​شيخ الصحافيين محمد عبدالله مخشف.. وداعا

> ترجل شيخ الصحافيين، الأستاذ محمد عبدالله مخشف على مهل، ودون سابق إنذار، بعد اعتراك في الحياة و حياة في اعتراك؛ ليكون بحق شاهد صدق على فترتين من الزمن في هذه المدينة المثيرة عدن، زمن الصحافة الليبرالية على عهد الإدارة البريطانية، ثم عهد الإعلام المركزي الموجه لدولة الاستقلال بعد نوفمبر ١٩٦٧م.
الإثارة هنا أن تكون مخضرما بالشهادة على زمنين، يضاف إليهما زمن ما بعد الوحدة في ١٩٩٠م.

 في ذروة شبابه، تمتع ابن المخشف بحس ملاحقة الأحداث في ستينيات الجمر في عدن والجنوب، من خلاله عمله في رائدة الصحف العدنية "فتاة الجزيرة" للأستاذ الرائد محمد علي لقمان، بدءا من منتصف ذلك العقد.
 و رافق الصحافي الأستاذ محمد ناصر محمد في المشوار الطويل في بلاط صاحبة الجلالة.

  والأهم أن ابن عدن، المخشف، تشبع بعبق الحبر والورق وتصلب عوده في الرائدة  الأخرى "الأيام" على عهد الباشراحيل، المؤسس الأستاذ محمد علي، على خبايا الإتيان بما لم يأت به الأولون، في الخبر الصحفي، وامتلاك زمام المبادرة في شارع الصحافة العدنية.
لا شك أن عمق التأثير النفسي والفكري والإبداعي يبدأ من هذه "الدار"، التي احتضنت فطاحل العمل الصحفي، إلى جانب صاحبها الباشراحيل المتألق، مثل أحمد شريف الرفاعي، ومحمد حامد العولقي، والقرشي عبدالرحيم سلام، و إبراهيم الكاف، ومحسن بريك، وآخرين.

  يتمتع المخشف الكبير بصدق الانتماء للعمل الإعلامي، والإخلاص له، بدراية النابه العارف بالممكنات والمحذورات، في ظل أوضاع متقلبة، يختبئ في تفاصيلها الشيطان.
 فهو المنتمي إلى ليبرالية الصحافة، لكنه يستطيع أن يواكب عهدا آخر بعد الاستقلال، بالاعتماد على المهنية العالية التي يتمتع بها في مجال عمله، دون اضطرار لالتزام أيديولوجي تعتمده آلية الحكم القائم.

  عمل محمد مخشف أيضا في الإذاعة، وعاصر طيف الساسة في صنعاء وعدن، وتختزن ذاكرته خبايا سردية مثيرة عن مشاهير ذلك الزمان، ممن عرفهم أو زاملهم كالأستاذ محمد علي باشراحيل، وعمر الجاوي، و محمد ناصر أحمد، وأحمد شريف الرفاعي، والفنان الكبير محمد مرشد ناجي،  مجايله الموسيقار أحمد قاسم، وعبدالله عبدالمجيد الأصنج، و سعيد الجريك، وصالح الدحان، وعبدالفتاح إسماعيل، والخامري، غير كتيبة مماثلة من صنعاء.

ناهيك عن تتبعه وارتباطه بالصحافة العربية من مواقعه التي تبوأها في عالم الصحافة والإعلام محررا و كاتبا أو في أثناء عمله في وكالة أنباء عدن، وهو أحد مؤسسيها الكبار، أو من خلال عمله الطويل في أكبر وكالات الأنباء وكالة "رويترز".
  في حياتنا سنجد المخشف حاضرا دائما؛ فهو كالصندوق الأسود الذي يكشف حقيقة ما كان، و كيف كان، و أين كان! في سفر العمل الوطني والصحافة والإعلام والفن والأدب والثقافة؛ لنظفر بقراءة واعية وواقعية وصادقة، بعيدا عن تزوير التاريخ الذي عانيناه في ظل الدولة الوطنية في الشمال والجنوب.

هذا الرجل الكبير، وهو يرحل عنا فجأة، قد دون لكل حوادثنا ووقائع حياتنا في نصف قرن وأكثر، وهي موسوعة ضخمة من الأخبار والشهادات والتحقيقات والمقابلات، وتأريخ للساسة والأدباء والفنانين والشخصيات المهمة، التي مرت على هذه الأرض، فهل نستطيع أن نخرجها في كتاب للأجيال من بعدنا، ونقدمه هدية منا للمخشف الكبير في مأواه الأخير؟!

 رحل اليوم محمد عبدالله مخشف بصمت، وهو الذي ملأ دنيا الصحافة والإعلام ضجيجا رائعا وإبداعا ممتعا ومواقف متقدمة ملتزمة.
 فله الرحمة ولنا الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
  ٢٠٢١/٥/٣

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى