​وهذه الضجة الكبرى علامَ؟.. "حول تقرير خبراء الأمم المتحدة"

> د. علي عبد الكريم

>
العنوان أعلاه قديم استخدم إبان المناظرات الثقافية قبل عقود من حياتنا الثقافية العربية، وسأستخدمه مجازاً في مجال الاقتصاد، فقد رأيته مناسباً لأتخذه عنواناً للمداولات الساخنة التي تدور حول تقرير خبراء الأمم المتحدة، وكنت قد أسميتهم في مقالة سابقة خبثاء الأمم المتحدة، ووجدت ضرورة لإعادة تسميتهم خبراء الأمم المتحدة.

بداية نقول إن الحق يقال، فإنه أمر جلل يستحق معه ضجة وأي ضجة أنها الضجة الكبرى ونسأل مع القوم... وعلامَ.

   نقول لأنها مرتبطة بكيان دولة مهتزة تنخر في عظامها في كيانها وفي مقوماتها السياسية والاقتصادية جملة مؤشرات قاتلة تعكس في العمق تضارباً وسوء إدارة تصاحبها نتائج حرب مدمرة مستمرة طالت مصحوبة بصراعات جانبية بين أطراف رئيسة داعمة لشرعية تواجه شتى المصاعب تخذلها عوامل تأكل من داخلها وخارجها، ولا نجانب الصواب إن قلنا: من قبل داعميها حتى وإن أنكرت ذلك للضرورات وليس عن اقتناع، خاصة من قبل طرفين داخليين وجارين، وجلهم قيادة الشرعية والمتحالفين والمضادين لها أسهموا إسهاماً قاتلاً للوصول للوضعية الرثة التي تعيشها بلادنا واقتصادها العليل.

وفي السياق لا بد لنا من تأكيد القول "لا اقتصاد سليم متماسك دون سياسة متماسكة" ذلك مرهون بوجود عامل موضوعي متمثل بوجود دولة قوية قادرة تحترم قراراتها، ولا توجد على الأرض تحديات تمس قوة ووحدة قراراتها ومفاعيل سريانها وجوهر سيادتها ولا تشكل حالة   تعد عليها، ذلك شرط أساسي غيابه يعني الدخول في حالة سيولة مايعة في كافة المجالات تماثل ما نحن عليه ولا نستغرب أن تفاجأنا الأيام بقنابل مزعجات ليس أخطرها تقرير الخبراء، ذلك لو علمتم "غيض من فيض" سيتتابع للأسف.

نعود مجدداً للموضوع أي تقرير خبراء الأمم المتحدة وعنوان مقالتنا، وهذه الضجة الكبرى علامَ؟
نقول إنها ردة فعل طبيعية فلكل فعل رد فعل مساو في القوة مضاد في الاتجاه.

ونزيد القول إيضاحاً فالتقرير بما تضمنه واحتواه من تساؤلات وإشارات واتهامات قد أثار زوابع لم تهدأ ولن تهدأ إلا بردة فعل تقودها إرادة دولة قوية متماسكة خالية من الصراعات الجانبية التي تضعفها، وتحول دون أن تتصدى لمعالجة أوضاعاً مختلة وقضايا كثيرة تعانيها مثل كثير من الدول لا تترك الحبل على الغارب، لكن تعيد ترتيب أوراق قوتها، لكن يظل السؤال: ماذا بعد أن طفح الكيل وزاد الأمر عن حده؟ فالناس تتنظر جديداً بعيداً عن تدوير الزوايا بما يسمح بمرور العاصفة فقط وليس علاجاً من الجذور، وذلك أمر جلل يتطلب حكمة وإرادة سياسية تعالج جذور الأشكال برمته سياسياً واقتصادياً وأمنياً، فبلد الجمهورية اليمنية الذي يشير بعض الأطراف إلى أنها باتت مجرد اسم في مساحة فراغ سياسي نبادر بالقول لا للاستعجال، الجمهورية اليمنية تواصل مستمر أضعفته عوامل تأكل بداخله وقراءات خاطئة مرتبطة بجملة مصالح داخلية وإقليمية ودولية، وتستدعي الضرورة إعادة مسار التاريخ لمساره الصحيح ووفق معادلات وطنية تشارك بصياغتها أطراف اتفاق الرياض بما لا يتعارض مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل.

نعود لتقرير خبراء الأمم المتحدة ومتضمناته، نبادر بالقول: أولاً قبل مناقشة ما أثاره التقرير نود الإشارة إلى أن الداء الأساس الذي تعيشه بلادنا وهي تواجه كارثة الحرب والانقلابات الداخلية التي أسس لها الانقلاب الحوثي بصنعاء، إنما يتمثل بتلك التعقيدات ومظاهر الأزمة  التي يعيشها اقتصادنا وهو يواجه منذ فترة ممتدة حالة شلل وعجز هيكلي بنيوي استمر بالتصاعد حتى بات بمرحلة يصعب معها في حدود إمكاناته المتبقية عن تلبية احتياجات السوق الأساسية من وقود ومواد أساسية، وبات مطلوباً معها وجود ضمانات داعمة، وقد مثلت الوديعة السعودية حلاً مكلفاً تولدت معه حالة من السيولة المائعة التي تضمنتها إشارات وملاحظات واتهامات التقرير المعد من قبل خبراء الأمم المتحدة، ونبادر بالقول إن التفكير المجتزئ بجلب فريق دولي يتناول موضوعاً معروفاً سلفاً، لدينا أسبابه ومتطلبات حله نراه عملية للهروب من متطلبات الدخول في مواجهة معركة مصيرية لوضع ومستقبل بلد تتجاذبه حيتان تريد إلغاء بقاءه وطنياً، وعليه ندعو إلى ما يلي:
أولاً - إن استمرار كارثة الحرب دون أن تلوح بالأفق آفاق حل سياسي ينهي حالة الحرب ويضع نهاية لها وفق منطلقات قيامها، أي مساعدة الشرعية وإعادتها للعاصمة صنعاء وأي مخاتلة حول هذا الهدف ستكون بمثابة انقلاب حقيقي يضع علامات استفهام كبرى، لما كانت ولما قامت الحرب أساساً، ومقدمة لذلك على الشرعية إعادة قراءة أمورها بمرآة غير مشروخة الأجزاء.

ثانياً - التحالف العربي مطالب بأن يعيد قراءة المشهد، فاليمن اليوم لم يعد ذاك اليمن الذي دخله التحالف بحرب 2015 للأسف لقد صار أكثر من يمنات وهو ما نرفضه ولا يقبله شعبنا.

رابعاً - إن نفاد اتفاق الرياض بعيداً عن القراءة المتعارضة بين طرفي التوقيع والفهم المزدوج المتغاير مضموناً بينهما، وكذا المتخالف، إما عمداً أو تدميراً، لا يصب في خانة إخراجنا من المحنة، بل يطيل أمد أزمتنا، ولن تحقق مثل سبل هكذا أي مكاسب، لكنها ستخلق على أرض الواقع مزيداً من الصراعات والدماء والأمر يتطلب حقناً للدماء من جميع الأطراف للوصول إلى نقاط توافق تحقق مصالح جميع الأطراف، وفي الأساس مصالح الشعب اليمني في الجنوب والشمال.

خامسا - إن الداء الأساسي الذي نواجهه يتمثل حقيقة بذبول إن لم نقل اختفاء دور ومكانة الدولة كسيادة لا تنتهك شرعية قراراتها المدروسة تحت أي مبرر، ولا يعشش داخل قطاعها الاقتصادي عجز مزمن في موازينه الرئيسة من ميزان المدفوعات والميزان التجاري وميزان معاملاته الخارجية، وهنا ينبغي والقول: إن المطلوب بات معالجة الداء الأساس الذي أشرنا إليه والباقي تفاصيل ستجد بالضرورة علاجها في سياق معالجة الداء الأساس، وذلك يتطلب الدخول في مواجهة تاريخية تعالج من المنبع هذه الأشكال وروافده من الفساد والعجز وغياب هيبة المسألة مما يعني ضياع هيبة الدولة وآليات أعمال السيادة والشرعية، وذلك يتطلب بالضرورة ما يلي:
 أ - وحدة القرار السيادي وتفعيل حقيقي لطروحات مواجهة انقلاب الحوثي وغيرها من مظاهر الخروج عن الشرعية على ألا يغيب عن البال بدءاً بضرورة معالجة مكامن الخلل والفساد في مفاصل للشرعية كشرط مقدم وضروري.
ب - ما ذكر أعلاه كمفهوم إستراتيجي يتطلب الإيمان لاحقاً بالتوافق الوطني لحل الحل الجنوبية وفق منطلقات مخرجات الحوار الوطني واتفاق الرياض دون مدخل كهذا سنظل كمن يحرث بالبحر، ونردف بالقول تعليقاً على تداعيات ما أثاره تقرير الخبراء لنؤكد على ما يلي:
أولاً - نقول أحسنت مجموعة بيت هائل، وهي تتعاطى مع ما كيل لها من تهم صنعاء حين ردت برصانة وهدوء على ما طالها، مطالبة بوجود تحقيق شفاف يؤكد أو ينفي صحة تلك التهم، وبذلك تكون قد رمت الكرة في شباك لجنة الخبراء.

ثانياً - بشأن كل الأسماء التي طالها التقرير أو التعليقات التي قيلت تعقيباً وتعليقاً عليه: إن الأمر يتطلب تحقيقاً شفافاً، وكفي تلاعباً بأمور البلد الكبرى عبر مسلسلات تهم، وتهمٍ مضادةٍ تنتهي بموت الموضوع الأساس. مصلحة البلد واقتصاده المريض المتعثر أكثر أهمية من ترديد أسماء كانت نبعاً معيناً للفساد.
ج - الوديعة السعودية لا تعليق لنا عليها، لكن سنشير أنها مجرد تسهيل قدم كضمان يمكن بنوكنا الوطنية عبر البنك المركزي من الوفاء بمتطلبات السوق الوطنية بالمواد الأساسية وديعة تدار وتراقب وتنفذ خصماً منها ما يصادق عليها من اعتمادات محلية من قبل ذات الجهة التي منحت الوديعة، فلنا أن نسأل كيف نوافق من يراقب تنفيذ الوديعة على وجود مخالفات تتجاوز شروطها.

وختاماً.. إذا كانت الإرادة السياسية للدولة ممثلة بقرار رئيس الحكومة استدعاء شركة دولية وذات اختصاص كما قيل لمواجهة هذه المشكلة نقول لا بأس، لكن نود الإشارة إلى أن كثيراً من الدول لا تحبذ جلب شركات محاسبة دولية، فذلك ماس بالسيادة الوطنية وعدم ثقة بالقدرات الوطنية، وكان يمكن تشكيل فريق تحقيق وطني يتسم بالخبرة والنزاهة ويطعم بخبراء من بنوك مركزية عربية من جامعة الدول العربية أو من غيرها.

نرجو أن تكون مرحلة ما بعد تقرير خبراء الأمم المتحدة ليس كما كان قبل التقرير، وكلنا نأمل بالمستقبل إن أحسنا التعامل مع تحدياته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى