الدين العام اليمني.. سحق لمقومات وقوت الشعب

> كنا قد كتبنا في أكثر من مناسبة عن الدين العام اليمني المفرط (الدين الحكومي)، تعريفه، مسبباته، أغراضه، تطبيقاته، حجمه، تأثيراته السلبية على الاقتصاد الوطني عامة، والقطاع المصرفي اليمني خاصة... وكونه قنبلة زمنية قد تؤدي فعليا إلى انهيار اقتصادي ومالي محتوم غير قابل للإصلاح و/ أو الاستدامة.

- الدين العام من الناحية الاقتصادية يذهب بالدرجة الأولى لسد عجز المالية العامة في برنامج الموازنة؛ لتمويل مشاريع استثمارية ورأس مالية تمهد، وتؤسس، وتوسع المجالات والقطاعات الاقتصادية الجديدة والقائمة، إذ تدفع عموما للنمو الاقتصادي، وتنعكس إيجابا على مستوى معيشة ودخل المواطن، التي أيضا، ومن خلاله تزداد وتكبر قنوات الدولة الإيرادية، وتمكنها من الدفع، والوفاء بالتزاماتها التنموية والاقتصادية والمالية، وفيه استحقاقات ذات الدين العام.

- وينقسم الدين الحكومي اليمني إلى نوعين: الأول ويطلق عليه الدين العام الخارجي ويكون بغير العملة الوطنية، أي عملات صعبة بحجم يقارب 7- 8 مليارات دولار أمريكي (دون الودائع والهبات منذ 2015م) .
- أما الثاني، وهو جل موضوعنا، فيسمى الدين العام الداخلي ويكون بالريال اليمني، ويقدر القائم حاليا بنحو 7 تريليونات ريال يمني، أي نحو 7 مليارات دولار أمريكي (بسعر صرف 1000ريال = 1$).

- وتم تمويل ما يقارب الـ70 % من هذا الدين العام المحلي، أي ما يقارب 5 تريليون ريال، من القطاع المصرفي (تعتبر جزء من الأصول) التي أتت من خلال ودائع ومدخرات عملاء ومودعي هذا القطاع.
- ومادام الحديث عن مصطلح "الدين" فلابد من ملازمة وارتباط مصطلح "الفائدة" وهي التكلفة/ السعر الذي يتوجب دفعه "للمقرض" مقابل اقتراض الدولة لسلعة المال (النقود).

- ولكن يبدو أن أصحاب الحل والقرار الاقتصادي والمالي في الدولة جميهم منشغلون بموضوع "سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي"، وإن كان هذا بالفعل مهما ومصيريا في ضوء استمرار وتيرة وزخم الانزلاق، لكن هؤلاء المشرعين يبقون غير مدركين لخطورة تداعيات ونتائج الدين العام اليمني على الوضع الاقتصادي عامة ومستوى معيشة المواطن خاصة (حاضرا ومستقبلا)، بناء على حجمه الراهن الذي اقترب قليلا من 100 % كنسبة للناتج المحلي الإجمالي - GDP (حجم الاقتصاد). وكونه بهذا المقدار المفزع، فيعتبر لا محالة "أحد" المسببات الرئيسة وراء تدهور سعر الصرف/ القوة الشرائية للعملة الوطنية والضغط في هذا الاتجاه.

- ومن ناحية أخرى، تعتبر الفائدة (سعر الدين) إحدى آليات السياسات المالية والنقدية التقليدية للسلطات المختصة: "ترفعها" عند ظهور مؤشرات تضخمية لإبطاء ولجم فورات، ظفرات، فقاعات اقتصادية، و"تخفضها" عند الانكماش والركود لعكسه وتحفيز الدورة الاقتصادية.

- ومنذ أواخر التسعينات من القرن الماضي استهلت الحكومات اليمنية المتعاقبة، بناء على مشورة صندوق النقد الدولي، في تطبيق برامج "الإصلاح الاقتصادي والإداري" التي بواسطتها لجأت "بشراهة " مالية غير مسبوقة في عمليات اقتراض "مفرطة" للمال لتمويل "عجز المالية العامة" (لم تتخارج منها البتة) عبر إصدارها "لأذون الخزانة العامة" بأسعار "فائدة" مكلفة (من خانتين). لكن لم يتم في أغلب الحالات استخدام هذه الأموال المقترضة على الوجه والأهداف الاقتصادية الصحيحة والمثلى (كما ذكر أعلاه) في مشاريع تنموية، استثمارية، إنتاجية للاقتصاد الكلي، بل ذهبت في معظمها مع الريح والمطر.

- وبناء على تقارير مالية إقليمية، فأن نسبة الفائدة الحالية المطبقة والبالغة 27 % سنويا، على أدوات الدين الحكومي اليمني (أذون الخزانة السيادية) تعتبر واحد من الأعلى على مستوى العالم. لا يتفوق على هذه النسبة سوى 3 دول، هي: فنزويلا (57.8%) زيمبابوي (40%) والأرجنتين (38). وبرغم كون هذه الدول بهذا الوضع الاقتصادي المتردي إلا أنها تتفوق على اليمن بامتلاكها وحيازتها على موارد اقتصادية ضخمة وهائلة ستمكنها عاجلا أم آجلا، عند اختفاء أسبابها الحالية، من تصويب وتصحيح أوضاعها لا محالة، والخروج من حالتها الراهنة المتعثرة.

- وللقارئ الكريم أن يدرك حجم الأعباء المالية، ليس في خدمة هذا الدين العام المحلي إجمالا (خدمة = دفع الأصل مع الفوائد) بل في دفع الفوائد فقط (27 %) على مبلغ الدين العام اليمني المحلي القائم (7 تريليون ريال يمني) مبلغ "خرافي" سيضع الدولة أمام سيناريوهات لا تحمد عقباها. حجم فوائد "سيلتهم" نحو 70- 75 % من إيرادات الدولة بناء على آخر ميزانية قدمت من حكومة طيب الذكر معالي دولة رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة في سبتمبر 2014م.

- إذ أثبتت أداة السياسة النقدية التقليدية المتمثلة في أسعار فائدة مكلفة وعالية (27% سنويا)، بما لا يدعوا للشك، فشلها وإخفاقها بجدارة.

- وإن استمر هذا الوضع كما هو عليه، فعندها، لن يكون أمام الحكومة غير خيارين اثنين، وهما في غاية الخطورة، الأول رفع يدها والتوقف عن دفع الفوائد لحاملي أذون خزاناتها ربما تكون نتيجته خلق وضع يسمى "جري - Run" إلى/ على البنوك من المودعين والمدخرين لسحب أموالهم وودائعهم واستثمارها في أدوات أخرى كالعقار، أو الذهب أو العملة أو إيداعها مجددا لدى قنوات "الاقتصاد الأسود الخفي" وما ذلك من ضعف تدريجي للدولة في الأمور المالية والاقتصادية.

- الخيار الثاني للحكومة هو قيامها "بطبع" مزيد من النقود للوفاء ودفع مستحقات "الفوائد" (لاحظوا نحن نتكلم عن الفوائد لا عن أصول الأذون ) مما سيؤدي إلى صب "الزيت على النار" متمثلا في دورة تضخم/ فقاعة أسعار، سيكون ضررها الأكبر متمركز في عدة قنوات تصل تداعيات مضارباتها إلى سعر صرف الريال.

- وبناء على هذا التصور، فإن على أصحاب القرار الاقتصادي والمالي أن يجتهدوا فورا على تقليص حجم الدين المحلي وذلك بوضع تصورات عملية وفعالة (عمليات السوق المفتوح) يمكن استخدامها وتطبيقها حتى لو لزم الأمر الاستعانة بإمكانيات الدوائر الاقتصادية والمالية في دول التحالف (السعودية والإمارات) والخروج السريع والآمن من هذه المعضلة الكبرى التي بدأت "تفور" من خلال إحجام البنوك عن تلبية طلبات عملائها بسحب مبالغ من حساباتهم، بل حتى عدم دفعهم للفائدة "المستحقة كاملة".

- ونكرر ونعيد أن البدء في تخفيض نسب الفائدة إلى مستويات منطقية تعكس الواقع والمقدرة الاقتصادية والمالية للدولة الراهنة والمستقبلية (ما بعد مرحلة الحرب).
- إن توقف الحرب، بإذن الله، لا يعني انتهاء المشاكل الاقتصادية والمالية والنهوض التلقائي، بل إن التبعات ربما ستكون أكثر صعوبة وإلحاحا. العلم عند الله.

- دين عام ضخم وعقيم معناه حرمان الوطن من بنية تحتية وإنمائية أي من قواعد اقتصادية منتجة للأجيال القادمة. كما يعني حرمان المواطن من الصحة والتعليم والثقافة والعيش الكريم... وهو مستقبلا يعني تحديدا خطف لقمة الخبز (ولا نقول التفاح أو البرتقال) من أفواه أبناء وأحفاد المواطن الحي الصابر الراضي بقدره.
- أما ما يخص الدين العام الخارجي، البالغ نحو 7 مليارات دولار أمريكي (كما في نهاية 2014م) فلكم (دون الخوض في التفاصيل) في السودان الشقيق عبرة في ذلك. فهل تعتبروا؟. تعلموا... وبادروا!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى