عمالة الأطفال.. ظاهرة لم تفعل قوانين تجريمها في اليمن

> تقرير/ فردوس العلمي :

> كان يحمل بيده قطعتين من الحديد يضرب إحداها بالأخرى ليصدُر عنها صوت مزعج يلفت النظر، وبصوت مليء بالحسرة والضياع يصرخ بين الحين والآخر "مخيط جزم.. مخيط شنط".
كان هذا صوت طفل يبلغ 15 عاماً يتنقل بين الحواري، ويقف أمام أبواب العمارات ينادي على من سيخيط جزَمَاً، ومن يناديه يجري سريعاً إليه فيخيط بعض الأحذية قبل أن يغير المنادي رأيه.

حين أبديت الحديث معه، قال مقاطعاً: "أخيط لك جزمة؟"، فقلت: لا. فقط أريد أن أعرف لماذا تعمل في هذه المهنة؟ وأجابني بغضب: لا تعطليني عن شغلي أنتِ لن تصرفي على إخوتي.

كانت تلك الجملة كفيلة بإيقافي عن التقدم صوب الصبي جميل الوجه، أو حتى متابعة الحديث، وعندما رأى حيرتي قال: أنا نازح أيش تريديني أعمل؟ أروح أسرق أو أبيع مخدرات. خليني أطلب الله بالحلال وأخيط جزم. صح ليست مهنتي ولكن فلوسها حلال. فأبكاني حديثه وجعلني أفكر في كثير ممن استولوا على خيرات هذا البلد، وتركوا أطفاله يخيطون الأحذية.

في أحد التقارير صادر من منظمة العمل الدولية، وجمع من عدة منظمات عاملة في مجال الطفولة، تم التأكيد على أن ظاهرة عمالة الأطفال أظهرت تبايناً كبيراً في الأرقام والنسب، حيث تتباين درجة مشاركة الأطفال في العمل تبايناً كبيراً في جميع أنحاء المنطقة العربية، والسودان واليمن (أعلى معدلات عمل للأطفال (19.2 % و34.8 % على التوالي).

وذكر التقرير وجود 264 مليون طفل عامل في العالم، يعمل كثير منهم بدوام كامل وفي ظروف بائسة وخطيرة غالباً. وأكثر من نصفهم يعملون في بيئات خطرة أو يعانون من الاستعباد وغيره من أشكال العمل الجبري والأنشطة غير المشروعة، بما في ذلك تهريب المخدرات والدعارة، وكذلك التورط في النزاعات المسلحة.
وأوضح التقرير أن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يوجد قرابة 9.2 ملايين طفل عامل (8.4 % من الإجمالي العالمي)، تحاصرهم ظروف الفقر وانتشار البطالة وتدني جودة التعليم، مما أدي إلى تسربهم المبكر من المدرسة، ومعظم هؤلاء الأطفال يعملون في الزراعة، ونحو 57 % منهم في أعمال خطرة.

وفي مسح لعاملة الأطفال نفذه الجهاز المركزي للإحصاء في الجمهورية اليمنية بالتعاون مع البرنامج الدُّوَليّ للقضاء على عمل الأطفال التابع لمنظمة العمل الدولية والصندوق الاجتماعي للتنمية وصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) في العام 2010، للمرّة الأولى كمسح وطني حول عمالة الأطفال صمّم لتوفير مؤشرات حول ثلاثة أوجه أساسية من حياة الأطفال وهي: النشاط الاقتصادي، التعليم، والخدمات المنزلية غير مدفوعة الأجر، غطّى المسح 9.571 أسرة تتضمّن 67.617 فرداً من بينهم 23.535 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً، وأظهر أن من بين مجموعة الأطفال هذه 1.6 مليون طفل أو 21 % منهم عاملون، وأن معدل العمل أعلى عند الأطفال الأكبر سناً مقارنة مع الأصغر سناً، حيث يبلغ معدل الأطفال العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاماً 11 %، يتوزعون بين 12.3 % للفتيات مقارنة بـ 9.8 % للذكور، وترتفع هذه النسبة إلى 28.5 % بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً وإلى 39.1 % لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً، ويبلغ عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً 7.7 ملايين نسمة يشكلون 34.3 % من إجمالي السكان اليمنيين.

ويرى الكثير من المواطنين أن عمالة الأطفال تعد قنابل موقوتة في زمن الحروب، حيث يزيد عدد العاملين من الأطفال بسبب الحروب التي تؤدي إلى نزوحهم من مناطقهم والعيش الكدر والفقر، فيدفعهم ذلك إلى سوق العمل الذي يتم استغلالهم فيه بأبشع الصور.

وفي محاضرة أقيمت تحت رعاية المجلس التنسيقي الأعلى لمنظمات المجتمع المدني بمناسبة تدشين (مبادرة رؤية شبابية)، وافتتح مقرها الجديد في مدينة كريتر الثلاثاء الماضي، شرح المدرب العقيد فارس عبدالجبار حاجب، ضابط في إدارة البحث الجنائي بعدن، ورئيس لجنة العلاقات العامة التابعة لاتحاد نساء اليمن بفرع عدن، شرح مفهوم عاملة الأطفال وملامح وخفايا الظاهرة، وقال إن عمالة الأطفال "كل عمل يضر بصحة الطفل ونموه ورفاهيته ما لم يكن هذا العمل من الأعمال النافعة التي تتناسب هي وعمر الطفل وتساعد على تطوره ونموه الجسدي والعقلي والروحي والاجتماعي والأخلاقي دون أن يؤثر ذلك على دراسته وراحته ومتعته كطفل".

وأوضح أن لعمالة الأطفال جانباً سلبياً وإيجابياً، منوهاً بضرورة التميز بين المفهومين، حيث يعرف العمل الضار السلبي بأنه "أسوأ أعمال الطفولة، ويكمن ضرره وخطورته في نوعية هذه الأعمال التي تشكل خطراً على حياة الطفل وسلامته مثل حمل المواد الثقيلة، أعمال البناء، وورش النجارة والسمكرة والطلاء واللحام دون استخدام وسائل الحماية والوقاية، وفي المناطق الزراعية يتعامل الطفل مع الأسمدة والمبيدات الحشرية والمواد الكيماوية دون استخدام وسائل الوقاية والحماية، وفي المناطق الساحلية يعمل الطفل مع الصيادين في عمق البحر مما يصيبه بالدوار أو الغرق، وبقاء الطفل مع الصيادين لأيام في عرض البحر قد يعرضه للتحرش الجنسي أو الاغتصاب، إضافة إلى أن ساعات عمل الطفل تكون أطول كونه يقع تحت استغلال واستبداد أرباب العمل ".

ويؤكد حاجب أن العمل النافع الإيجابي يكون تحت رعاية وحماية الوالدين والأسرة، وهدفه ليس كسب المال، لكنه يهدف إلى تنمية مهارات وقدرات الطفل الحرفية والمهنية والتجارية، وتهيئته جسدياً وذهنيا ونفسياً للعمل بعد إنهاء دراسته، "نرى ذلك في أعمال الأطفال في فترات الإجازات الصيفية لقضاء وقت الفراغ والتعرف على المهن والحرف، وتعريفهم بسوق العمل".

وذكر حاجب في محاضرته المعنونة بـ "ظاهرة عمالة الأطفال وأثرها في المجتمع"، أن أسباب انتشار هذه الظاهرة عدّة، ومنها الفقر، والمشاكل الاجتماعية والأسرية، وتدني مستوى التعليم وارتفاع تكاليفه، والبطالة وعدم توفر فرص العمل للآباء والكبار، وانتشار الفساد باعتباره السبب الرئيس لسوء استخدام وتوزيع الموارد ويؤدي للفقر، إضافة إلى تدني مستوى الوعي الاجتماعي والأسري وانتشار بعض العادات والتقاليد بعدم أهمية تعليم الفتيات، مما يدفع الأسر إلى إخراجهن من المدارس في سن مبكرة، ودفعهن إلى العمل والخدمة في منازل الوالدين أو منازل آخرين، وكذا بعض المجتمعات في عاداتها وتقاليدها تشجع اتباع الأطفال لخطى آبائهم في عمل حرفي معين أو تجارة أو صناعة معينة، وأكد أن من الأسباب أيضاً عدم إدراك الأطفال أنفسهم خطورة انخراطهم في العمل مبكرًا.

ويوجز حاجب مخاطر عمالة الأطفال بـ "حرمان الطفل من التمتع بطفولته ومن مواصلة دراسته، وتعرضه لظروف عمل صعبة وخطرة وشاقة، وللتحرش الجنسي والاغتصاب من قبل بعض أرباب العمل وزملائه ومن قبل عصابات الشوارع، وتدفع بالطفل إلى الشذوذ الجنسي وتعاطي المنبهات والمنشطات والمخدرات، وامتهان الأعمال غير الأخلاقية كالدعارة وتصوير المواد الإباحية".

وأكد أن أسوأ ما يكون في ظاهرة عمالة الأطفال، أن يتم تكليف أو إجبار الطفل على القيام بأعمال تجعله في حالة تماس مع القانون، كأن يكلف بأعمال السرقة الإجبارية، أو القيام بتوزيع وبيع ونقل المخدرات أو أعمال الدعارة، أو تصوير مواد إباحية تجعل الطفل في مواجهة ومساءلة أمام القانون، مشيراً إلى أن مسألة الوقاية والحماية من عمالة الأطفال ممكنة في تنفيذ الاتفاقيات التي وقعت عليها اليمن والقوانين الصادرة من الدولة.

وقال: "هناك اتفاقيتان (اتفاقية العمل الدولية) رقم (182) الخاصة بالحظر على أسوأ أشكال عمل الأطفال، والاتفاقية رقم (138) الخاصة بالحد الأدنى لسن العمل، وكذا قانون حقوق الطفل رقم (45) لعام 2002م اليمني، وكذا القرار الوزاري رقم (11) لعام 2002م، كل ذلك حدد أسوأ أشكال عمالة الأطفال، وكذا الأعمال المحضورة وفق المواثيق الدولية. لكن كل ما يلزم وما يجب، أن يتم تطبيق هذه الاتفاقيات والمواثيق والقوانين بشكل حيوي وفعال بما يضمن سلامة أطفالنا من هذه الظاهرة التي أصبحت مشكلةً مستفحلةً في ظل الظروف الحالية بسبب الحروب والنزوح".

ولم تغفل المحاضرة عن أهمية دور وسائل الإعلام في الكشف عن مساوئ عمالة الأطفال واستغلال أرباب العمل لجهدهم مقابل مبالغ زهيدة لا تتناسب مع ما يبذلونه من جهد دون حماية ووقاية معرضين للكثير من الأذى، وإيلاء محاربة الظاهرة.
وهنا تم التأكيد على ضرورة تفعيل الدولة للقوانين الخاصة بحماية الأطفال من الاستغلال، وتجريم عمالة الأطفال والتسول، وما إلى ذلك من ظواهر يكون فيها الطفل الضحيةَ والمجرمَ، كمطلب ينادي به المواطن ومنظمات المجتمع المدني والجهات الداعية لرعاية الطفل وحمايته قانونياً وجسدياً ونفسياً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى