الحروب المعقدة.. اليمن وأفغانستان نموذجا

> عوض بن سعيد باقوير

> الحرب هي تحقيق للأهداف السياسية، ولعل النموذج الأفغاني واليمني هما نموذجان للحروب الأهلية والإقليمية خلال العقود الستة الأخيرة علاوة على حروب مع الاستعمار الإنجليزي منذ عشرينيات القرن الماضي.

تعد الحروب بشكل عام مواجهة حاسمة بين الأطراف وفق أهداف استراتيجية ووطنية تدخل فيها معايير الأمن القومي والمصالح والوصول إلى الأهداف التي حفّزت إلى شنّ مثل تلك الحروب، وهناك أمثلة كثيرة في التاريخ البعيد والقريب لعل من أهمها الحربان العالمية الأولى والثانية والتي غيرت ملامح العالم الحديث.

من هنا فإن الحرب هي تحقيق للأهداف السياسية ولعل النموذج الأفغاني واليمني هما نموذجان للحروب الأهلية والإقليمية خلال العقود الستة الأخيرة علاوة على حروب مع الاستعمار الإنجليزي منذ عشرينيات القرن الماضي.

تراجع الحروب التقليدية
مع نهاية حروب الاستقلال والحروب التقليدية بين العرب والكيان الإسرائيلي ومع نهاية حروب دول جنوب شرق آسيا وحتى في بعض الدول الأفريقية ظهرت للسطح حروب من نوع آخر أكثر تعقيدا وأكثر صعوبة للحسم من قبل الجيوش النظامية خاصة في الدول ذات الطبيعة الجغرافية المعقدة وتحديدا الجبلية كما في الحالتين الأفغانية واليمنية.

الجيش السوفييتي السابق احتل أفغانستان في عقد السبعينيات من القرن الماضي وخاض حربا تقليدية ضد القوات الأفغانية المقاومة للاحتلال وخلال سنوات تحولت الحرب في أفغانستان إلى ما يشبه حرب العصابات والكر والفر وتحولت الحرب إلى حرب عقائدية جهادية كان فيها للمجاهدين العرب دور كبير في دحر القوات السوفييتية رغم قوة العدد والسلاح الحديث الذي كان بحوزة الجيش السوفييتي ولعل العامل الأساسي في انسحاب وهزيمة القوات السوفيتية هو تحول الحرب التقليدية إلى حرب استنزاف جبلية. ومن هنا فإن مشهد الحرب أعطى درسا هاما لشكل الحروب في المستقبل خاصة في المناطق الجغرافية المعقدة وعلى ضوء ذلك فإن المشهد في الحرب الأفغاني تكرر مرتين في المواجهة العسكرية بين حزب الله اللبناني والكيان الإسرائيلي عامي 2000 و2006 ولم يستطع الجيش الإسرائيلي أن يتخلص من حزب الله بل اندحر في عام 2006 وتهاوت دباباته الشهيرة الميركافا على حدود البلدات اللبنانية في بنت جبيل وغيرها ومن هنا فإن المواجهة في أفغانستان أصبحت تميل إلى الحل السياسي بين حكومة كابول وحركة طالبان والسبب الأساسي يعود إلى أن الطرفين أدركا بأن حسم هذه الحرب غير التقليدية غير ممكن الحدوث.

إذن الحروب الكلاسيكية أصبحت معقدة للجيوش النظامية ولعل دخول منظمات إرهابية كداعش وبوكوحرام وغيرها من المنظمات في المناطق الصحراوية والجبلية في سوريا والعراق وليبيا ودول الساحل وجنوب الصحراء في أفريقيا كمالي وتشاد غير المشهد العسكري وأصبح هناك آليات جديدة للمواجهة لم تنجح بشكل كلي للقضاء على تلك المنظمات الإرهابية ومن هنا فإن الآليات الجديدة في الحرب الجديدة تعتمد على التكنولوجيا والبعد عن المواجهة المباشرة، ومع ذلك لا يزال الطريق بعيدا في الحروب العسكرية الحديثة.

الحرب في اليمن
بعد نجاح اليمن في طرد المستعمر في نهاية عقد الستينيات كان هناك أمل من الشعب اليمني في بناء دولة عصرية ووضع مزدهر للشعب اليمني الشقيق على ضوء الإمكانات والمقدرات الطبيعية والبشرية التي يزخر بها اليمن وكانت الوحدة اليمنية هي الأمل في لمّ شمل أبناء اليمن ولكن مع اندلاع الحروب الأهلية بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي قبل الوحدة وبعد ذلك اندلاع الحرب الأهلية عام 1994 وتوالي الصراعات وقيام الثورة الشعبية عام 2011 وما تليها من تطورات ومشكلات دخلت اليمن من جديد عام 2015 في حرب أهلية إقليمية معقدة اعتبرت حربا كارثية على الشعب اليمني على الصعيد الإنساني وتحولت هذه الحرب بسبب العامل الجغرافي كما هو الحال في الحالة الأفغانية إلى نموذج للحرب غير التقليدية وامتد أثرها إلى الدول المجاورة لليمن على الصعيدين العسكري والإنساني.

ومع مرور ست سنوات من الحرب يتكرر مشهد الحرب الأفغانية حيث استحالة الحسم العسكري في اليمن، ومن هنا فإن مسار الحل السياسي في اليمن لم يعد خيارا وإنما ضرورة استراتيجية لكل الأطراف المشاركة في الحرب داخليا وخارجيا ولعل إعلان إدارة بايدن وقف دعم العمليات الأمريكية في اليمن يعد متغيرا مهما على ضرورة وقف الحرب في اليمن وإطلاق حوار سياسي بين اليمنيين كما حدث بين الفرقاء في أفغانستان ومن هنا فإن حرب العصابات في الجبال وحتى على صعيد الكر والفر هي حرب لا يمكن الانتصار فيها.

إذن الحرب الأفغانية والحرب في اليمن هما نموذجان لصعوبة الحروب في المناطق الجغرافية المعقدة؛ فالحرب الجوية لا يمكنها حسم الحرب فالولايات المتحدة رغم القصف الشديد ضد طالبان والقاعدة لم تستطع إنهاء الحرب وها هي تحاور قادة حركة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة ووقعت معها اتفاقية سلام لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان وحتى العراق الذي احتل من القوات الأمريكية أصبح مكانا غير أمن لتلك القوات حيث تهاجم المليشيات المسلحة المصالح والقواعد الأمريكية وأصبح الحديث عن ضرورة سحب القوات الأمريكية من العراق ومن هنا فإن هذا المشهد العسكري في أكثر من منطقة يعطي مؤشرا على تراجع المواجهة التقليدية بين الجيوش والمنظمات والمجموعات المسلحة.

المسار السياسي
أمام ظاهرة الحروب والصراعات الحديثة فإن الانتصار في الحروب التقليدية أصبح في غاية الصعوبة خاصة إذا تحول إلى حرب العصابات الجبلية وإلى حرب نوعية يكون للعنصر البشري أهمية كبيرة في إطار عمليات الكر والفر والتفجيرات للأهداف الحيوية وفي إطار التكنولوجيا الحديثة خاصة على صعيد الطيران المسير.

ومن هنا فإن النموذج الأفغاني واليمني هو إشارة إلى تغيير في منهجية الحروب الحديثة خلال أكثر من نصف قرن وعلى ضوء ذلك يبقى الخيار السياسي هو الأساس في الانتقال من الحروب المدمرة للشعوب إلى الحوار لأن الحرب في اليمن وأفغانستان لا يمكن الانتصار فيها لأي طرف وإذا كان الحال كذلك فإن الآلية الصحيحة هي الحوار فقط وحفظ الأنفس والمال كما يقال وفتح صفحة جديدة من التعاون والالتقاء على كلمة سواء والبعد عن المكابرة.

الأفغان التقوا على طاولة الحوار في الدوحة رغم خلافاتهم المنهجية ومع ذلك سوف يصلون إلى حل ينقذ بلادهم من شرور الحروب والصراعات ويمكن لأهل اليمن أن يلتقوا على طاولة الحوار وتغليب مصلحة بلادهم على أي مصلحة وينقذون وطنهم من التمزق والضياع.

"عمان دايلي"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى