هل يصبح سيف الإسلام القذافي "أمل ليبيا الموحدة"؟

> نشرت مجلة "نيويورك تايمز" الأميركية تقريرًا مطولًا الجمعة، وبثت أيضًا ترجمته باللغة العربية على موقعها على الإنترنت، يستند إلى ما تقول إنه أول لقاء صحافي مع سيف الإسلام القذافي، يلمح فيه إلى عودته للسياسة، وتطلعه للترشح للرئاسة في الانتخابات التي تقتضي ترتيبات الأمم المتحدة إجراؤها في شهر ديسمبر المقبل.

على طريقة المجلة في نشر الموضوعات المطولة التي يأخذ تحقيقها فترة طويلة، كتب التقرير أحد مراسليها المخضرمين الذين غطوا الاحتجاجات في بعض الدول العربية في عام 2011. وهو عبارة عن تحقيق صحافي مطول، ممزوج بالرأي والاستنتاج أحيانًا للوضع في ليبيا، يضع سياقًا لمقابلة سيف القذافي. كتب التقرير روبرت وورث مراسل المجلة في بيروت سابقًا، الذي أصدر كتابًا بعنوان "غضب من أجل النظام" عن احتجاجات الدول العربية في 2011.

سيف الإسلام حي وحر
الرسالة الأولى من التقرير هي تأكيد أن سيف الإسلام القذافي على قيد الحياة، ويعيش داخل ليبيا حرًا وليس محتجزًا، وإن كان متواريًا عن الأنظار في ظل إجراءات أمنية مشددة. فكما يقول وورث في تقريره تعددت محاولات اغتياله بعد إفراج خاطفيه من الزنتان عنه، وكان من بينها ما أعلن عند عرض أحد قادة الميليشيات الليبية 30 مليون دولار لاغتياله. ويستند التقرير كله إلى لقاء وورث مع سيف الإسلام في ليبيا في شهر مايو الماضي. أما الرسالة الثانية، فهي أن التحقيق/ المقابلة، يبدو أول تمهيد لعودة سيف الإسلام القذافي للحياة العامة بالتدريج.

يحكي الصحافي، الذي اصطحب معه مصورًا، كيف كان سيف الإسلام متوترًا من التقاط الصور. يقول كاتب التقرير، حسب الترجمة العربية المنشورة، عن سيف الإسلام، "يدرك أن اختفاءه هو السبيل لإحياء شعبيته، وهو حريص أشد الحرص على الاحتفاظ بهالة من الغموض حوله، حتى إنني عندما التقيتُه في الزنتان، كان مترددًا بشأن السماح لنا بتصويره. وافق في بداية الأمر على التقاط صور جانبية، لكنه أخذ يشيح بوجهه عن الكاميرا، وأصر على تغطية جزء من وجهه باستخدام وشاح. حاول المصور، نجا، إقناعه بأن الصورة الأمامية ستجعله يبدو أكثر ثقةً، لكن محاولاته لم تفلح. كان سلوكه محيرًا جدًا، ما دفعني إلى سؤاله عن السبب، فقال إنه يريد لهذه الصور أن تعطي انطباعًا بأن "هذا هو الرجل، لكن ليس واضحًا. إنه ليس واضحًا. مثل الشبح. ليس عليلًا، بل قويًا، لكنه ليس واضحًا". طلبتُ منه أن يوضح أكثر. قال، "لقد قضيتُ عشر سنوات بعيدًا عن أنظار الليبيين. عليك أن تعود إليهم خطوةً خطوة. مثل راقصة تعرٍّ"، قالها ضاحكًا ثم أضاف، "عليك أن تلعب بعقولهم قليلًا".

بناء الصورة
قدر كبير من التقرير عن كيف تغيرت الصورة لدى الليبيين والعالم عن سيف الإسلام، الذي درس في كلية الاقتصاد بجامعة لندن ومثل انفتاحًا على الغرب والحقوق المدنية، حتى اعتبره كثيرون قبل الحرب في ليبيا الشخص القادر على إحداث تغيير في ليبيا بعد والده العقيد معمر القذافي. ويقف كثيرًا عند خطاب سيف الإسلام في بداية الاحتجاجات الذي هدد فيه وتوعد، على عكس ما كان خطابه العام من قبل. لكن السنوات العشر الماضية التي قضاها سيف الإسلام بعيدًا من الأنظار، ربما أسهمت في بناء صورة مختلفة.

يقول روبرت وورث في تقريره، "استغل سيف الإسلام غيابه عن الساحة في مراقبة الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط، والعمل بهدوء على إعادة تنظيم القوة السياسية التابعة لأبيه المعروفة باسم "الحركة الخضراء". وعلى الرغم من تحفظه بشأن الحديث عن احتمالية ترشحه للرئاسة، فهو يعتقد أن الحركة التي يقودها بإمكانها أن تعيد للبلاد وحدتها المفقودة. والحقيقة أن الشعار الذي اختاره لحملته نجح في عديد من الدول.. وهو، السياسيون لم يقدموا لكم شيئًا سوى المعاناة. حان وقت العودة إلى الماضي. قال سيف الإسلام، "لقد اغتصبوا بلادنا وأذلوها. ليس لدينا مال ولا أمن ولا حياة. إذا ذهبت إلى محطة الوقود، فلن تجد وقودًا. نحن نصدر النفط والغاز إلى إيطاليا، نحن نضيء نصف إيطاليا، ونعاني نحن من انقطاع الكهرباء. ما يحدث تخطى حدود الفشل. إنه مهزلة".

ويحكي الصحافي الأميركي عن الأوضاع في ليبيا بعد أكثر من عشر سنوات من سقوط حكم القذافي، وكيف أن الليبيين أصبحوا يتحسرون على الماضي. وباستثناء قادة الميليشيات، الذين يزدادون ثراءً من وضع الفوضى الحالي، ورموز الفساد الذين ينهبون ثروة البلاد من عائدات مبيعات النفط، فإن معظم الليبيين يريدون "استعادة بلدهم". ويفصل كيف لمس ذلك في لقاءاته مع الليبيين العاديين. يقول وورث، "خلال الوقت الذي قضيته في ليبيا، بدأت أرى أن هذا الشعور سائد في كل مكان. أصبح سيف الإسلام، في نظر كثير من الليبيين، أشبه بفنتازيا وطنية جمعية. يرون غموضه بلسمًا لهم. إنهم يريدون أن يصدقوا أنه تغير وتعلم الدرس. فبعد سنوات عديدة من اليأس وخيبة الأمل، صاروا في أمس الحاجة لمخلص ينقذهم. أخبرني محام ليبي، "أعتقد أن الناس يبحثون عن أسطورة خلاص، ويتمنون أن يعود شخصًا جديدًا"... خلال إفطار أحد الأيام في شهر رمضان، سألتُ أربعة ليبيين في أوائل العشرينيات من العمر عمن سيختارونه لرئاسة ليبيا، فذكر ثلاثة منهم اسم سيف الإسلام. كذلك أخبرتني محامية ليبية أن عملها غير الرسمي لقياس الرأي العام يشير إلى أن ثمانية أو تسعة من كل عشرة ليبيين سيصوتون لسيف الإسلام. وعلى الرغم من اختفاء سيف الإسلام عن الساحة، فإن تطلعاته للرئاسة تؤخذ على محمل الجد. فخلال المحادثات التي أسفرت عن تشكيل الحكومة الليبية الحالية، سُمح لمؤيديه بالمشاركة، ونجحوا بمهارة إلى الآن في إلغاء شروط للانتخابات التي كانت ستحول بينه وبين الترشح. وتشير بيانات استطلاعات الرأي المحدودة في ليبيا إلى أن قطاعًا عريضًا من الليبيين (بنسبة 57 في المئة في منطقة واحدة) قد عبروا عن ثقتهم بسيف الإسلام".

تحديات وشخصيات
يذكر التقرير أهم التحديات التي قد تعيق مسألة ترشح سيف الإسلام القذافي لرئاسة ليبيا في ديسمبر إذا أجريت الانتخابات حسب اتفاق الأمم المتحدة. إذ إن سيفًا مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية على خلفية ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، بسبب دوره في قمع المعارضين عام 2011. وقد حُوكم في دعوى قضائية أخرى في طرابلس عام 2015، حيث ظهر على شاشة فيديو خلف القضبان في بلدة الزنتان، وانتهت المحاكمة بإدانته والحكم عليه بالإعدام رميًا بالرصاص. وإن كان يحق له استئناف الحكم بموجب القانون الليبي. يقول وورث، "أخبرني سيف الإسلام أنه واثق من قدرته على تخطي تلك المسائل القانونية إذا اختاره معظم الشعب الليبي ليكون قائدًا لهم".

أما المنافس الأشد لسيف الإسلام القذافي فهو وزير داخلية حكومة الوفاق السابق فتحي باشاغا، المدعوم من ميليشيات مصراتة صاحبة اليد الطولى في طرابلس العاصمة. وعلى الرغم من أن باشاغا تمكن من حشد تأييد أوروبي وغيره باعتباره الشخص القادر على مواجهة الميليشيات، إلا أن ارتباطه بميليشيات مصراته يشوه تلك الصورة التي رسمها في الخارج أمام الليبيين. ويذكر الجميع كيف أنه حين خسر تحالف الإخوان/ مصراته انتخابات 2014، تحولت البلاد إلى حرب أهلية مستمرة حتى الآن.

أما المنافس الآخر فهو المشير خليفة حفتر، الذي يرى صحافي "نيويورك تايمز" أن صورته أيضًا تدهورت بعد المحاولة الفاشلة للسيطرة على العاصمة طرابلس عسكريًا.

ومن الواضح أن سيف الإسلام يمكنه الاعتماد على ذلك في مواجهة تلك التحديات والشخصيات. فقد قال لمحاوره الصحافي الأميركي، "إن ليبيا أنفقت على مدار العقد الأخير مليارات الدولارات دون بناء مشروع واحد، ودون وضع حجر بناء واحد... تلك الأموال ذهبت إلى المتربحين الذين يمولون ويدعمون الميليشيات الصغيرة، حتى يضمنوا استمرارية هذه اللعبة". كما يحكي كاتب التقرير، "خلال لقائنا، عاود سيف الإسلام الحديث مرارًا وتكرارًا عن غياب مفهوم الدولة في ليبيا منذ عام 2011. فعلى حد قوله، لم تكن الحكومات المختلفة التي حكمت البلاد منذ ذلك الحين سوى مجموعة من المسلحين يرتدون البذات". وأضاف، "ليس من مصلحتهم أن تكون لدينا حكومة قوية، ولذا فهم يخشون الانتخابات. إنهم يعارضون فكرة وجود رئيس ودولة وحكومة ذات شرعية مستمدة من الشعب".

أوباما وأردوغان
حسب ما كتبه روبرت وورث، يرى سيف الإسلام أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما هي من يتحمل مسؤولية الدمار الذي حل بليبيا. ويضيف، "فعندما اندلعت الانتفاضة الليبية، واجه الأميركيون نفس السؤال الذي واجهوه لاحقًا مع سوريا، هل يجدر بك تدمير دولة إذا كنت لا ترغب بتحمل عبء إعادة بنائها؟ في حالة سوريا، كانت الإجابة بالنفي. أما في ليبيا، فقد اتُّخذ قرار بدعم حملة الناتو العسكرية تحت ضغوط هائلة في الوقت الذي حذر فيه دعاة حقوق الإنسان من مذبحة وشيكة (استنادًا إلى أدلة مختلف على صحتها). دمرت ضربة الناتو الجوية عام 2011 بعض المناطق في ليبيا، وفي العام التالي تخلت الولايات المتحدة عن ليبيا بعد اغتيال سفيرها جون كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين في بنغازي. وفي السنة الأخيرة من رئاسة أوباما، أقر بأن أكبر خطأ ارتكبه أثناء توليه الرئاسة كان غياب التخطيط لمرحلة ما بعد القذافي في ليبيا".

وحسب ما جاء في تقرير مجلة "نيويورك تايمز"، "وصف سيف الإسلام ربيع وصيف 2011 بمسلسل من الأزمات السريالية. في البداية، كان يزور أباه كل يوم تقريبًا في خيمة منصوبة على الأرض في باب العزيزية... يقول سيف إنه تلقى اتصالات هاتفية من زعماء أجانب كانوا يعتبرونه على الأرجح وسيطًا بينهم وبين أبيه. أخبرني أن أحد المتصلين المعتادين كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال عنه، "في البداية كان في صفنا ضد التدخل الغربي، ثم بدأ يقنعني بمغادرة البلاد". وأضاف أن أردوغان وصف الانتفاضات بأنها مؤامرة خارجية تُحاك منذ زمن بعيد. أما سيف الإسلام فيرى أن حرب 2011، قد انبثقت من التقاء توترات داخلية كانت تعتمل منذ وقت طويل مع أطراف خارجية انتهازية، من بينهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وأضاف، "كانت عدة أمور تحدث في آن واحد. زوبعة عارمة".

يقول الكاتب عن خلاصة حواره مع سيف الإسلام القذافي، "سألتُه عن رأيه في ثورات الربيع العربي فقال دون لحظة تردد واحدة، "العرب الحمقى دمروا بلدانهم"... ثم أضاف، "ما حدث في ليبيا لم يكن ثورة. يمكنك أن تسميها حربًا أهلية أو أيام شؤم، لكنها لم تكن ثورة".

"إندبندنت عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى