"دولة البساتين".. مياه شرب بنكهة المجاري وسبات المسئولين عميق

> تقرير/ فردوس العلمي :

> إن جولة في منطقة البساتين تجعلك تسأل أين الدولة من هذه المنطقة التي خصصت للعائدين ممن هاجر أجدادهم إلى الصومال وعاشوا فيها دهرا من الزمن؟ ومع أحداث الحرب الأهلية في الصومال في تسعينيات القرن المنصرم عاد كثير منهم إلى أرض الوطن، لتكون البساتين حاضنة لهم.

هذه المنطقة الترابية تجد فيها المباني الفاخرة والعشش، فقد اجتمع فيها لاجئون ومهاجرون وعائدون ونازحون من أبناء البلد المضيف الذين قصدوها بعد عام 2011م ليلحق بهم آخرون عقب أحداث عام 2015م يتشارك جميعهم في ذات الهم الذي تولده طبيعة الظروف هناك، في "دولة البساتين" كما يطلق عليها سكانها الذين عكر صفو حياتهم كل ما لا يخطر على بال، فعدم التفات الجهات الحكومية لهذه المنطقة أو محاولة معالجة مشاكلها كان السبب وراء تسميتها ربما بـ "دولة البساتين"، وكأنما هي لا تتبع الوطن ولا تدخل في إطار نطاق صلاحيات واهتمامات ولاة الأمر.

المشكلات التي دفنت البساتين حية ليست بجديدة، وبدأت بتكدس أكياس القمامة وانسداد بيارات المجاري وافتقار المنطقة لمشروع رصف وإنارة وما إلى ذلك من المشاكل التي قد تزاور حيا فقيرا وما تجلبه من آثار على ساكنيه سواء على المدى القريب أو البعيد، إلا أن للمنظمات الدولية العاملة في بلادنا نشاطا ملحوظا ولو كان متقطعا وغير مستمر في البساتين، باعتبارها منطقة جذب ومربعا أساسيا في خطة عمل أي منظمة وفي أي مشروع بسبب وجود اللاجئين هناك، آخرها كانت حملة نفذت -على غير العادة- بالشراكة بين السلطة المحلية ومنظمة أدرا ومبادرات شبابية لتغيير ملامح المنطقة.

"الأيام" تابعت الحملة من كثب والتقت بممثلي المنظمة وعدد من سكان البساتين الذين أبدوا ارتياحهم لأهداف الحملة وخرجت بالحصيلة الآتية:

خلال البَدْء بتنفيذ الحملة التي استمرت عشرة أيام، لفتني انتشار القمامة في أكثر من موقع حتى أصبحت المنطقة أشبه بمقلب نفايات تفوح منه النتانة، وعندما سألت السكان عن سبب ذلك قالوا إنه إذا رمى أحدهم كيس قمامة في مكان ما تبعه جيرانه حتى يتحول المكان إلى مرمى قمامة، ذلك أن البساتين منطقة مساحتها واسعة ومكبات القمامة فيها قليلة لذا يجد كل ساكن لنفسه مكانا ليرمي قمامته حتى وإن كان أمام المنازل أو بجانب سور المدرسة. مشكلة أخرى وهي أن انتشار القمامة في المنطقة زاد من أعداد الذباب والبعوض، لذا انتشرت الأمراض بين الأطفال خاصة من إسهالات وحميات وأمراض أخرى، وما فاقم من حجم المعاناة هو أن المنطقة ترابية فسرعان ما تتكون بحيرات نتيجة طفح المجاري لتأتي مياه الأمطار وتزيد المشهد سوءا.

"كي أصل لمنزل جاري في الجهة المقابلة عليّ قطع نهرا من المجاري أو المياه الراكدة التي تغير لونها إلى الأخضر وأصبحت مرتعا لبيض البعوض والحشرات"، قال أحد سكان "دولة البساتين" الذي علل ذلك بأن "المنطقة منكوبة ليست فيها حتى شبكة صرف صحي وأغلب السكان يحفرون بيارات، لم يلتفت إلينا أحد من سابق عدا المنظمات والمؤسسات العاملة في المنطقة التي تحن علينا بحملات نظافة متقطعة، لكن اليوم نرى تعاونا بين جهات حكومية ومنظمات ونأمل أن تثمر جهودهم وينهضوا واقع المنطقة فنحن نستبشر خيرا".

ما إن طفت في أحياء المنطقة حتى رأيت شبابا من الجنسين يحملون مشقات يكنسون الشوارع، فيما بعضهم يعمل على فتح انسدادات مناهل الصرف الصحي، شباب في عمر الزهور يملؤهم الأمل بالقدرة على التغيير للأفضل يرتدون قمصانا تشير إلى هوياتهم وتفرق بين أعضاء المبادرتين المشاركتين في الحملة (المناصرة وبصمة لاجئ).

نسيبة الحسين، ممثل منظمة أدرا، أوضحت: "الحملة تأتي بالتعاون مع الإدارة المحلية للمجلس المحلي بالمديرية ممثلة بـ د.أحمد عقيل باراس مأمور المديرية، وبالتعاون مع صندوق النظافة بالمديرية، عقدنا الاجتماع الأول في المنظمة بحضور المأمور، وفي الاجتماع الثاني حضر م.سيف علي حسن المستشار الفني ورئيس قسم التخطيط المدني، وتم الاتفاق على الحملة الهادفة لإزالة المخلفات الصلبة في منطقة البساتين والنظافة والإصحاح البيئي وتنظيف المجاري وفتح الانسدادات، كما تم الاتفاق على تصفية مناهل الخط الرئيس من جولة السفينة حتى حوش باسويد وتوفير 20 كيس أسمنت وكري وحديد لتجهيز أغطية للمناهل".

وأضافت بأن الحملة تتضمن رفع القمامة المتراكمة في المواقع الرئيسية والفرعية وتحميلها على المركبات وتصفية الشوارع والممرات، وعمل بلاط للجزيرة المشجرة وإنارة الأحياء المتبقية في قرية الفلاحين وحي (صفـر).
وأشارت الحسين إلى أن الدافع وراء إطلاق الحملة هو المعاناة التي يتكبدها السكان والمأساة التي يعيشونها جراء اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، إضافة إلى تراكم القمامة، ما أدى إلى انتشار الأمراض خاصة بين أوساط الأطفال.

وقالت: "نتيجة لذلك كان لا بد أن نقوم بثلاث خطوات، الخطوة الأولى إزالة القمامة بشكل كامل خاصة المتراكمة ولها سنوات كمنطقة قرية الفلاحين وبلوك صفـر وبلوك (1) وكل البلوكات المحادية للمجمع الدراسي ومدرسة البساتين وكل البلوكات التي تجد فيها مكبات القمامة الكبيرة وكذا الشوارع الرئيسية، أما الخطوة الثانية فكانت فتح الانسدادات ابتداء من جولة السفينة انتهاء بالبلوكات خاصة بلوك 1 لأنه قديم ومياه المجاري منتشرة فيه لدرجة أن السكان هناك بدؤوا بعمل الحمامات المربوطة مباشرة بالبيارات كحل لمشكلة طفح المجاري داخل البيوت، لكن هذا أدى إلى اختلاط مياه الشرب مع مياه المجاري فكثير ما تكون حفر البيارات قريبة من أحواض مياه الشرب".

وتمثلت الخطوة الثالثة والأخيرة من الحملة، حسب الحسين، بتنظيف البلوكات الأشد تضررا من انتشار النفايات وتراكم الأوساخ والمياه الراكدة، ويشمل ذلك تنظيف المناهل وفتح الانسدادات والمساهمة في عملية النظافة والإصحاح البيئي بشكل عام.

وأفادت: "نحن كمنظمة عاملة في مجال النظافة والإصحاح البيئي والصرف الصحي والتوعية في إطار حماية البيئة، قررنا إطلاق مجموعة من الحملات في عشرة أيام تبدأ بالإنارة حيث تم توفير 60 مصباحاً لإنارة منطقة قرية الفلاحين والطرق الرئيسة في البساتين، إضافة إلى فتح 80 قناة من قنوات الصرف الصحي وإصلاح الشارع الرئيسي وسفلتته، وذلك إلى جانب حملة النظافة ورفع القمامة التي ترافقها حملات رش ضبابي ورذاذي في المنطقة كاملة".

ويعد التمدد السكاني في البساتين بصورة متواصلة أحد الأسباب التي تتطلب تدخل المنظمات العاملة في مجال البيئة والنظافة وتفعيل برامج إصحاح بيئي مكثفة، لما لذلك من أثر سلبي في انتشار الأمراض والأوبئة، خاصة وأن التمدد يتم بصورة عشوائية بعيدا عن أعين الدولة.
وحتى قبل أن تنتهي الحملة، لاحظ السكان فرقا كبيرا في شوارع وأحياء المنطقة الواسعة، وقال أحدهم: "الآن سوف نتنفس هواء نقيا خاليا من الجراثيم، ويستطيع أبناؤنا اللعب دون خوف من الحشرات والثعابين، سيذهبون المدرسة في طريق آمنة نظيفة بعدما اختفت أكوام القمامة".

وأضاف آخر: "نتمنى إن يلتزم السكان برمي القمامة في مواقعها المخصصة لا في الأركان، وأن يستمر هدوء المجاري دون طفح بعد تصفية البيارات الرئيسة، فنحن نعيش بمنطقة تربية وعندما تطفح المجاري لا نستطيع حتى الوصول إلى المسجد".

وتساءل أحد سكان البساتين عن سبب استثناء المنطقة من مشروع الرصف الذي شمل كافة المديريات، وقال: "البساتين توسعت بشكل كبير فلم تعد تأوي اللاجئين فحسب إنما أصبحت حاضنة لخليط من السكان من كل محافظات الجنوب، نتمنى من مكتب الأشغال العامة والطرقات أن ينفذ مشروع رصف أسوة ببقية مناطق المديرية، تعبنا من الخطوط الترابية ونريد حقا تغييرا يكون أثره ظاهرا في أسلوب حياتنا".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى