مُضطرون للصراخ

> حال الناس في جنوبنا بلغ حدّ الانفجار الجنوني، نعم فالوضع لم يعد يُحتمل مطلقاً، والسلطة سادرة في غيّها، وأدواتها ومفاعيلها هم السبب الرئيسي في كل ما يلم بالبلاد، وهذا يبعث على الجنون، فإلى ماذا ترمي السلطة من وراء كل هذا؟ أو لماذا تصمت عليه؟ أو من يوعزُ لها بذلك؟ أو.. أو..، كل هذا عندها، لكن الأغرب في قيادتنا بالانتقالي، وهي التي فوّضناها أمرنا، وأين هي من كل ذلك؟ ولماذا لم تصرخ في وجه السلطة وتبدي موقفاً حازماً؟ أو تثير الزوابع العاصفة في أروقة التّحالف (السعودية تحديداً)؟ أو على الأقل تعود أدراجها إلى الداخل لتشاركنا ما يطحننا، أو لنواجهه ونتصدّى له معاً.

يا قيادتنا في الانتقالي، نحن نحبكم حقاً، ونؤطر صورتكم في بروازٍ أنيقٍ مُذهّب، وهو ينتصب أمام عيوننا دائماً، فلا تشرخوا هذه الصورة بصمتكم هذا، ولا يبعدكم سبب عن جغرافيتنا التي تتلظّى في أتون الجحيم، وأنتم باقون في قصور الإمارات وفللها المرفهة، حيث المكيفات تصخبُ على مدار الساعة، وصنابير المياه لا تعرف الانقطاعات، فهذا غير وجيه مطلقاً.

تقولون لنا اصبروا وصابروا، ونحن نكتوي بقيضِ الجنوب وجحيم حرارته، والكهرباء تعمل لساعتين فقط وتنطفئ عشراً وهذا حقيقي، والمياه تصلنا نصف يومٍ ولا نراها لثمانية أيام تباعاً، وتخيّلوا عيشنا في وضعٍ كهذا، أمّا الغلاء يطحننا بصورة لم نعهدها مطلقاً طوال حياتنا، ولأننا في رمضان فتخيّلوا كيلو (العتَر) كان بثمانمائة ريال العام المنصرم، واليوم هو بألفين ريال! تصوّروا، وقيسوا على ذلك بقية السلع، ثم نحن بدون مرتّبات، حتى هذه المرتبات إن جاءت فهي كعدمها أصلاً بسبب الغلاء.

سأقول لكم: آباؤنا وإخوتنا العسكريون الجنوبيون، وأيضاً أسر الشهداء، كل هؤلاء بلا مرتبات لأشهر، وتخيّلوا كيف يعيلون أسرهم، وأحد العسكريين الكبار أخبرني بوجه كسير محطم قائلاً: قيادتنا، أو من فوّضناهم لقيادتنا في الإمارات وأسرهم فهم مُرَفّهون أقصى حدود الرّفاه، ونحن والموظفون بعد اليوم لن نتَحرّج أبداً، فسوف نأخذ عمائمنا ونفرشها على أبواب المساجد نستجدي لنطعم أولادنا، كانت دمعة كبيرة تتكوّرُ بين عينيه وهو يحدثني بهذا.

في تسجيلٍ صوتي لرجلٍ بعثه لي صديق حميم، وهو شخصية مجتمعية بارزة في البلاد، وعنوان التسجيل وموضوعه (با أبيع)، أي سيبيعُ الجنوب والقضية الجنوبية بعد أن وصل الحال إلى هذا المآل المأساوي الأسود، وقيادتنا تعيش في فِلل الإمارات وقصورها المرفهة، والتسجيل أسمعته وأرسلته لواحدٍ وثانٍ وآخر، وكلهم من شريحة المثقفين والوطنيين الجنوبيين، واللافت أنهم أجمعوا على أن الرجل مصيبٌ فعلاً، إذ ما جدوى أن يحدث كل هذا الطحن والعبث والإفقار في جنوبنا، ولا بارقة أمل في تعديله أو اجتثاثه، وهي رؤىً جد خطيرة ولا شك على مسار جنوبنا وقضيته وتطلعاته.

عندما يصل الحال إلى هذا المستوى في جغرافيتنا الجنوبية، فهو كارثي بالمعنى الحرفي للكلمة، ولا أعتقد أنه لم يخطر هذا على بالكم، والناس هنا مطحونة مفرومة في مفرمة جهنمية حقاً، وفي كل المجالات والصعد، وتحرككم بشكلٍ جدي وصارم يتجاوز رؤى وتطلعات التحالف، أو المهيمنين على القرار هو أمر ضروري وحتمي، وعداهُ لا يشير إلا إلى أنكم مجرد بيدقٍ من بيادق اللعبة ليس إلا، لأن ما يدور في الجنوب اليوم لا يحتمله بشر أصلاً، أليس كذلك؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى