أربع سنوات على الرصيف انتظارًا للراتب.. الصراع يعصف بقوت الموظفين

> «الأيام» "خيوط":

> يتخذ أمين علي (56 سنة) من رصيف شارع الجامعة في صنعاء، محلًّا لإقامته، بعد أن فقد أسرته وراتبه بسبب الحرب التي تدخل عامها السابع، دونما حلٍّ يلوح في الأفق، والذي قد يخفف عنه الكثير من المآسي.
في بداية العام 2016، نزح أمين وزوجته وابنته من حي الجحملية في محافظة تعز بعد أن تعرض منزله لإحدى القذائف التي تسببت بتهدمه وفقدان اثنين من أولاده، نتيجة الاشتباكات التي كانت دائرة، وتعرض المنطقة لقصف مدفعي من قبل قوات تابعة لجماعة أنصار الله(الحوثيين).

استقر به الحال في منطقة الضباب غربي محافظة تعز، ثم اشتدت المعارك هناك مرة أخرى، ما جعله يبحث عن مكان آخر يشعر فيه بالأمان.

اضطر فيما بعد إلى إرسال زوجته وابنته إلى قريته في مديرية مقبنة غربي تعز، واتجه صوب صنعاء للبحث عن سكن وعمل إضافي من خلاله يؤمن قوت أسرته الذي عصف به الصراع الدائر في البلاد، ويضيف أنه لم يمر عليه سوى وقت قصير في صنعاء حتى انقطع راتبه، فيما ظل لأشهر يبحث عن عمل، لكنهُ لم يجد، بسبب كبر سنه وحالته الصحية التي لا تسمح له بالعمل.

أمين كان يعمل في مكتب الأشغال العامة في تعز، براتب لا يتجاوز الـ80 ألف ريال شهريًّا، إلا أنه كان مستورًا يستطيع تأمين دخل أسرته ودفع إيجار منزله، أما الآن فهو مُلقى على الرصيف لا يستطع أن يسد جوعه، حسب حديثه.
عشرات من الموظفين مثل أمين، ينتشرون على أرصفة شوارع صنعاء، خصوصًا في منطقة القاع والدائري ومنطقة التحرير، في انتظار مضنٍ لقوتهم الذي اختطفته الحرب وعصف به الصراع الدائر في البلاد، الذي دخل عامه السابع.

أمين وغيره من موظفي الدولة، باتوا يعيشون ظروفًا إنسانية صعبة، بسبب انقطاع رواتبهم للعام الخامس على التوالي، وتسببت بكارثة إنسانية على الكثير من الأسر، التي وصل بها الحال إلى هاوية الفقر المدقع.

معاناة المتقاعدين
كان الرئيس المعترف به دوليًّا، قد أصدر قرارًا بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في سبتمبر من العام 2016، ما أدى إلى توقف صرف رواتب الموظفين منذ ذلك الوقت، في حين ظل طرفا النزاع يبادلون الاتهامات وتحميل كل طرف مسؤولية عدم صرف رواتب الموظفين، فيما يبقى الموظف مرميًّا على الهامش، يعاني ويتكبد مرارة العيش.

وتعتبر شريحة المتقاعدين الحكوميين الأكثر ضررًا، وذلك لكبر سنهم وعدم قدرتهم على العمل، بالإضافة إلى أن الكثير منهم يعاني من أمراضٍ مزمنة، وهم بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية. محمد عبده (اسم مستعار)، وهو موظف متقاعد، يقول إن توقف الراتب تسبب له بمضاعفات صحية كثيرة نتيجة عدم قدرته على شراء الأدوية التي كان يستخدمها.

يعاني محمد من مرض السكر والضغط وأمراض أخرى، حسب قوله، وبسبب انقطاع الراتب أصبح لا يستطيع المداومة على استخدام العلاجات، وذلك نتيجة عدم قدرته على شرائها في معظم الأحيان.
فيما يقول محمد، إنه في بداية انقطاع الرواتب لم يستلم سوى نصفين منه فقط، وعلى الرغم من أن رواتب المتقاعدين كانت تصرف بشكل شبه متقطع، إلا أنه كلما جاء قرار بصرف راتبه، يفاجأ بأنه يصرف لغيره لمرات كثيرة ومن أماكن مختلفة.

فيما بعد يؤكد محمد أنه قدم أكثر من شكوى للبريد بخصوص ما تعرض له، لكن الإدارة ظلت تماطل من يوم إلى آخر، وحسب قوله فإنه قد استلم نصفين آخرين بعد تقديم الشكوى بأشهر وبعد عناء بالمتابعة، فيما ظل يطالب ببقية الرواتب حتى أصابه اليأس من عودتها.

في الشكوى المقدمة لبريد الأمانة، والتي حصلت "خيوط" على نسخة منها، يظهر أنه تم صرف الراتب خمس مرات لغير مستحقه في العام 2019؛ ثلاثة منها من بريد الحصب في محافظة تعز، وقد قام بسحبها الموظف نفسه، فيما صُرِف مرتان من بريد يحصب في مدينة يريم محافظة إب أيضًا، سحبت من قبل موظف واحد.

في هذا السياق، يؤكد مصدر، رفض ذكر اسمه، في الأمانة العامة للبريد في صنعاء أن هناك شبكة من موظفي البريد كانت تقوم بسحب رواتب المتقاعدين، وبحسب حديثه فإن أكثر هؤلاء الموظفين من بريد إب وتعز وعدن، وعلى الرغم من تقديم شكاوي كثيرة من قبل المستفيدين، إلا أن البريد لم يقم بأي إجراء ضدهم حتى الآن.

يضيف المصدر أن أكثر من تم سحب رواتبهم هم من المتقاعدين بنسبة تصل إلى 40 %، مرجحًا أن تكون هذه الشبكة قد اختارت الموظفين المتقاعدين؛ لأن غالبيتهم كبار في السن ولم يعد بمقدورهم متابعة رواتبهم في حال مصادرتها، إلى جانب ما تسببت به الحرب من فوضى في مختلف أجهزة الضبط العامة.

ظروف قاسية
توقف صرف رواتب الموظفين المدنيين أدى إلى تفاقم أوضاع شريحة كبيرة من المواطنين اليمنيين، ولجأ الكثير منهم إلى البحث عن عملٍ بديل، علهم من خلاله يواصلون الحياة ويتحدون الفقر، حيث لجأ، خالد محمد وهو تربوي في أحد مدارس صنعاء إلى شراء دراجةٍ نارية بعد أن باع ما كانت تكتسبه زوجته من مجوهرات، حد قوله، ويضيف أنه يذهب إلى المدرسة في الصباح ثم يخرج منها إلى العمل على متن دراجته النارية حتى ساعات متأخرة من الليل.

ويشير إلى أن انقطاع الرواتب سبب له الكثير من المشاكل وتراكم الديون والإيجارات، وأن العمل على متن الدراجة بالكاد يوفر له قوت يومه فقط، فيما لا يزال يسعى جاهدًا إلى العودة للعمل في المدرسة وعلى متن الدراجة، من أجل عدم الإضرار بمستقبل الطلاب فهم لا ذنب لهم، حسب قوله.

ويعاني حوالي 1.2 مليون موظف، حسب تقديرات متداولة لعدد الموظفين المدنيين في الخدمة المدنية، جراء انقطاع رواتبهم، لاسيما في مناطق أنصار الله (الحوثيين)، خاصة بعد أن انقطعت بشكل كلي منذ نهاية العام 2018، حيث كان يتم صرف نصف راتب للموظفين في المناسبات الدينية كعيدي الفطر والأضحى.

بداية العام 2020، توقفت حكومة صنعاء عن عملية صرف نصف راتب كل شهرين، كما تم الإعلان عن ذلك مسبقًا، ولم يتم صرف أي راتب منذ ذلك الحين في صنعاء ومناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين).

البنك المركزي في عدن، كان قد التزم عقب قرار نقله من صنعاء بدفع رواتب كامل الموظفين المدنيين، وظل يؤكد ذلك منذ نهاية العام 2016، لكن التزامه ظل محصورًا بالصرف للموظفين في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليًّا، بالإضافة إلى رواتب نحو 7 جهات حكومية في صنعاء والموظفين المدنيين بمحافظة الحديدة النازحين من مناطق أنصار الله (الحوثيين).

صرف رواتب هؤلاء الموظفين، خصوصًا النازحين، يتم حصرها في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، الأمر الذي يجبر موظفي هذه الجهات على بدء رحلة سفر شاقة إلى محافظة عدن المتخذة من قبل الحكومة المعترف بها دوليًّا عاصمة لها، وبقية المحافظات الواقعة تحت سيطرتها لاستلام الراتب.

فيما يواجهون معضلة أخرى مستعصية على الحل بسبب ارتفاع تكاليف رسوم عمولة الحوالات الداخلية نتيجة انهيار سعر صرف العملة في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا ورفض سلطة أنصار الله (الحوثيين) تداول العملة الجديدة المطبوعة في صنعاء ومناطق سيطرتها؛ إذ وصلت نسبة هذه الرسوم مطلع هذا الأسبوع إلى أكثر من 50 %، في الوقت الذي تصرف فيه حكومة عدن رواتب الموظفين بالعملة الجديدة.

في هذا الإطار، تقول الدكتورة سامية عبدالمجيد الأغبري، رئيس قسم الصحافة في جامعة صنعاء، إن السفر إلى عدن متعب جدًّا، لا سيما مع انقطاع الطرقات الرئيسة واللجوء إلى طرق فرعية تطيل المسافة وتنهك الجسد، بالإضافة إلى انتشار النقاط الأمنية التي تعرقل حركة الكثير من المسافرين، وتضيف بالقول: "حتى وإن استطعت أن تتغلب على الطريق فإن الراتب يصرف بفئات العملة الجديدة، وهذا يعني أنك قد تخسر أكثر من 70 % من الراتب حق مواصلات وفارق سعر العملة عند عملية التحويل أو شراء عملة صعبة حتى تعود بها إلى المناطق الأخرى"، وتؤكد على ضرورة وجود حل سريع لمشكلة الرواتب، فهي شريان حياة للكثير من الأسر.

تحييد الاقتصاد
تعقدت كافة الحلول الهادفة إلى حل مشكلة رواتب الموظفين المدنيين، التي تم تضمينها ضمن الشق الاقتصادي لاتفاق ستوكهولم من خلال وضع حساب بفرع البنك المركزي بمحافظة الحديدة غربي اليمن، خاص بالموظفين المدنيين بإشراف الأمم المتحدة، توضع فيه إيرادات الضرائب والجمارك الخاصة بالمشتقات النفطية المستوردة عبر ميناء الحديدة وتحديد آليه متوافق عليها لصرف رواتب الموظفين، وفق كشوفات الخدمة المدنية للعام 2014.

في هذا السياق، يشدد الباحث الاقتصادي نبيل الشرعبي، على ضرورة تحييد الاقتصاد اليمني عن الصراع القائم، والمؤسسات الاقتصادية، بما فيها البنك المركزي اليمني، من خلال تشكيل إدارة فنية من خارج طرفي الصراع، تتولى إدارة البنك المركزي، وبدعم ومساندة مجتمعية وضمانات من شركاء حل الأزمة اليمنية، ويضيف أنه في إطار تحييد الاقتصاد اليمني، يتم تشكيل لجنة فنية مشتركة من وزارة المالية والبنك المركزي والوزارات المعنية الأخرى وبعيدًا عن تدخلات طرفي الصراع، لإعادة تقييم الموارد، ووضع الأطر الكاملة الرامية لضمان تدفق عوائد الموارد العامة، وفي مقدمتها الضرائب والجمارك وعوائد النفط والغاز، إلى حساب خاص بالبنك المركزي، لتغطية رواتب موظفي الدولة، ويؤكد الشرعبي على ضرورة تشكيل هيئة مجتمعية محايدة لفرض واقع ما أشار إليه، لمنع أي تدخل من قبل طرفي الصراع في أي أعمال اللجنتين الفنيتين.

وينتظر موظفو الدولة زوال هذه الغمة بفارغ الصبر، على أمل زوالها وصرف رواتبهم في أقرب وقت، بيد أن طرفي النزاع في الوقت الحالي لا يأبهون لمعاناة المواطنين المتضررين من صراعهم ومعاركهم المشتعلة على أكثر من جبهة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى