اليمن بوابة آمنة لعودة شرطي العالم

> في معادلة القوة التي تفرضها الحرب وشروطها، تظل الأهداف الاستراتيجية هي المحرّك لدينامكية الصراع وأهدافه، بما يؤدي إلى تحقيق الأهداف المعلنة للحرب، أو على الأقل الحد الأدنى منها. ومع بشاعة الحروب ولا أخلاقيتها، إلا أنه وفي سياقات الحرب اليمنية، وتحديداً في شقها الإقليمي، فقد أدارت القوى المتدخلة في اليمن هذه الحرب، على النقيض من هدفها العسكري المعلن، إعادة رأس السلطة الشرعية إلى السلطة، ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي، وكذلك دحر المتمرّدين الحوثيين الذين انقلبوا على سلطة هادي. ولذلك كانت النتيجة النهائية لحرب الأقوياء إخفاقاً عسكرياً على شتى الأصعدة، بحيث تحولت الحرب إلى كارثة استراتيجية للقوى الإقليمية المتدخلة في اليمن، ناهيك عن كلفتها الباهظة على اليمنيين. وهذا ما أقرّه الرئيس الأميركي، جو بايدن، في سياق إعلانه وقف الدعم الأميركي للعمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية. واصفاً الحرب بالكارثة الاستراتيجية والإنسانية، وهو ما تؤكده مآلات أكثر من ست سنوات من الحرب، فهي بالمحصلة لم تكن حرباً ضد جماعة الحوثي التي تحوّلت إلى قوة عسكرية أقوى من السنوات الأولى لانطلاق التدخل العسكري للتحالف، وإنما حرب ضد سلطة الرئيس هادي الهشّة التي سعى التدخل السعودي - الإماراتي إلى تفتيتها وإضعافها، من خلال تنمية مليشيات خارج الدولة في جنوب اليمن ووسطه، وتمكينها من السلطة، فضلاً عن تسببها بقتل عشرات آلاف من اليمنيين وتدمير البنية التحتية وتقويض الدولة اليمنية.

تطرح مضامين السياسة الخارجية لإدارة بايدن جملة من المحدّدات التي يمكن قراءتها في سياق التخلص من إرث الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي غذّى الصراع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وفي اليمن، أكثر من كونه متغيراً في المقاربة الأميركية للحرب في اليمن، وعلاقتها بحلفائها في المنطقة. وبالطبع، ليس اعترافاً بمسؤوليتها المباشرة عن فظائع الحرب وكلفتها الإنسانية على اليمنيين، وإنما لحماية مصالحها الحيوية في المنطقة التي أضرت بها إدارة ترامب، فمن جهةٍ، التعاطي مع الحرب في اليمن أكثر سهولة للإدارة الأميركية من الحرب السورية التي لم يشر إليها بايدن، فإضافة إلى كونها لا تشكل بؤرة تقاطع مصالح قوى دولية منافسة لأميركا، كالساحة السورية التي تنشط فيه روسيا وتركيا، وبالطبع إيران، فإن خريطة الصراع المحلي والإقليمي في اليمن أكثر وضوحاً من خريطة الصراع في سورية، بما في ذلك وجود الحد الأدنى من التوافق الدولي حيال صيغة الحل السياسي للأزمة اليمنية. وبذلك بدت الحرب اليمنية خياراً مريحاً لإدارة بايدن في الوقت الحالي، لاستعادة الدور الأميركي التقليدي شرطيا يوجه الأزمات ويديرها، وإنْ بما يتفق مع مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها في المنطقة ووكلائهم المحليين، وليس بهدف إيجاد حل جذري للصراع في اليمن.

لطالما شكّل اليمن الحلقة الأضعف في السياسة الخارجية الأميركية، ومن ثم الأكثر سهولة بالنسبة لها، فإضافة إلى المقاربة الأميركية التقليدية لهذا البلد، بوصفه ساحة لنشاط الجماعات الإرهابية الذي تعهد الرئيس بايدن بمواصلة عمليات بلاده العسكرية لمكافحة الإرهاب، فإن إدارة الصراع السعودي - الإيراني ما زالت الموجّه للسياسة الأميركية حيال الحرب في اليمن، ومع اختلاف إدارة بايدن عن سلفه ترامب الصراع الإقليمي في اليمن، فإن سياسة بايدن المعلنة ترتكز على إيجاد سياسة توازن، تنطلق من خفض الصراع الإقليمي في اليمن، فإيران، بحسب المقاربة الأميركية، ومع حضورها السياسي والعسكري غير المباشر في اليمن، بدعم وكيلها المحلي، جماعة الحوثي، عسكرياً من خلال تنمية القدرات العسكرية للحوثي التي تستهدف السعودية، وسياسياً، باعترافها بسلطة الجماعة، وتعيين سفير لها في صنعاء، فإن اليمن بالنسبة لإيران، وفق المقاربة الأميركية، لا تتعدى كونها ساحة ضغط مباشرة على السعودية، وحليفها الأميركي، في ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها، كالاتفاق النووي، والعقوبات الاقتصادية، بما في ذلك الساحة السورية، الأمر الذي يمنح الإدارة الأميركية ورقة سياسية لمفاوضة إيران في الملف اليمني، مقابل تحسين شروطها في الملفات الحيوية الأخرى، وكذلك شطب جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب، بحيث قد تدفع إيران وكيلها المحلي في اليمن إلى وقف العمليات الهجومية على السعودية.

ومن جهة ثانية، تهدف الإدارة الأميركية إلى إدارة الحرب في اليمن، بما يمكّنها من استعادة وظيفة شرطي العالم، من خلال لعب دور سياسي أكثر توازنا في المنطقة، وتحديدا في معادلة الصراع السعودي - الإيراني في اليمن، وذلك بوقف الدعم الأميركي للسعودية في حربها في اليمن، بما في ذلك اللوجستي والاستخباراتي، وكذلك وقف صفقات الأسلحة للسعودية، مقابل دعمها السعودية في الدفاع عن سيادتها ضد الهجمات التي تقوم بها أذرع إيران في المنطقة، أي جماعة الحوثي.

ومن جهة ثالثة، قد تمكّن إدارة الحرب في اليمن، وفق سياسة التوازنات لإدارة بايدن، الإدارة الأميركية من ممارسة دور دولي محايد، أي تحويل الدور الأميركي، من طرف مشارك في الحرب على اليمن ومتورّط بالجرائم ضد اليمنيين، إبان إدارة ترامب، إلى طرف محايد وسيط، وهو ما تجلى في تعيين تيموثي ليندركينج مبعوثا أميركيا لليمن لحل الأزمة، وكذلك دعوة الإدارة الأميركية إلى حل الأزمة اليمنية سياسياً، وهو ما يعني توجها أميركيا جديدا في إدارة الملف اليمني، بعد انفراد بريطانيا من خلال المبعوث الأممي، مارتين جريفيثس، بالمسار السياسي، بما في ذلك نزع الوصاية الكلية للسعودية في إدارة الملف السياسي اليمني، فضلاً عن حرصها على إحراز تقدّم في جبهتها الخارجية التي حصرها الرئيس السابق ترامب في الحرب ضد إيران، وتبني السياسة السعودية حيال اليمن، الأمر الذي أسهم في تغذية الحرب الإقليمية في اليمن.

ومع أنه من المبكر قراءة النتائج المترتبة على السياسة الأميركية الجديدة في الساحة اليمنية، بما في ذلك وقف دعمها العسكري السعودية، وكذلك قدرتها على أن تكون وسيطاً نزيهاً في حلحلة الحرب، بما يؤدي إلى إيجاد تسوية سياسية للأزمة اليمنية، وذلك لأن الوضع العسكري والسياسي في اليمن، الذي أنتجته السعودية والإمارات وإيران ووكلائها، بما في ذلك إدارة ترامب السابقة، أكثر تعقيداً من رغبة إدارة بايدن في إحراز نصر سياسي يفتقر للإلمام بجذر المشكلة اليمنية، بحيث قد يأتي لمصلحة طرفٍ على حساب الأطراف الأخرى، فإن سياسة بايدن المعلنة حيال اليمن سوف تدفع أطراف الصراع المحلية والإقليمية إلى تصعيد عملياتها العسكرية، بغرض تحسين موقعها عسكرياً. إلا أن الجدير بالذكر أنه لا أميركا، ولا غيرها من القوى الدولية والإقليمية، تضع مصالح الشعوب في قائمة أولوياتها، لا مصالح اليمنيين ولا مصالح السوريين الذي يرزحون تحت وطأة مجرمين محليين وإقليميين ودوليين، وإن أصبحت اليمن، البوابة المواربة لعودة أميركا إلى موقعها القديم، بحيث قد تهب رياح الديمقراطيين الأميركيين على اليمن خفيفة، قد لا تغير شيئاً في واقع اليمنيين.

"العربي الجديد"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى