كلمات في رمضان.. كن وقورا

> مما لا شك فيه أن النفوس تميل إلى من يتصف بمكارم الأخلاق وجميل الصفات، التي منها، بل من أهمها وأجملها، الوقار الذي هو في حقيقته السُّكون والحِلْم والرَّزانة، قال تبارك وتعالى: ((وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا)) [الفرقان: 63].
في هذه الآية الكريمة يصف الله عباده المكرمين، وأولياءه الصَّالحين، فكانت أوَّل صفة امتدحهم بها الله تبارك وتعالى هي صفة الوَقَار، "والمعنى: أنَّهم يمشون بسكينة ووقار وتواضع، لا يضربون بأقدامهم، ولا يَخَفْقِون بنعالهم أشَرًا وبطَرًا"، (الكشاف للزمخشري).

قال ابن كثير في تفسيره : هذه صفات عباد الله المؤمنين ((الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا)) [الفرقان: 63] أي: بسكينة ووقار من غير جبريَّة ولا استكبار، كما قال: ((وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً)) [الإسراء: 37] فأمَّا هؤلاء فإنَّهم يمشون من غير استكبار ولا مَرَح، ولا أشَرٍ ولا بَطَرٍ، وليس المراد أنَّهم يمشون كالمرْضَى مِن التَّصانع تصنُّعًا ورياءً، فقد كان سيِّد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنَّما ينحطُّ من صَبَب، وكأنَّما الأرض تُطوى له.

وقد كره بعض السَّلف المشي بتضعُّف وتصنُّع، حتى رُوي عن عمر أنَّه رأى شابًّا يمشي رويدًا، فقال: ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين! فعلاه بالدِّرَّة، وأمره أن يمشي بقوَّة. وإنَّما المراد بالهَوْن -هاهنا- السَّكينة والوَقَار.
وقال الله تبارك وتعالى: ((وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ))، [لقمان: 19].

هذه إحدى وصايا لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه، وفيها أمرٌ بالسَّكينة والوَقَار حال مَشْيه بين النَّاس، قال البغوي: "أي: ليكن مَشْيك قصدًا لا تخيُّلًا ولا إسراعًا. وقال عطاء: امش بالوَقَار والسَّكينة، كقوله: ((يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا)) [الفرقان: 63])، (تفسير البغوي).
وقال الخازن: "أي: ليكن في مِشْيتك قصدٌ بين الإسراع والتَّأنِّي، أمَّا الإسراع فهو من الخُيَلاء، وأمَّا التَّأنِّي فهو أن يُرَى في نفسه الضَّعف تزهُّدًا، وكلا الطَّرفين مذمومٌ، بل ليكن مَشيك بين السَّكينة والوَقَار".

وقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يتصف بالوقار، وكان نموذجًا يقتدى به، ففي وصف أمِّ معبد للنَّبي صلى الله عليه وسلم قالت: "إن صَمَت فعليه الوَقَار، وإن تكلَّم سَمَاه وعلاه البهاء، أجمل النَّاس وأبْهَاه من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حُلْو المنْطِق، فصلًا لا نَزْر ولا هَذَر-أي لا قليل ولا كثير- كأن مَنْطِقه خرزات نظمٍ يتحدَّرن...".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعًا قطُّ ضاحكًا، حتى تُرى منه لهواته، وإنَّما كان يتبسَّم".(البخاري ومسلم).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى