قصص التوابين: ذِكْرُ التَّوَّابِينَ مِنْ مُلُوكِ الأُمَمِ الْمَاضِيَةِ

> [تَوْبَةُ طَالُوتَ]

> عن وهب بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لَمَّا قَتَلَ جَالُوتَ وَانْصَرَفَ طالوت ببني إسرئيل مُظَفَّرًا فَزَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ دَاوُدَ وَقَاسَمَهُ نِصْفَ مُلْكِهِ وَاجْتَمَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَقَالُوا: نَخْلَعُ طَالُوتَ وَنَجْعَلُ عَلَيْنَا دَاوُدَ فَإِنَّهُ مِنْ آلِ يَهُوذَا وَهُوَ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ فَلَمَّا أَحَسَّ طَالُوتُ بِذَلِكَ وَخَافَ عَلَى مُلْكِهِ أَرَادَ أَنْ يَغْتَالَ دَاوُدَ فَيْقُتُلَهُ.
فَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُ وُزَرَائِهِ: إِنَّكَ لا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ إِلا أَنْ تُسَاعِدَكَ ابْنَتُكَ فَدَخَلَ طَالُوتُ عَلَى ابْنَتِهِ فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ إِنِّي أُرِيدُ أَمْرًا وَأُحِبُّ أَنْ تُسَاعِدِينِي عَلَيْهِ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ دَاوُدَ فَإِنَّهُ قَدْ فَرَّقَ عَلَيَّ النَّاسَ.

فَقَالَتْ: يَا أَبَتِ إِنَّ دَاوُدَ لَهُ صَوْلَةٌ شَدِيدُ الْغَضَبِ فَلَسْتُ آمَنُ عَلَيْكَ إِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ قَتْلَهُ أَنْ يَظْفَرَ بِكَ فَيْقُتُلَكَ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ لَقِيتَ اللَّهَ قَاتِلا لِنَفْسِكَ مُسْتَحِلًّا لداود! وعجب مِنْكَ وَمِمَّا أَعْرِفُ مِنْ حِلْمِكَ وَسَدَادِ رَأْيِكَ! كَيْفَ أَسْلَمَكَ إِلَى هَذَا الرَّأْيِ الْقَصِيرِ وَهَذِهِ الْحِيلَةِ الضَّعِيفَةِ بِالتَّقَدُّمِ إِلَى دَاوُدَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ أَشَدُّ أَهْلِ الأَرْضِ نَفْسًا وَأَبْسَلُهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ؟!.

فَقَالَ طَالُوتُ: إِنِّي لا أَسْمَعُ قَوْلَ مَفْتُونَةٍ بِزَوْجٍ قَدْ مَنَعَهَا حُبُّهَا إِيَّاهُ أَنْ تَقْبَلَ مِنْ أَبِيهَا وَتُنَاصِحَهُ وَاعْلَمِي أَنِّي لَمْ أَدْعُكِ إِلَى مَا دَعَوْتُكِ إِلَيْهِ إِلا وَقَدْ

وَطَّنْتُ نَفْسِي عَلَى قَطْعِ صِهْرِهِ إِمَّا أَنْ أَقْتُلَكِ وَإِمَّا أَنْ تَقْتُلِيهِ.

قَالَتْ: فَأَمْهِلْنِي حَتَّى إِذَا وَجَدْتُ فُرْصَةً أَعْلَمْتُكَ.

قَالَ: وَأَخْبَرَنَا جويبر عن الضحاك عن ابن عَبَّاسٍ أَنَّهَا انْطَلَقَتْ فَأَخَذَتْ زِقًّا ثُمَّ مَلأَتْهُ خَمْرًا ثُمَّ طَيَّبَتْهُ بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَأَنْوَاعِ الطِّيبِ ثُمَّ أَضْجَعَتِ الزِّقَّ عَلَى سَرِيرِ دَاوُدَ وَلَحَّفَتْهُ بِلِحَافِ دَاوُدَ وَأَفْشَتْ إِلَى دَاوُدَ ذَلِكَ وَأَدْخَلَتْهُ الْمَخْدَعَ وَأَعْلَمَتْ طَالُوتَ وَقَالَتْ: هَلُمَّ إِلَى دَاوُدَ فَاقْتُلْهُ.

فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ وَمَعَهُ السَّيْفُ ثُمَّ قَالَتْ: هُوَ ذَاكَ فَشَأْنُكَ وَشَأْنُهُ فَوَضَعَ السَّيْفَ عَلَى قَلْبِهِ ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَيْهِ حَتَّى أَنْفَذَهُ فَانْتَضَحَ الْخَمْرُ وَنَفَحَ مِنْهُ رِيحُ الْمِسْكِ وَالطِّيبِ.

قَالَ: يَا دَاوُدُ! مَا أَطْيَبَكَ مَيِّتًا وَكُنْتَ وَأَنْتَ حَيٌّ أَطْيَبَ مِنْكَ مَيِّتًا وَكُنْتَ طَاهِرًا نَقِيًّا.

وَنَدِمَ فَبَكَى وَأَخَذَ السَّيْفَ فَأَهْوَى بِهِ إِلَى نَفْسِهِ لِيَقْتُلَهَا فَاحَتَضَنَتْهُ ابْنَتُهُ وقالت: يا أبت مالك؟ قَدْ ظَفَرْتَ بِعَدُوِّكَ وَقَتَلْتَهُ وَأَرَاحَكَ اللَّهُ مِنْهُ وَصَفَا لَكَ الْمُلْكُ قَالَ: يَا بُنَيَّةُ! قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْحَسَدَ وَالْغَيْرَةَ حَمَلانِي عَلَى قَتْلِهِ وَصِرْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا يَرْضَوْنَ بِذَلِكَ فَأَنَا قَاتِلٌ نَفْسِي قَالَتْ: يَا أَبَتِ أَفَكَانَ يَسُرُّكَ أَنْ لَمْ تَكُنْ قَتَلْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَأَخْرَجَتْ دَاوُدَ مِنَ الْبَيْتِ فَقَالَتْ: يَا أَبَتٍ! إِنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ وَهَذَا دَاوُدُ قَالَ: وَنَدِمَ طَالُوتُ.

قال إسحاق: وأخبرنا ابن سمعان عن مكحول قال: زعم أهل الكتاب، أن طالوت طلب التوبة إلى الله - تبارك وتعالى - وجعل يلتمس التنصل من ذنوبه، وأنه أتى عجوزًا من عجائز بني إسرائيل، كانت تحسن لاسم الذي به يدعى الله، فيجيب، فقال لها: إني قد أخطأت خطيئة لا يخبرني عن كفارتها إلا اليسع فهل أنت منطلقة بي إلى قبره فتدعين الله - عز وجل - ليبعثه حتى أسأله عن خطيئتي ما كفارتها؟ قالت: نعم فانطلق بها حتى أتى قبره قال: فصلت ركعتين ثم دعت الله - عز وجل - فخرج إليه إليسع فقال: يا طالوت! ما بلغت خطيئتك أن أخرجتني من مضجعي الذي أنا فيه؟!.

قال: يا نبي الله! ضاق علي أمري فلم يكن لي بد من مسألتك عنه قال: فإن كفارة خطيئتك أن تجاهد بنفسك وأهل بيتك حتى لا يبقى منكم أحد، ثم رجع إليسع إلى مضجعه، وفعل ذلك طالوت حتى قتل هو وأهل بيته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى