صحابة رسول الله.. حسّان بن ثابت "شاعر رسول الله»

>
لقد تباين موقف الإسلام من الشعر والشعراء؛ فكان موقف الإسلام من شعراء الكفر الذين بذلوا جهدهم في الهجوم على الإسلام، وهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيذاء أصحابه رضي الله عنهم، أن وصفهم القرآن الكريم بالضلال، بالإضافة إلى أنّ موقف القرآن الكريم من الشعر، كان تأكيداً على أنّ ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له أيّ صلةٍ بالشعر، وإنّما هو كلام ربّ العالمين، ومعجزةٌ تحدّى الله تعالى بها شعراء العرب وفصحاءهم أن يأتوا بمثلها، فعجزوا، وقد نفى الله تعالى الشعريّة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ((وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ))، وقد كره النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- شعراء الكفر ونفر منهم، بينما شعراء المسلمين دافعوا عن النبي وعن الإسلام بالشعر.

حسّان بن ثابت
هو حسّان بن ثابت بن المُنذر بن حرام الخزرجيّ، وهو شاعر الرسول عليه السلام، كنيته أبو الوليد من قبيلة الخزرج التي هاجرت من اليمن إلى الحجاز واستقرت في المدينة المنوّرة مع سكانها؛ أمّه هي الفزيعة بنت خنيس بن لوزان، ولد حسان في المدينة قبل مولد الرسول عليه السلام، وعاصر الجاهلية ستين سنة، والإسلام ستين سنة أخرى، وقد نشأ وشبّ في بيت جاهٍ وشرف.

تميّز حسان شاعر الرسول في العصر الجاهلي، حيث كان لسان قومه في الحروب التي نشبت بين الأوس والخزرج، فمارس الهجاء والفخر في شعر قومه وهم الخزرج، فجعل من شعره المداح له شهرةً وسمعةً في بلاد العرب وبين الملوك؛ فكان في شعره غزل قبل دخوله الإسلام، أمّا عندما دخل الإسلام، فإنّه أصبح يقتبس مُعظم معاني قصائده من الأحاديث النبوية الشريفة، والقرآن الكريم لنُصرة الدين والعقيدة.

عندما بلغ حسان بن ثابت من عمره الستين سمع بالإسلام، فدخل فيه، وراح يردّ هجمات قريش اللسانية ويدافع عن سيدنا محمد عليه السلام وعن الإسلام، ويهجو خصومها، ولم يكن حسان وحده يردُّ غائلة المشركين، بل يقف إلى جانبه أيضًا كثير من الشعراء، إذ كان لا يقوى للقتال في الحرب؛ فاكتفى بقول الشعر ونصر رسول الله بلسانه لا بسيفه، فهو لم يشهد مع رسول الله معركة ولا غزوة.

حاز حسان بن ثابت على مكانةٍ عظيمةٍ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دلّ على ذلك ما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت رضي الله عنه: "أجبْ عني، اللهم أيِّدَه بروحِ القدُسِ"، وعلى الرغم من أنّ حسان بن ثابت لم يقاتل بسيفه في أيٍّ من المعارك والحروب التي خاضها المسلمون مع قريش، إلا أنّه نال منهم وأوجعهم بالهجاء، فقد كان يهجوهم بأفعالهم وتصرّفاتهم، وبالأيام التي هزموا فيها، كما روت أم المؤمنين، عائشة رضي الله عنها، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اهجوا قريشًا فإنَّهُ أشدُّ عليْهم من رَشقٍ بالنَّبلِ"، فأرسل إلى ابن رواحةَ قال: "اهجُهم"، فَهجاهم فلم يُرضِ فأرسل إلى كعب بن مالكٍ، ثمّ أرسل إلى حسان بن ثابت، فلمّا دخل عليه قال حسان: قد آنَ لَكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثمّ أدلع لسانه، فجعل يحرّكه فقال: والذي بعثك بالحقّ، لأفرينّهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعجل، فإنَّ أبا بَكرٍ أعلَمُ قريشٍ بأنسابِها، وإنَّ لي فيهم نسبًا، حتَّى يلخِّصَ لَكَ نسبي"، فأتاه حسان، ثمّ رجع فقال: يا رسول الله، قد لخّص لي نسبكَ والذي بعثك بالحقّ لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشعرة من العجين، وقد قالت أم المؤمنين رضي الله عنها، إنّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هجاهم حسَّانُ فشَفى واشتَفى".

فكان لحسان أشعار في مدح ورثاء رسول الله محمد، وكان له شعر عند فتح مكة، والأشعار التي لاقت قبولا واسعا عند المسلمين كثيرة، ونذكر منها:

نَـبيٌّ أتَـانَـا بَـعْـدَ يَـأسٍ وَفَـتْرَة *** منَ الرسلِ، والأوثانِ في الأرضِ تعبدُ

فَأمْسَى سِرَاجاً مُسْتَنيراً وَهَادِياً*** يَـلُوحُ كـمـا لاحَ الصّقِيـلُ المُهَنَّـدُ

وأنـذرنا نـاراً، وبـشـرَ جـنة *** وعـلمنا الإســـلامَ، فـاللهَ نـحمـدُ

وأنـتَ إلـهَ الخـلقِ ربي وخالـقي *** بذلكَ ما عمرتُ في النـاسِ أشهدُ

تَعاليتَ رَبَّ الناسِ عن قَوْل مَن دَعا *** سِوَاكَ إلهاً، أنْتَ أعْلَى وَأمْجَدُ

لكَ الخلقُ والنعماءُ، والأمرُ كلهُ *** فإيّاكَ نَسْتَهْدي، وإيّاكَ نَعْبُدُ

توفي حسان بن ثابت عن عمر قد تجاوز 120 عامًا في المدينة المنوّرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى