ضمانات العمل في اليمن.. مؤسسات حكومية وخاصة تبتز العاطلين

> تقرير/ جمال سيلان

> خسر العشريني اليمني مصطفى محمد 3 فرص عمل في مؤسسات القطاع الخاص بصنعاء، بعد فشله في إقناع تجار من معارفه بتوقيع ما يعرف في سوق العمل اليمني بـ "الضمانة التجارية"، قائلاً : "5 تجار أعرضوا عن طلبي، وخسرت الوظيفة تلو الأخرى".

ذات المشكلة عانى منها 10 باحثين عن العمل يوثق التحقيق تجاربهم، لكن هذه الحالات تعد عينة من بين 103 من الموظفين في القطاعين العام والخاص شاركوا في استطلاع رأي غير قياسي، كشف أن 70.4 % منهم احتاجوا الضمانة التجارية من أجل نيل وظيفة في القطاع الخاص، بينما أجاب 19.4 % بأنها طلبت منهم للعمل في قطاعات حكومية.

هل الضمانة التجارية قانونية؟
يوجد نوعان من الضمانات التجارية، الأولى للموظفين الإداريين، تتضمّن تعهدات بالتزام الموظف بمهامه التي يحددها صاحب العمل، وفي حال حدوث أي مخالفة من الموظف، فإن الضامن يلتزم بإحضار العامل، والنوع الثاني ضمانة مالية للموظفين ممن لديهم عهد عينية أو مالية، وتنص على التزام الضامن بتسليم ما قد ينجم عن الموظف من إهدار مالي أو عيني لممتلكات الشركة، بحسب ما يوضحه أحمد الطيار مدير إدارة الإعلام في الغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة، مشيراً إلى أن النوع الثاني يتطلب قيام موظف في الشركة أو المؤسسة التي سيعمل بها الباحث عن عمل بالتأكد من وجود محلات تجارية أو شركة أو مؤسسة مملوكة للضامن.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن من يحق له توقيع الضمانة المالية، وفقاً لـ "الطيار"، لا بد أن يكون له نشاط تجاري رسمي، وبموجبه يحصل على سجل تجاري وعضوية الغرفة التجارية، ويلتزم بتجديد السجل التجاري من وزارة الصناعة والتجارة، وكذلك تجديد بطاقة عضوية الغرفة التجارية.

ولا توجد صيغة موحدة للضمانات التجارية، بناءً على مقارنة أجراها معدّ التحقيق لعدة نماذج، إذ تفرض كل مؤسسة صيغة على هواها، وعلى المترشح لنيل الوظيفة أن يوقعها ممن تتوفر فيه الشروط، ثم يختمها من الغرفة التجارية أو المحكمة التجارية، لكن ما مدى قانونية تلك الشروط والإجراءات؟ يجيب د. محمد المحبشي، المستشار القانوني للغرفة التجارية في صنعاء وأستاذ القانون المدني بكلية الشريعة والقانون في جامعة صنعاء، بأنه لا يوجد نص قانوني تقوم عليه الضمانات التجارية المتعلقة بالعمل في القطاع الخاص بحسب قانون العمل رقم 5 الصادر عام 1995، مشيراً إلى أن هذا الشرط يعد عرفاً جرى التعامل به بين أصحاب العمل، ومعتبراً أن النوع الأول الخاص بإحضار الموظف لصاحب العمل، غير منطقي، لأن "الدولة بمؤسساتها تتحمل مسؤولية الفصل بين الأشخاص في النزاعات المختلفة".

ما سبق يؤكده أيضاً علي محسن شذان أستاذ قانون العمل والتأمين الاجتماعي بأكاديمية الشرطة في صنعاء، قائلاً: إن أصحاب العمل اعتبروا الضمانة شرطاً إلزامياً، وبناء عليه يتم حرمان من لا يحصل عليها من العمل، مع أن الضمانة شرط إلزام غير قانوني.

ولم تدرج الضمانة التجارية ضمن الشروط التي يجب أن تتوفر في المتقدمين للوظائف العامة والواردة في المادة 22 من قانون الخدمة المدنية رقم 19 لعام 1991، والذي ينظم العمل في القطاعين الحكومي والمختلط، بينما توضح اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية في مادتها رقم 31 أن "للوحدة الإدارية أن تطلب ضمانات تجارية أو عقارية من المرشحين لشغل الوظائف ذات العهد المالية أو العينية فقط"، وهنا يؤكد عبد الملك الشعباني مدير إدارة التوظيف بوزارة الخدمة المدنية والتأمينات في صنعاء أن اللائحة التنفيذية أجازت للوحدات الإدارية طلب ضمانة تجارية في حال وجود عُهد، وهذه الوظائف لا تشكل سوى نسبة تتراوح بين 4 % و5 % من إجمالي الوظائف في المؤسسات الحكومية، وتندرج تحت مسميات مثل أمين صندوق أو مدير مخازن.

جهات حكومية تخالف القانون
أجرى معدّ التحقيق مسحاً شمل 30 وزارة تابعة لـ "حكومة صنعاء" (تتبع الحوثيين)، ليتبين أن وزارة العدل هي الوحيدة التي تشترط إحضار ضمانة تجارية قبل تعيين جميع موظفيها، سواء كانوا إداريين أو يعملون بوظائف فيها عهد مالية أو عينية، في حين أن بقية الوزارات تربط الضمانة بتعيين الموظفين في الوظائف التي فيها جوانب مالية فقط، مثل أمين صندوق ومدير مخازن ومدير مشتريات ومدير حسابات.

وتشترط 10 مؤسسات حكومية على موظفيها إحضار ضمانات تجارية عند التعيين، وفق ما أكده مديرو الموارد البشرية أو نوابهم في هذه المؤسسات لـ "العربي الجديد"، وهي قطاع المستشفيات الحكومية، ومؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر، والمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون، ووكالة الأنباء اليمنية سبأ، والمؤسسة العامة للكهرباء، والهيئة العامة للزكاة، وشركة النفط، وشركة الغاز، والمؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي، والمؤسسة العامة للاتصالات، وإضافة إلى هذه القطاعات يشترط قطاع البعثات التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ضمانات تجارية لمن يريد الابتعاث للدراسة في الخارج.

وتخالف هذه المؤسسات الحكومية القانون باشتراط الضمانة التجارية أو العقارية لجميع الموظفين، وفق الشعباني، كون المادة 31 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية أتاحت من باب الجواز، وليس الوجوب للوحدات الإدارية أن تشترط توفير الضمانة على الموظفين الذين في يدهم عهد مالية أو عينية فقط.

مشاكل تسوية المنازعات العمالية
من وجهة نظر علي هايل الربيدي مدير شركة ماسترز الخاصة للصحة والسلامة، فإن اشتراط أصحاب العمل في القطاع الخاص وجود ضمانات تجارية للموظفين يعود إلى المشاكل الناجمة عن عدم التزام الموظفين، إذ يترك البعض وظيفته وفي حوزته عهد مالية، والبعض يتسبب في مشاكل جنائية، قائلاً إن 20 % من العاملين كما يعتقد فقط هم الملتزمون بشروط العمل. ويشير إلى أن طول المدة التي تستغرقها لجنة تسوية المنازعات العمالية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، في حال وقع نزاع بين صاحب العمل وأحد العاملين، يدفع أصحاب العمل إلى التمسك بالضمانات التجارية، على اعتبار أنها أقرب وأسرع وسيلة لاستعادة الحقوق صاحب العمل من العامل عبر الضامن.

ويرد الأمين العام لنقابات عمال اليمن علي بامحيسون على ما سبق بأنه لا يوجد شيء اسمه ضمانة تجارية بين العامل وصاحب العمل، فالمفترض أن يخضع العامل لفترة تجريبية ليثبت جدارته، وإن لم يثبت ذلك يتم الاستغناء عنه، كما تنص المادة (28) في قانون العمل رقم 5 لعام 1995 والتي تقضي بأنه "يجوز إخضاع العامل لفترة اختبارية لا تزيد على ستة أشهر، لدى صاحب العمل".

غير أن محمد الكهالي المدير العام لعلاقات العمل بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يصف الضمانة بـ"الشرط التعسفي والتعجيزي"، لأنه في الآونة الأخيرة أصبح التقديم لكل الوظائف على اختلاف مسمياتها مرهوناً بالضمانة التجارية، وهذا يسبب مشاكل لمن يعانون البطالة، خاصة مع عجز كثير منهم عن توفيرها، مؤكداً أن مسؤولية وزارة العمل تنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل استناداً إلى عقد العمل، وتسوية المنازعات بينهم من خلال لجنة تسوية المنازعات العمالية، والتي يخول لها القانون مدة 15 يوماً للحكم ودياً بين العامل وصاحب العمل، ويعتبر هذا الحكم بمثابة حكم للمحكمة الابتدائية، ويحق لأي طرف استئناف الحكم عبر القضاء، مشيراً إلى أن الوزارة لم تتلق أي شكاوى بشأن الضمانات التجارية، إنما يسمع هذه الشكاوى شخصياً من طالبي التوظيف أو من موظفين حصلوا عليها بعد معاناة كبيرة، أو دفعوا مبالغ مالية للحصول عليها.

استغلال وابتزاز الباحثين عن عمل
يتسبب فشل طالبي التوظيف بتأمين ضمانة تجارية في خسارة الوظيفة، الأمر الذي يرفع من معدلات البطالة في اليمن، والتي تفاقمت فعلياً لتصل إلى 32 % عام 2019، وتشير التقديرات إلى أن المعدل ارتفع خلال عام 2020 ليصل إلى 34 %، بحسب صحيفة المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي في عددها (51) الصادر في أغسطس من عام 2020، ومن بين من يعانون البطالة نجيب الحداء الذي لم ينجح في الحصول على وظيفة بسبب شرط الضمانة التجارية، مشيراً إلى تجربته ومحاولة إقناع 15 تاجراً قصدهم للحصول على الضمانة بمنحه إياها، إذ كانت بنود الضمانة التي فرضتها شركة الصرافة التي تقدم للعمل فيها صعبة وتدفعهم للرفض.

ونصّت شروط شركة الصرافة على أن يضمن التاجر ضمانة كاملة الحداء، في كل ما يقع تحت يده من أموال أو ممتلكات تخص الشركة، ويلتزم بتعويضها عن أي ضرر أو خسارة نتيجة سوء تصرفه في الوظيفة التي يعمل بها، كما تنص الضمانة على أن التاجر الضامن يكون مسؤولاً عن الحداء في أن يلتزم بصورة عامة بواجباته الوظيفية بموجب لوائح وأنظمة الشركة، على أن يتم تجديد الضمانة سنوياً.

وتظهر نتائج الاستطلاع أن 61.6 % من رافضي توقيع الضمانات أعادوا الأمر إلى الخوف من دخولهم في مشاكل، وما نسبته 42.4 % بسبب اشتراطات الشركات المعقدة، و43.4 % منهم يرفضون بسبب عدم وجود معرفة مسبقة بين التاجر والموظف.

وفتح شرط الحصول على ضمانة تجارية باب الاستغلال، وفق رصد د. المحبشي، قائلاً: "بعض التجار يطلب من الشاب الذي حصل على فرصة عمل تسديد المبلغ المالي الذي تطلبه الغرفة التجارية سنوياً مقابل أن يكفله"، ويتراوح المبلغ سنوياً بين 24 ألف إلى 100 ألف ريال (ما بين 96 دولاراً أميركياً إلى 400 دولار، وفق سعر الصرف الرسمي في 10 يوني، ومن هؤلاء الثلاثيني خالد علي، والذي التقاه معدّ التحقيق في الغرفة التجارية حين قدومه لتوقيع ضمانة تجارية لصالح شقيقته التي تعمل في مستشفى الثورة العام النموذجي بصنعاء، ويقول خالد إنه طرق باب 5 تجار للحصول على الضمانة، لكن لم يوافق أحد منهم، حتى وصل إلى تاجر وافق على توقيعها مقابل تسديد نصف الاشتراك الذي يترتب على التاجر لتجديد عضويته بالغرفة خلال عام 2021 ويبلغ 24 ألف ريال.

ويتقاضى تجار مبالغ مالية مقابل قبول التوقيع على الضمانة، كما حدث مع أسامة الحسني الذي يروي لـ "العربي الجديد" أنه استمر خلال يناير الماضي في البحث عن ضامن ليستلم وظيفة في مؤسسة للعلاج الطبيعي بصنعاء، ثم اضطر لشراء الضمانة مقابل 20 ألف ريال (80 دولاراً)، بالإضافة إلى دفعه 10 آلاف ريال (40 دولاراً) كجزء من رسوم تجديد عضوية التاجر في الغرفة التجارية.

ويرى 52.6 % من المشاركين في الاستطلاع أن الضمانة تعتبر عائقاً إلى حد كبير أمام المتقدمين للالتحاق بالوظائف الحكومية والخاصة، واعتبر 41.2 % أنها تشكّل عائقاً إلى حد ما، وأجاب 27.5 % من المشاركين بأنهم خسروا وظيفة واحدة بسبب عدم حصولهم على ضمانة تجارية، بينما خسر 15.4 % منهم وظيفتين، وما نسبته 9.9 % خسروا ثلاث وظائف، و6 % خسروا أربع وظائف فأكثر.

الضامن غارم
يصف التاجر إبراهيم المنصوري الضمانة التجارية بأنها "وجع رأس"، إذ كان في الماضي يقبل التوقيع على ضمانة، لمن عرفه ووثق به، لكن بعد أن واجه مشكلة بسبب أحد الأشخاص الذين ضمنهم عام 2017 وتوفي العام الماضي قبل تسوية مشكلة مالية، تورط في تبعاتها، ووصلت القضية إلى المحكمة، وتم إغلاق محلاته، ما دفعه إلى رفض توقيع أي ضمانة لأي شخص، بمن فيهم الأقارب.

وبمجرد توقيع التجار على الضمانة لموظفين في القطاعين الخاص أو العام، وختمها من الغرفة التجارية أو المحكمة التجارية، فإن الموقع يصبح مسؤولاً أمام القانون، وفق المحبشي، والذي تابع موضحاً: "إثبات الضمانة التجارية في شرط العقد بين العامل وصاحب العمل يجعلها ملزمة قانونياً للضامن، وفي حال كانت الضمانة مالية، يصبح الضامن ملزماً قانونياً بالدفع، وإذا كانت الضمانة حضورية، يلتزم الضامن بإحضار الموظف الذي تعهد بإحضاره في حال أخل بشروط عمله"، مؤكداً أن المحكمة التجارية هي الجهة المخولة بالبتّ في هذه القضايا.

وتحال إلى المحكمة التجارية في صنعاء الكثير من القضايا الخاصة بتجار ضمنوا موظفين، ثم واجهتهم مشاكل متنوعة، بحسب سعد الجاحمي رئيس قلم أمناء السر في المحكمة التجارية، مؤكداً أن لا إحصائية تبين عدد هذه القضايا تحديداً لأنها تصنف من ضمن قضايا المديونية، مستدركاً: "المحكمة تستقبل شهرياً بين 5 إلى 6 قضايا خاصة بمشاكل الضمانات التجارية".

"العربي الجديد"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى