء بإعادة الإعمار، وذلك بغية تحفيز قطاع الأعمال الخاص على توسيع استثماراته والمساهمة في تحريك عجلة الاقتصاد.

هذا الخيار بالرغم من إثارة السلبية الكبيرة إلا أنه يمثل خيار الضرورة، لذلك فإنه إذا لجأ إليه البنك المركزي مضطراً بعد استنفاد كل السبل المتاحة للاستغلال الأمثل للسيولة المتوفرة، يجب أن يتم التعاطي معه بأخذ الحيطة والحذر، بحيث لا يزيد معدل نمو الكتلة النقدية عن معدل النمو الاقتصادي المتوقع بفعل مشاريع إعادة الإعمار أو بفعل تحفيز الإنفاق الحكومي لنشاط قطاع الأعمال الخاص.

● وضع خطة كاملة الأركان لترغيب البنوك التجارية في صنعاء لنقل مركز عملياتها المصرفية إلى العاصمة المؤقتة بعدن، وذلك للاستفادة من الميزات التي سيمنحها البنك المركزي للبنوك التجارية كافة من خلال استخدامه للأدوات غير المباشرة لسياسته النقدية المذكور بعضاً منها فيما سبق.

تلك خطوط عريضة للمسار الثاني من مسارات خارطة الطريق، ويبقى أن نقول: إن نجاح برنامج الحكومة في معافاة الاقتصاد يظل مرهوناً بتوفير بيئة مؤسسية تراقب وتراجع وتحاسب حول كيفية استغلال وإدارة الموارد المالية والبشرية، ولضمان تهيئة مثل بيئة هكذا لا بد من استكمال مسارات خارطة الطريق بالمسار الثالث الآتي.

المسار الثالث: تهيئة البيئة الإدارية والقانونية لضمان رفع كفاءة إدارة الموارد المالية والبشرية
في سياق العبور في هذا المسار يستوجب القيام بالآتي:

- تفعيل المجلس الاقتصادي الأعلى، ورفده بالكوادر النوعية المتخصصة، وتطوير بنيانه ووظائفه بما يساعد على تجذير دوره في خلق بيئة قانونية وإدارية واستثمارية ملاءمة لتنفيذ كل الموجهات فيما يتعلق بمعافاة الاقتصاد والنهوض بالتنمية.

- إعادة تنظيم الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ومراجعة تطوير القانون الناظم لنشاطه، إن تطلب الأمر بما يكفل رفع درجة كفاءته في الحد من الأخطاء والممارسات الإدارية غير السليمة أكان فيما يخص استغلال الموارد العامة المتاحة، أو فيما يخص توزيع الكادر، أو استغلال المناصب لتحقيق مصالح خاصة، والتشديد على رفع التقارير التي تعدها دوائر ولجان الجهاز للوقوف أمامها من قبل الجهات المختصة بحسب التراتبية الإدارية مع التأكيد على أهمية إتاحتها للرأي العام من خلال النشر المسؤول.

- تفعيل قانون رقم (39) لسنة 2006م بشأن مكافحة الفساد، وإعادة النظر بتكوين الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد المنشاة بموجب هذا القانون بما يساعد في منع استشراء الفساد، فلا تنمية حقيقية في ظل فساد مستشرٍ.
لقد حان الوقت لإرساء مبدأ النزاهة والشفافية والمحاسبة بما يكفل تحقيق الإدارة الرشيدة لأموال وموارد وممتلكات الدولة.

* أستاذ الاقتصاد المالي والنقدي
عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى