"صهاريج عدن".. فلسفة الأجداد في حفظ المياه

> "الأيام" عن/ العين الاخبارية:

> ​على سفوح جبال مدينة عدن اليمنية، تربض أحواض عملاقة منذ آلاف السنين، حفرها أجداد اليمنيين الأوائل في الصخور والتلال المحيطة بالمدينة.
وتعد "صهاريج عدن التاريخية".. مساقط ضخمة لحفظ مياه الأمطار التي تهطل سنويًا على المدينة؛ واستغلالها للشرب وري المزارع.
هذه المعالم العتيقة، تؤكد أن اليمنيين قديما كانوا يفكرون جيدا لحاضرهم ومستقبلهم، ويعملون على تأمين حاجيات حياتهم، عبر ابتكارات تقوم على تسخير الطبيعة لمصلحتهم.

طبيعة قاسية
لا تحوي الجغرافيا اليمنية على أنهار متدفقة، فالبلد الفقير مائيا عبر التاريخ، اعتمد على الأمطار الموسمية وما تخلفه من سيول تجري في الوديان، لكنها سرعان ما ينتهي بها المطاف إلى البحار، دون فائدة.
ولمواجهة هذه المعضلة، ابتكر اليمنيون صناعة السدود والصهاريج العملاقة لحفظ مياه السماء، واستخدامها على فترات خلال العام؛ بهدف الشرب، وري المزارع.

ومن أمثلة تلك السدود والصهاريج، كان سد مأرب العريق، وصهاريج عدن التاريخية، التي تؤكد فلسفة الأجداد في حفظ مياه الأمطار.
والصهاريج هي أحواض عملاقة يتم حفرها في سفوح الجبال والتلال لحفظ مياه الأمطار النازلة من المرتفعات، تماما ك "صهاريج عدن".

وتقع صهاريج عدن التاريخية على سفح التلال المحيطة بمدينة كريتر "عدن القديمة"، في قمة مصبات وادي الطويلة.
والطويلة اليوم هو حي من أشهر أحياء مدينة عدن القديمة، وسميت الصهاريج باسم الحي، وتقع في أعلى مصبات الوادي، غرب المدينة.
ويتواجد في المنطقة مئات الصهاريج الضخمة التي تمتلئ سنويا بمجرد هطول الأمطار السنوية، وتتصل بقنوات ومصارف داخلية، كانت تعرف قديما بأنها "شبكات ري وسقيا"، تصل إلى مختلف مناطق سكان المدينة، والمزارع المحيطة بها.

معالم أزلية
لا يُعرف تاريخ دقيق لإنشاء الصهاريج على وجه الدقة، ولكن المراجع التاريخية تشير إلى أنها تعود إلى ما قبل الميلاد.
وفي الوقت الذي تربط فيه المراجع إنشاء الصهاريج بفترة تواجد دولة حمير القديمة، تؤكد مراجع أخرى أن كافة الدويلات التي تعاقبت على حكم اليمن، كان لها إسهامات في تطوير وتحديث وصيانة الصهاريج.
ويشير المؤرخون إلى أن هذا الاهتمام بصهاريج عدن جاء إيمانا من اليمنيين القدماء بأهمية هذه الأحواض العملاقة في تنمية نشاطهم الزراعي، وتلبية حاجتهم من مياه الشرب.

اهتمام معاصر
في التاريخ المعاصر لمدينة عدن، حظيت الصهاريج باهتمام كل من تواجد في المدينة من دويلات ومستعمرين.
بدءًا من الدولة الطاهرية، وسلطنة لحج، التي بسطت سلطاتها على المدينة، حتى وصول المحتلين البريطانيين الذين قاموا بأعمال تحديثات كبيرة، شملت تجديد قنوات الصرف؛ بهدف استغلال مياه الأمطار للحاميات العسكرية المتواجدة في عدن.

ومع تجديد شبكات المياه، واعتماد مدينة عدن على مياه الآبار الجوفية، تراجعت أهمية صهاريج عدن، كمصدر مهم يؤمن حاجة المدينة من المياه.
لهذا تعرضت الصهاريج للإهمال، الذي تسبب بإغلاق مصارف المياه وانسداد قنوات الري؛ ما أدى إلى وقوع كارثة الامطار والسيول في عام 1992.
وهو ما دفع السلطات في عدن للاهتمام بالصهاريج مجددا، وتحديثها وصيانتها بشكل دوري، حفاظا على المدينة التي تقع أسفل الصهاريج من الفيضانات وسيول الأمطار المتدفقة.

متحف مفتوح
تحولت صهاريج عدن التاريخية إلى متحف مفتوح يقصده آلاف اليمنيين سنويا من محافظات ومناطق البلاد، للانبهار بعظمة اليمنيين الأوائل.
وباتت الصهاريج اليوم من أبرز الوجهات الآثرية والمعالم التي لا بد أن يطلع عليها زوار عدن، كما أنها إحدى المواقع التاريخية التي تشد إليها رحلات المدارس الابتدائية، لاطلاع الأجيال الحديثة على فلسفة الأجداد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى