شعرة معاوية ما بين التدهور والانهيار
>
والجدير ذكره أن واقع هذه الدول العام يتمثل فعلياً وتحديداً في الصعوبات والمشاكل الاقتصادية والمالية المستمرة وانعكاساتها السلبية، مما نتج عنه تدهور سريع وحاد في معيشة المواطن العادي (الأغلبية الساحقة من السكان) في هذه الدول.
لبنان برغم صغر مساحتها الجغرافية وعدد سكانها نحو 11 ألف كيلو متر مربع و5 ملايين نسمة على التوالي، إلا أنها كانت واحة اقتصادية ومالية، إذ تمتع المواطن اللبناني بواحد من أعلى الدخول على مستوى العالم العربي (باستثناء دول الخليج).
سياسياً على مستوى الدولة، فالذي يديرها ومنذ أكثر من 18 شهراً حكومة تصريف الأعمال. وإلى حينه لم يتفق الفرقاء/النخبة السياسية على أي تشكيلة لأي حكومة قادمة.
وفي ظل هذا الوضع الاقتصادي المأساوي بدأت قطاعات اقتصادية خدماتية من كهرباء ومستشفيات وماء وصرف صحي ووقود.. إلخ بالانهيار واحدة تلو الأخرى.
إذا في ظرف 18 شهراً زمان تدهورت الأوضاع الاقتصادية والمالية لدولة لبنان لـ "تنهار" بعدها كل الأساسات والأعمدة والهياكل الاقتصادية لتجعل من المستحيل العودة واستعادة ما كان قائماً "في الزمن السابق" نصاً وروحاً.
هذه هي صور التشابه والتقارب المنطقي، وفي أكمل صورة بين الحالتين اللبنانية واليمنية وإذا هو كذلك، فإن "انهياراً" مدوياً على وشك الحدوث على المستوى الوطني هو أكبر وأروع من "الحدث اللبناني". ذلك أن الأخير استغرق أقل من عامين من مرحلة "التدهور" إلى "الانهيار". أما التدهور اليمني فهو "يغلي" (بالدارجة ينجح) منذ أكثر من 6 سنوات، هو "تدهور" أكثر نضجاً واكتمالاً سيحدث "انهياراً" غير مسبوق حجماً ودوياً وثأتيراً وضرراً غير قابل للإصلاح أو المعالجة في كل نواحي العيش والحياة، فهل لنا في لبنان الشقيق "عبرة"؟
اللهم المستعان. اللهم لا شماتة.
هناك عدد قليل من الدول العربية تختبر وتعيش في أزمات متعددة ومشاكل متنوعة سياسية واقتصادية وحروب تزداد وتتوسع حدة بدون بصيص أمل لنهايتها. هذا هو حال هذه الدول الفاشلة برغم وجود الحد الأدنى المفعل لكيانات وهياكل الدولة من مؤسسات وأجهزة سيادية مختلفة (البرلمان، الحكومة، القضاء، الأمن.. إلخ).
دعونا نأخذ لبنان (سويسرا الشرق) كمثال واقعي وحقيقي لهذه التطورات الدراماتيكية التي كانت بمقتل لكل ما كان "يعرف ويمثل" لبنان بقدر من المثالية الاقتصادية والمالية دولة وشعباً.
إن حجم أصول قطاعها المصرفي كان الثاني عربياً (نحو 260 مليار دولار أمريكي) بعد المصري (باستثناء قطاع المصارف الخليجية) الذي اعتمد بصفة رئيسية على تحويلات المغتربين اللبنانيين في إبقائه عائداً وإعطاء مؤشرات مواقفه المالية تصنيف - Rating "المقبول والآمن".
ويمتلك لبنان ثاني أكبر حيازة لاحتياطي الذهب عربياً بعد السعودية، لكن بسبب الفساد السياسي في حكم الدولة بصفة عامة والفساد المتجذر في إدارة شؤونه الاقتصادية والمالية خاصة أوصلت حجم الدين العام اللبناني إلى نحو 160 % من الناتج المحلي الإجمالي. وعليه تداعى لبنان وسقط في هاوية عميقة سحيقة اقتصادياً لن يستطيع الخروج منها.
أما قطاعها المصرفي فقد انكمش لدرجة أن البنوك والمصارف امتنعت عن الوفاء بالتزاماتها تجاه مودعيها وعملائها داخلياً وخارجياً، أما التداعيات على الليرة اللبنانية وسعر صرفها فقد كانت الأسوأ على الإطلاق من بين كل هذه العوامل، إذ فقدت العملة اللبنانية نحو 90 % من قيمتها السوقية مقابل الدولار الأمريكي، وبسبب إفلاس الدولة وانهيار مقدرتها المالية (لكثرة ديونها) فقد تم إلغاء كافة سياسات "الدعم" على الأساسيات، والتي اعتمد عليها المواطن اللبناني لعقود.
ويقدر حالياً أن دخل المواطن اللبناني العادي بالكاد يفي بـ "20 % من احتياجاته الحياتية المعيشية".
نكاد نجزم بأن اليمن هي الدولة العربية الأقرب واقعاً إلى الحالة اللبنانية الراهنة بكل محتوياتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية، فلا واقع سياسي ثابت ومستقر، ولا حكومة ذات كفاءة وحس وطني، ولا ضوابط لوقف نزيف موارد الدولة، ولا نهاية لمسلسل الفساد التاريخي، ولا تقارب بين الفرقاء السياسيين، ولا نهاية لحرب مدمرة أكلت الأخضر واليابس.
أما الواقع في اليمن بإيجاز هو استمرار تدهور كل نواحي وقطاعات ومجالات وأنشطة العمل والإنتاج والمال والخدمات بكافة مكوناتها، والأهم فقدان سعر صرف الريال اليمني لنحو 80 % من قيمته مقابل الدولار الأمريكي، مما أدى إلى تردي الحالة العامة لدرجة تآكل ونخر أرضية وأساسات سبل عيش وحياة المواطن الذي أصبح يصنف في خانة "الأفقر" على مستوى العالم.
اللهم المستعان. اللهم لا شماتة.