غضب الطبيعة

> ما يملأ سطح البسيطة من كوارث، حرائق، سيول أو أمطار، براكين، أوبئة، حروب، ولو استمرينا بالتعداد لتطول القائمة، فإن ما يحصل أمام عيون البشر كباراً وصغاراً يدعو للتأمل مراراً وتكراراً. هل ما يحصل هو مسألة طبيعية أو سوء إدارة أو عدم اهتمام وإهمال، أو سوء حسابات عمومية؟ ولو افترضناه خطأ مجتمع في الشرق، فما الذي يدعو مجتمعاً غربياً لاقتراف الخطأ عينه؟

قرأنا وسمعنا ورأينا عبر تجارب علمية ودراسات تتحدث عن أحاسيس النبات والحيوان، وكيف أن جَرّب فريق علمي اختصاصي، بأسماع حقول زراعية كبيرة لموسيقى هادئة متناغمة سلسة، وكذلك مع قطعان من الأبقار المنتجة للحليب، مما أثر على القطاعين، الأول والثاني وزاد إنتاجية النبات والحليب، وبنسب معينة تستحق الاهتمام والانتباه.

كان السبب الأول وهو ما يهمنا هنا بالموضوع، هو إحساس الطرفين حيواناً ونباتاً بما دار حوله من محاولة توصيل أحاسيس معينة موجهة لهما، مما يدل على تأثر وتأثير المخلوقين بما حولهما، وأتذكر هنا بعض روايات كبارنا المتصاعدين إلى الله، والذين كانوا مزارعين يحبون نباتاتهم ويراعونها ويتابعونها يومياً، وما تأثير محبتهم على أشجارهم أو كيف كانوا يمسكون شجرة ما، من جُنينتهم ويهددونها أحياناً بالقلع بالموسم القادم، إن لم تثمر أو تبدأ بإعطاء غلتها، وكيف أن الموسم اللاحق تزهر الشجرة وتعطي ثمارها.

هنا نؤكد مرة أخرى بتأثر محيطنا الطبيعي بالأحاسيس والمشاعر، فحتى الحيوانات الكواسر تعرف وتحب صاحبها ومن يحبها، وأتذكر هنا نبتة عباد الشمس وكيف تدور مع الشمس، أي أنها تحس بالشمس أو النور عموماً، فلا نستبعد أبداً أن الطبيعة لها مشاعر إيجابية كانت أم سلبية، وبطريقتها بالتعبير عن هذه المشاعر، تظهرها وقتما ترى أن الأجواء حولها مليئة بالأحاسيس السلبية والبغضاء والكره بين عموم البشر، فالطبيعة كالأطفال الذين يحسون بمن يحبهم قبل أن يفهموا معنى الكلام والمفردات.

نصل هنا لتثبيت أصول المعادلة الطبيعية، مع أن الفلاح والمزارع يحب حقله وزرعة، لكن هنالك الملايين والمليارات وهم الأعم الأغلب الموجودون على سطح الكوكب والذين يبثون ترددات وموجات كثيرة عبر مشاعرهم إلى الآخرين والطبيعة على السواء، بما تحمله من سلبية الأحاسيس والطاقة غير المنتجة والمؤذية، والتي تصل بكامل حقيقتها إلى المتأثر إنساناً وحيواناً ونباتاً، وبصدق تام غير مبرقع، فالأحاسيس تصدق أكثر من الكلام مع الكائنات الأخرى، وتعمل نفس الشيء أحياناً أخرى مع الإنسان، إذ قد يصدق حدسك الأول أو الإحساس الواصل لك من الشخص والإحساس به، وقد لا يصدق، أي أن الحس والمشاعر تنتقل وتصل عبر الأجواء إلى الآخرين.

ألا يجدر بالإنسان أن ينتبه لهذا الجانب، ويفكر بمدى تأثير التنافر الاجتماعي بين سكان البسيطة، وكيف تبدي الطبيعة مشاعرها بقوة، مع أن بعض الحوادث مفتعلة، كي يرى الإنسان ويعيد الحسابات ويزرع المحبة والتآخي والود والتواصل الإيجابي مع الآخرين، ويعبأ أبناءه على سلوك هذا الطريق شرقا وغربا شمالا وجنوبا، آنذاك سيمتلأ العالم بأحاسيس إيجابية ومشاعر طيبةً تنم عن أن الإنسان جاء من أب وأم واحدة، وأصبحوا شعوبا وقبائل، فقد أصبح العالم وحدة واحدة وجسداً واحداً، لا يستطيع أي جزء منه أن يتصرف وحده أو يمرض وحده، فما يحترق من غابات ببلد ما، تتأثر به بلدان أخرى، وما يثور من بركان إلا ويهب العالم من هول نتائجه، وأي وباء يظهر يهز العالم وما يمر به العالم خير دليل، وفيض بعض الأنهار في بعض البلدان، تهدد بلداناً أُخَر، قد تسارع بلدان عدة وتمد يد المساعدة، لكنها مساعدة مهنية عملية ميكانيكية دولية، بعيدة عن مشاعر الألفة والمحبة الإنسانية، إذ نرى أن نفس هذه البلدان تختلف سياسياً وسلوكياً مع تلك الدول، بل قد تكون ممن يمد نيران المشاكل بتلك الدول، بوقود الفتن والبغضاء والتنافر والاقتتال. وربما تكون مجموعة دول تشكل محوراً، ضد دول أخرى.

إن ضرورة إعادة عرى المحبة والتآلف والود بين أفراد المجتمع وبشكل أوسع بالعالم كله، بعيداً عن أفكار الاقتتال وتجريم وإزالة الآخر، أهميةً قصوى لإعادة التوازن بالعلاقة بين الإنسان والطبيعة، فليس التواصل لأجل المنفعة وتبادل الثروات والسلع بين سكان الغبراء، بل إن محبة الإنسان لأخيه الإنسان وبصدق بعيداً عن المصالح والأفكار، هو ما يحيل الأرض إلى غير الأرض وخلقها إلى خلقٍ آخر، آنذاك سنستحق محبة الطبيعة لنا التي هي تحت إرادة الله، ومن ثم محبة ورضى الله، وستكون الدنيا حينها غير هذه، والخلق خلقاً آخر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى