الكتابة على زجاج السيارات.. "ألفاظ بذيئة" تعكس مدى توعك المجتمع

> عدن «الأيام» فردوس العلمي:

>
  • ألفاظ بذيئة وعبارات هابطة أخلاقيًا تلوث شوارعنا بصريًا
  • سببها أزمات نفسية وضغوط مجتمعية وهروب من الواقع
مرت قربنا حافلة صغيرة مسرعة تشق الطريق، وتأكل الإسفلت، وكأن سائقها يعاني أمرا جللا، لكن ما يلفت النظر أنه على زجاج هذه الحافلة الخلفي كتبت عبارة "اتهمناهم بالرجولة وطلعوا براءة "، عبارة موجعة جدا، تسقط صفة الرجولة عن كثير ليكونوا مجرد ذكور في نظر كاتبها.
توقف كثير من الرجال أمام هذه العبارة كما توقفت أنت وحدثت نفسك، وأنت تنظر إلى وجه كل رجل يقابلك في الطريق هل كان هو المقصود بتلك العبارة؟ ويراودك الشك لتسأل هل أنا المقصود؟

يفسر طب النفس الكتابة على الجدران أو زجاج السيارات بأنه تنفيس، يلجأ إليه من يعانون من ضغوط نفسية بسبب ظروف الحياة؛ فهذه العبارات تدل على مواقف معينة حدثت، وفي أغلب الأحيان، ربما يعاني كاتبها اضطرابا نفسيا أو مشكلة نفسية، فيهرب من واقعه ومحيطه الذي لا يستطيع أن يتعايش معه إلى الكتابة.

أعطى الله سبحانه وتعالى الإنسان أعظم جهاز للتنفس "الرئتين"، ووهبه رئة ثالثة هي القدرة على الكتابة والرسم، وتعتبر جهاز تنفس ثالث، لكن هناك من لا يجيد استخدامه في التعبير عن المشاعر من غضب، حزن، حرمان، حب، قلق، تسامح وطمأنينة؛ إذ تصبح الكتابة والرسم هوسا يعكس مدى تعرض النفس البشرية للضغوط والمشاكل النفسية والتقلبات.

وكثيرة هي العبارات التي نراها على الجدران أو زجاج السيارات، بعضها تضحكنا وبعضها توجعنا وتحزننا، وفي بعض العبارات ميول دينية روحانية، وبعضها سخرية من الأوضاع، وأخرى تتذمر؛ لتتركنا هذه العبارات في حيرة وتساؤل عن المقصود بها. وهذه ظاهرة لا تقتصر على مدينة عدن فقط، بل تنتشر في كثير من الدول العربية التي لا يجيد حكامها التعامل مع شعوبهم؛ ليعشوا الفقر والجوع، وبعضها يأتي نتاج الحروب أو الخيانة لذا يلجأ بعض إلى الكتابة لتنفيس عن مكنونات نفسه.

ففي عام 1986م ابتكر الطب النفسي الكتابة كعلاج نفسي، فقد توصل عالم النفس الشهير جيمس بيكر، إلى علاج نفسي جديد مبتكر وملهم، بعد أن طلب من مجموعة من الطلاب الكتابة لمدة 15 دقيقة يوميا عن أكبر صدمة أو أصعب وقت مر عليهم، ليكتشف بعد 6 أشهر من الملاحظة أنهم تمتعوا بصحة أفضل، ليبدأ علم النفس في دراسة العلاقة بين ما يعرف بـ«الكتابة التعبيرية أو العلاجية» وعمل الجهاز المناعي، لكشف تأثيرها على حالات مرضية بدنية عديدة مثل انقطاع النفس أثناء النوم، والربو، والصداع النصفي، والتهاب المفاصل الروماتويدي، وفيروس نقص المناعة البشرية، والسرطان.

ودفعتنا تلك الحيرة لطرح عدد من العبارات المكتوبة على زجاج السيارات، خصوصا، على طاولة الاختصاصية النفسية مديرة الحالة لحماية الطفل في اتحاد نساء اليمن/ عدن نسرين صالح الفاطمي، التي عملت على تحليل تلك الجمل من ناحية النفسية.

نسرين الفاطمي
نسرين الفاطمي
تقول نسرين الفاطمي: "إن من يلجأ إلى التعبير عن ما يدور في نفسه بكتابة جُمل، قد تطول وقد تقصر، يعتقد أنها مريحه؛ لأن عقله الباطن يصور له أن من يعنيهم قد تصلهم عباراته. العقل الباطن لا يتدخل في التصرفات إلا في حالات الاضطرابات النفسية، وإن زادت الاضطرابات والضغوط يمكن أن تتطور المسألة إلى مرض نفسي يحتاج لجلسات علاجية".

وتوضح نسرين الفاطمي: "ما يراه نصف مجتمعنا أن هذا العبارات تدل على تفسير معين، ولكن في كل تفسير لعبارة يدخل العامل النفسي المسبب أصلا لكتابة هذه العبارات، فمثلا يفسر البعض عبارة كتبت على الزجاج الخلفي لباص دباب "الله يخليك يا أم عيالي"، الكل فسرها بأن هذا الشخص أخذ ذهب زوجته واشترى الباص، لكن هذه العبارة ربما تدل على حب واحترام واهتمام بها فقط ".

وردا على سؤالي إذا كان هؤلاء يعانون، حسب التحليل النفسي، من اضطرابات، بالمقابل هل من لا يلجؤون إلى كتابة العبارات لا يعانون ضغطا نفسيا؟، قالت: "لا، فهؤلاء قد يكونون من الأشخاص الذين يعرفون كيف يخففوا من ما يعانونه من ضغوط الحياة وصعوبات المعيشة، و يسيطرون على أنفسهم بطريقة لا تجعل الآخرين ينظرون اليهم بنظرة شفقة أوحنان".

وفي التحليل النفسي لبعض العبارات التي طرحنها لتفسيرها شرعت نسرين الفاطمي في القول: "’اليمن بلا بدو مثل العراق بلا صدام‘ كاتب هذه العبارة يتباهى بنسبه وقبيلته، ربما حدث نقاش بينه وبين الآخرين، فقالوا عن البدو كلاما يذمونهم فيه، ورد بعبارات على هذه الشاكلة، لعل من قالها تصله هذه العبارة. ’عاشر من تعاشر كل أبتهم سفل‘ هذه العبارة مؤلمة جدا، وتدل على خيبات أمل متكررة مع البشر ومواقفهم معه، وتدل على الخيانة والغدر الذي عانا منه كاتب العبارة، أما ’مسحت لهم الدمعة ومسحوا لي ضحكتي الله لا سامحهم‘ فهذه العبارة تدل على أن الألم أقوى والوجع لا يحتمل، فمن الصعب أن تمنح شخصا الصدق والوفاء والأمل، ويكون المقابل أن يخفي ضحكتك. كل هذه العبارات قد يكون لها ألف وألف تفسير وتحليل، وفي النهاية يؤكد علم النفس أن هناك اضطرابات نفسية وعدم ثقة مع نفس الكاتب ومع الآخرين.

وعن عبارة "روح الله وكيلك" التي كثيرا ما نجدها مكتوبة على زجاج الباصات، قالت: "هي عبارة قصيرة، لكن وجعها كبير، والتحليل النفسي لها هو نتيجة مشاعر الحب عند عدم اهتمامك بالشخص الذي تحبه، فينتابك شعور أنه لا يبادلك الحب، وأما عبارة "اللهم احميها واحفظ من فيها" فالتحليل النفسي يؤكد أن هذا الشخص ترك حمولته على الله، وهذه العبارة توجد الطمأنينة في نفسه بدعوة يكتبها ويعتقد أنها يمكن أن تحميه مدى الحياة فالله يراها وهو قادر أن يحفظه".

واعتبرت الاختصاصية النفسية أن استخدام الشباب لعبارة "صداقات اليوم ماشي فيها خير صحبة من أجل الزلط"، ناتج عن معاناة مع أشخاص يتعاملون معهم بمصداقية ولهم مواقف رجولية، لكنهم يردونها لهم بخيبات.
وعن سؤالي لها عن التحليل النفسي لعبارة "إذا رأيت كل شي جميل فأعلم انك سكران" ، قالت إن كاتب هذه العبارة يعاني بسبب أزمة البلاد وأوضاعها من الغلاء وانعدام الخدمات، أما من يكتب "يا رب زوجني" فهو شخص يعاني نقصا في الثقة بنفسه، حسب تحليل نسرين الفاطمي.

الفضول كان دافعي لسؤالي لها بإلحاح لتوضح المغزى أو البعد النفسي لعبارة "اتهمناهم بالرجولة طلعوا براءة"، فأجابتني بأن قالت: "المقصود منها إظهار خيبات أمل متراكمة، كالركون على أحدهم في أمر ما، ويتضح بعد ذلك أنه ليس أهلا للمسؤولية". أما عن "اصرف عليها بنزين وانبسط ولا اصرف عليها مكياج وانجلط" فأشارت إلى أنها توضح الحالة التي وصل لها هذا الشخص بأن فقد الثقة بأخلاق إحداهن، لهذا لجأ لكتابة هذه الكلمات، بينما كتابة "إذا سألوك عن الرجولة قل لهم صدام مات" تشير إلى فقدان الكاتب الثقة بالرجال عموما وفي الحاكم.

وتنصح الاختصاصية النفسية نسرين الفاطمي كل من يتعرض لضغوط نفسية بأن "مصالحة النفس هي أساس الثقة، وعدم التوازن بردات الأفعال تؤدي إلى نتيجة سلبية تنعكس عليك وعلى تعاملك مع الآخرين".

ويجمع كثير من المواطنين على تلك العبارات المكتوبة على زجاج الحافلات هي مجرد تقليد بعض، فربما أول من بدأ بها إنسان ضعيف الشخصية لا يقوى على الموجهة، ولجأ إلى استخدم هذا النوع من التعبير ليوصل رسالة ما لشخص ما؛ ليتم يقلده البقية إذ إن ظاهرة التقليد لدينا عمياء لا تعرف التفريق بين الصواب والخطأ.

ويستنكر بعض هذا العبارات واصحباها موضحين أنها أدت إلى تشويه مظهر السيارات: "هؤلاء لا يدركون أن هذا الخربشات على زجاج سيارة قد تحجب الرؤية الخلفية، ويشوش عليها فهذا زجاج وليس ورقة أو سبورة ليكتب عليها عبارات وأشعار".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى