يا أبناء الجنوب عودوا إلى رشدكم

> أين هو القيادي العاقل؟، الذي لا يجمد نفسه وفكره عند موقف سياسي، ورأي واحد، وحدث مُعَيَّن لا يحيد عنه، اعتقادًا منه أنه على صواب، وما عداه خطأ لا يلتفت إليه أحد!

هذه مقدمة لابد منها قبل الخوض في قضيتنا الجنوبية التي تمر اليوم بمنعطف خطير فرضته الأحداث الأخيرة المؤسفة، المتمثلة في ضرب الجنوبي للجنوبي ... وحدث ذلك في وقت لم تكن الجنوب أشد قوة وتسامحًا، فقد تحدث العالم كله بعدالة قضيتنا وانتصاراتنا، ولكن فجأة ينتقل العالم ليتحدث عن هجمتنا الشرسة ضد بعضنا البعض، وتصرفنا الأرعن في تعاملنا مع الرأي الآخر.

حيث لم نجد تبريرًا مقبولًا لكل أفعالنا، فأخذ إعلامنا يلف ويدور، ولكنه لم يجد مخرجًا، وعجزنا عن أن نقنع الأصدقاء بحججنا الواهية، التي لفظها العالم، ونحن نحاول تمريرها ضد بعضنا بعضا.

إذن نحن خسرنا المعركة الإعلامية، وهذا أول درس لمراجعة تحركاتنا السياسية.. وعلى الجنوبيين أن ينتهزوا الفرصة ليوظفوا كل المستجدات لصالح وحدة الصف الجنوبي، وأن نحسن الإبحار في خضم هذا البحر المتلاطم، من السياسات والإعلام والمصالح الإقليمية والدولية، ينبغي أن نقطع حبل النجاة الذي طالما تعلق به الحوثي وعفاش، المتمثل في الخلاف الجنوبي- الجنوبي، وعلى من يحكم منا الجنوب.

حان الوقت الذي يجتمع فيه الجنوبيون على كلمة سواء، بعيدا عن تبادل الاتهامات، إن القضية الجنوبية أسمى وأرفع وأعظم من أي طرف مهما كانت حججه ومبرراته.

لا يمكن أن يستمر الخلاف مهما حمل من مبررات إلى أجل غير مسمى، وقد ملَّ الناسُ وهم الغالبية العظمى من الشعب، ملّوا الذرائع الواهية، والحجج الممجوجة، التي لا تخدم في النهاية إلا من يريد الاستيلاء على أرضنا، ووطنا وثرواتنا وجزرنا ومنافذنا.

كفانا فرقة أيها الإخوة الجنوبيون المتخاصمون.. عودوا إلى عقولكم وانبذوا خلافاتكم، فالدم لا يمكن أن يصير ماء، ولنا في التاريخ عِبَر، والأخ أخ مهما حصل من شقاق، وضعوا نصب أعينكم تضحيات الآباء والأجداد، ودماء الشهداء التي روت أرض الجنوب، وتنبهوا إلى أن ما يتعرض له الجنوب من هدم وتجويع وحصار، وما يحاك ضد قضيتنا من دسائس، يفرض عليكم أن تجنحوا للسلم، وأن تعودوا إلى رشدكم، فلم يعد هناك متسع من الوقت تضيعونه.

فوّتوا الفرصة على كل من يعلّق على شماعة القضية الجنوبية، وتخاذله في وحدة الصف الجنوبي، الكل يردد: على الجنوبيين أن يطردوا جنوبيي الشرعية، حتى يتفقوا ويتحدوا ويستلمون دولتهم، أزيلوا هذا الهراء، أزيلوا هذه الحجة، فقد مللنا سماع هذه الأسطوانة التي تتردد صباح مساء.

في خضم هذه الحوادث لا نجد أي مبرر لاستمرار الخلاف، ولا نقبل أي ذريعة مهما كانت من أي طرف كان، لم يعد الأمر يحتمل، فقد بلغ السيل الزبى، تعالوا نتفق تحت عنوان الجنوب لكل أبناءه، فالشعب لن يسمح باستمرار هذه اللعب والتقنفاز، الشعب أوعى من أن يدسّ له السم في العسل، أو أن يتلاعب البعض بعواطفه، لقد شبّ عن الطوق، وله من ثقافته وتاريخه ما يؤهله لأن يكون أكثر إدراكًا ووعيًا لما يدور حوله.

أيها الإخوة الجنوبيون
تداركوا الأمر قبل فوات الأوان فتحققوا النصر!

إن مليشيات الحوثي وعفاش اليوم محشورة في الزاوية، الأول يحارب خارج أرض الجنوب، والثاني مرمي على رمال الساحل الغربي، والعالم قد غير نظرته إليهم، فأخذ يرمقهم بغضب واضح. هكذا سقطوا في شر أعمالهم ليحصدوا ذلك ذلًا وخذلانًا، وفقدوا شعبهم وأنصارهم، الذين طالما خدعتهم دعاياتهم المضللة، وبعض القيادات الجنوبية إذا لم يصحوا سيكون مصيرهم مثلهم.

يا أبناء الجنوب في كل أرض الجنوب، عودوا إلى رشدكم وترفعوا عن خلافاتكم وتعانقوا، فلم يعد هناك ما يبرر تدابركم وخصومتكم، هاهم رفاقكم؛ بل وطلائع النضال الجنوبي يناشدونكم أن تعملوا لمستقبل شعبكم، ويستحلفونك ألا تضعوا أي عقبة مهما صَغُرَت في طريق وحدة الصف الجنوبي.

لن نقبل منكم بعد اليوم حججًا أو ذرائع مهما كانت. وكفّوا عن التصريحات العنترية، وانتهوا عن تبادل الاتهامات، فقد مللنا سماعها، ولم تعد تنطلي على عقولنا الواعية، نحن أبناء شعب صقلتنا التجارب والسجون والمحاكم، وعركتنا الحوادث، ولنا من الوعي ما نميز به بين الصح والخطاء، والصدق والكذب، والغث والسمين، والحق والباطل، والأبيض والأسود.

أدعو الله أن يؤلف بين القلوب، ويجمعنا على كلمة سواء، فنصبح بنعمة الله إخوانا.. اللهم آمين.

* وزير العدل السابق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى