التصالح والتسامح

> (لا يوجد ما هو أفضل من الحق غير العفو) فالقصاص حق واسترداد الحقوق حق والتعويض العادل حق، ولكن الصفح والعفو والتسامح هو أعظم من الحق، ومن عفى وأصلح فأجره على الله، والتسامح والتصالح الجنوبي هو أعظم ما أنتجه العقل الجنوبي لمجابهة التحديات الكبرى التي عصفت بعامة شعب الجنوب، وكم كانت الفرحة والبهجة والسرور ترتسم على وجوه الجنوبيين وهم يتسامحون ويتصالحون ويحتفلون بذلك كما يحتفلون في أعيادهم، لأنهم يرون في ذلك سموّهم فوق الجراح وفيه لحمتهم واستعادة هويتهم وعزتهم وقوتهم وتوحيد جهودهم والعيش المشترك على أرضهم وحماية لثرواتهم والذود عن أعراضهم ورفعة لكرامتهم.

إن التصالح والتسامح الجنوبي هو مشروع وطني غير مرتبط بحدث ما، وإن كانت بعض الأحداث أكثر إيلاما وأكثر تشظيا وأكثر تنافرا، إلا أن التصالح والتسامح قد كان الهدف منه ردم كل ما أنتجته كل الأحداث فهي تهون أمام التحديات والتهديدات التي كانت تنتصب أمام وجوده كشعب ووطن وهوية وثروة وسيادة.

صحيح أن الجراح كانت عميقة لكن فجائع وهول التهديدات والتحديات كانت أفظع ومدمرة للأرض والإنسان، لهذا آثر الجنوبيون تضميد الجراح والاصطفاف في صفوف منتظمة لمواجهة تلك المخاطر.

إن حالة التدمير والنهب وإهدار الكرامة وانتهاك الأعراض وماسي الفقر بل الجوع المدقع والجهل وانتشار الأمية الأبجدية وانتشار الأوبئة والأمراض وتدمير البيئة ونهب الثروات وقمع الرأي والحريات ونشر الفتن والضغائن وتحويل الشغب الجنوبي بكل قواه السياسية والعسكرية والقبلية والتجارية والثقافية إلى تابع وملحق ضعيف في باب اليمن وتدمير كيانه وهويته وحضارته وتاريخه ومعالمه أمور مرعبة ودروس قاسية قد فرضت على شعب الجنوب للاستنهاض من غفلته والبدء في لملمة ذاته لمجابهة كل ذلك، فكان الطريق والحل والوسيلة الأمثل لذلك هو التصالح والتسامح الجنوبي.

وقد كان شعبنا العظيم محقا في ذلك فبمجرد الإعلان عن هذا المشروع العظيم انطلق كل أبناء الجنوب العربي من كل محافظة ومدينة ومديرية وقرية وحي من الداخل والخارج مشبكين أيديهم وسواعدهم وموحدين إراداتهم إلى ساحات النضال، منادين باستعادة الكرامة الجنوبية واستطاعوا إنجاز الكثير، واهتزت عروش خصومهم وتم كسر حاجز الخوف، واستعادوا القوة والعزة الجنوبية.

واليوم فما أحوجنا إلى تجديد تلك الروح العظيمة واللحمة القوية والإرادة الموحدة والعزيمة التي لا تلين لمواجهة تحديات الحاضر والمضي إلى الأمام نحو آفاق المستقبل لنصل بشعبنا إلى يوم الاستقلال وهو خالٍ من أمراض الماضي صحيح ومتعافٍ وقوي ومتماسك لتنعم أجيال الغد بالحياة الكريمة، إن التصالح والتسامح هو منهج حياة وآلية للعيش المشترك غير مرتبط بزمن معين فقط، ومع ذلك كله يجب أن لا ننسى أن تعزيز التصالح والتسامح ليكون أقوى وأمتن ودائما يرتبط ارتباطا قويا بقانون العدالة الانتقالية الذي سيكون من أهم قوانين الدولة الجنوبية المنشودة والذي لا نحب الخوض في تفاصيله حاليا.

إن عظمة التصالح والتسامح تتطلب الترفع عن الصغائر والضغائن والمناكفات، والسمو به إلى أعلى مراتب الشرف والنزاهة والصدق والعدالة ولا نسمح بتشويهه من قبل الفاسدين والمنافقين والعابثين بالأرض والنسيج الاجتماعي، ومن لا ينظرون بالفخر والاعتزاز لهويتهم ووطنهم ووشائج القربى بمجتمعهم فيريدون تجيير التصالح والتسامح لتمرير سلوكياتهم تلك مشوهي التصالح والتسامح بأنه التقاضي عن الفاسدين وناهبي الأرض ومنتهكي الأعراض، يرتكبون باسم التصالح والتسامح أفظع الجرائم فهؤلاء يجب أن يدركوا أننا قادمون على قانون العدالة الانتقالية، وأن التصالح والتسامح لا يعطي لهم صكا للاستمرار في ممارساتهم تلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى