سمفونية

> قصة قصيرة

> في هَزيعٍ من ليلةٍ ظلماءَ، كانت الرياح العاتية تلاعب نافذة مهترئة، المتواجد خلفها فونوغراف، تعزف فيه سمفونية بتهوفن الحربية، على ضوء شمعة منكسرة، يضيءُ نورُها الخافتُ ركنَ الغرفة المهجورة، التي حبل فيها رحمُ المسكينة بسبب نزوة عابرة.

وُلد على إثرها طفل صغيرٌ بعد مخاضٍ عسير، ورمي قرب صناديق القمامة، ملطخًا بدماء الآلام ليلًا، وفي الصباح ترسل السماء المكفهرة أشعة الشمس تكوي جلد الهين دون رحمة، تخرج أحباله الصوتية أنات المعاناة، دون أن تكترث آذان المارّة بما تفعله الطبيعة بالوحيد، توقفت شاحنة النظافة ترفع كل الأزبال، لم يراه سائقها، وتركه ممددًا كما وُجد، داهمه الجوع، وتعطش ثغره لـتقبيل أثداء أمه المنتحرة شنقًا، حين هتك عرضها وشرفها، وشرعت حناجر الناس تطلق لقب العاهرة على البريئة، وقد دفعت ثمن الوثوق بـالعاشق الماكر، ذي الوعود الكاذبة، الذي رسم لها لوحة من الأحلام الوردية.

من زاوية ضيقة كان يشاهد أطفالًا، تلتقطهم أحضان آبائهم الدافئة، بأيديهم الحلويات والبالونات، فجأة تدحرجت كرة نحوه فارتطمت به، يتبعها طفلٌ يكبره عمرًا، لم يتعلم المشي بعد، على قدميه، يترنح يمينًا ويسارًا حتى بلغ مضجع المكفن على قيد الحياة، دار بينهما حوارٌ بالأعين فقط، لا أحد منهما يقوى على نطق الحروف بعد، يسأله الزائر بعدما تحسس وجهه متعجبًا:

-منْ أنتَ؟

يجيبه الرضيع الملقى هناك:

-أنا طفلٌ مثلُك.

-لمَ أنت هنا ولست في البيت رفقة أبويك؟

-تركاني هنا، سيعودان يومًا ما من أجلي، أعلم أنهما

يحبانني!

- حمل الزائر كرته، ثم ذهب في سبيل حاله، تعانقه والدته بحماس، بينما الرضيع المتخلى عنه يتنهد تنهيدة الوداع يلخص بها كل شيء قائلًا:

-أعتذر صديقي؛ لأنني كذبت عليك، لن يعودا أبدًا، فقد تخلا عني؛ فأنا ذنب، ربما غلطة، وصمة عار على جبينيهما، لا.. لا.. أنا خطيئة.

"زهير بوعزاوي/ أجلموس- المغرب"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى