رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة

> أخيراً وبعد ستين عاماً (تقريباً) في رحلة ماراثونية، وصل سعر صرف الدولار إلى ألف ريال بالتمام والكمال.
ويمكن القول، إن سعر صرف الريال قد تراجع سنوياً حوالي بـ (17) ريال مقابل الدولار في خلال ستين عاماً تقريباً.

هذه الرحلة ليست مجرد عملية حسابية، لكنها تعكس بشكل مادي ملموس قصة بلد بكل تفاصيلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن تدهور عملة البلد بهذا الشكل تعبر عن فشل سياسي واقتصادي عميق للبلد عموماً، فالأحداث التي مرت بها البلاد كانت المعول الذي دك آمال الناس في حياة مزدهرة.

فقد شهدت البلاد الكثير من الحروب والانقلابات العسكرية والثورات والانتفاضات، وكان الهدف -كما يعلن- تحسين مستوى حياة الناس والتنمية والاستثمار وغيرها من الشعارات البراقة التي تبخرت في أجواء البلد الملبدة بالغيوم، لتنتج تراكماً متزايداً للفقر والجهل والمرض والمخافة في تزاحم عجيب، لنعود إلى أسوأ من نقطة الصفر في سبتمبر عام 1962م.

كل الدول والأمم حققت في ستين عاماً نجاحات عظيمة، وقفزت في مراحل إلى مصاف التقدم والرفاهية، ونحن على العكس من ذلك تماماً.

تأثر سعر صرف الدولار مقابل الريال بعوامل مختلفة حتى وصل إلى ألف ريال، ومنها أيضاً الفشل في السياسة الاقتصادية، والتي لم تضع رؤية واضحة لتنمية عادلة ومستدامة تقوم على الاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية، وترافق مع غياب القرار السياسي الرشيد وغياب دولة المؤسسات والحكم الرشيد والادارة الكفؤة، وكان التأثير السياسي واضحاً في ذلك الفشل.

كان بإمكان الريال أن يكون في وضع أفضل لو تم استغلال الفرص الاقتصادية المهدورة، فقد تم اكتشاف النفط والغاز وتدفقت تحويلات المغتربين والمساعدات والمعونات والقروض وغيرها من موارد النقد الأجنبي التي كان بإمكانها دعم موقف الريال في عراكه الضعيف مع الدولار خلال ستين عاماً، لكنه هزم في سباق غير متكافئ مع الدولار على مرأى ومسمع ثلاثين مليون مشاهد دون أي إجراءات لدعم موقف الريال المغلوب على أمره.

لو تم احتساب آثار تدهور سعر صرف الريال مقابل الدولار لأحدث صدمة قوية لذوي الألباب، ولأن البلد يعتمد على الخارج في تأمين حياته، فيمكن القول (جزافاً)، إن مستوى حياة الناس تراجع حوالي ألف خطوة إلى الوراء بسبب تراجع القوة الشرائية للدخول مقابل قيم الواردات، لأن الواردات تقيم بالدولار دوماً.
دعونا نعمل حسبة بسيطة لتدهور سعر صرف الريال منذ أن كان 215 ريال مقابل الدولار، حيث ظلت الأجور كما هي تقريباً.

تراجع سعر صرف الريال بحوالي 785 ريالاً لكل دولار، أي تراجعت القدرة الشرائية للدخول بحوالي أربعة أضعاف بين سعري الصرف المحتسبة للريال من 215 ريالاً إلى 1000 ريال لكل دولار. فإذا كان راتب الموظف 200000 ريال، فإن دخله بالدولار عند سعر صرف 215 ريالاً مقابل الدولار يساوي 930 دولاراً، وعند بلوغ سعر الصرف 1000 ريال للدولار، فإن راتب الموظف قد تراجع إلى 200 دولار فقط.

إن تلك الصورة المؤثرة لتراجع دخل الفرد تنعكس بشكل حزين على مستوى معيشته وفقره الشديد إلى تأمين حياة الأسرة سواء في تأمين الغذاء أو الملبس أو المسكن أو العلاج، ناهيك عن دفع مصاريف التعليم والترفيه، وغيرها من متطلبات الحياة المعاصرة.
من يحدد إلى أين سيصل الريال في تدحرجه الشديد والمتتالي أمام الدولار؟ لا نستطيع معرفة ذلك في الأمد المنظور.

سيظل سعر الصرف يتراجع، ومستوى حياتنا يتدهور، والمجاعة تظم أعداداً جديدة من الضحايا، ولا حياة لمن تنادي.
وبدون وقف الحرب وإحلال السلام وحل المشاكل المتراكمة، وفي المقدمة المشاكل الاقتصادية، سنشاهد الريال وهو يسحبنا إلى مزالق الفقر والجوع والفاقة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى