التعايش والتنوع طريق السلام الدائم في اليمن

> أشرف الريفي

> تحتاج اليمن إلى معركة وعي وثقافة ترسخ قيم التعايش والتعدد والقبول بالآخر بدلا من ثقافة العنف التي تثير مشاعر الكراهية وتعمق جراح البلد النازفة، كما يعتقد المواطن حسن طاهر.
ويؤمن طاهر، الذي يدخل عقده السابع وعاصر فترات مختلفة من الصراعات، أن الحرب في اليمن اليوم لها طابع سياسي وثقافي واقتصادي، وأبعاد دولية ومساع لصبغها بالوان مذهبية، لكن السبب الرئيس، من وجهة نظره، معرفي مرتبط بغياب ثقافة القبول بالآخر وروح التعايش.

يقول طاهر إن كل القوى التي تأتي إلى السلطة في اليمن تكرس الشمولية وتقدم نفسها على الصواب وتمارس كل أساليب إلغاء الآخر المختلف عنها.
وتتكرر الصراعات والنزاعات في اليمن بشكل مستمر فمنذ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، شهدت البلد أكثر من عشر جولات من الصراعات ذهب ضحيتها 5 رؤساء في شمال البلد وجنوبه هم: إبراهيم الحمدي، وأحمد الغشمي، وسالم ربيع علي، وعبدالفتاح إسماعيل، وعلي عبدالله صالح.

ناهيك عن مئات السياسيين والناشطين والإعلاميين، و الآف اليمنيين، و الخسائر المادية والمؤسساتية، والبنيوية، إضافة إلى التشظي الداخلي وضعف السلم الاجتماعي.
وحسب إحصائية الأمم المتحدة، أودت الحرب الحالية بحياة 233 ألف شخص منذ بدايتها في مارس 2015م وحتى نهاية العام 2020م.

الإلغاء والإقصاء
وفي كل صراعات اليمن تغيب روح الديمقراطية وقيم التعايش، وتحضر ثقافة الإلغاء والإقصاء للآخر؛ ليظهر الصراع على السطح في شكل مواجهات وحروب لم يقتصر سلاحها على الكلاشنكوف والمدرعات، بل أيضا بثقافة الكراهية وخطاب التحريض الذي فخخ المجتمع بنعرات عدائية مختلفة.
وبالنظر في أدبيات وسلوكيات كل القوى الحاكمة والمعارضة في اليمن خلال الثمانية العقود الأخيرة على أقل تقدير، نجد أن كل قوة تقدم نفسها بأنها على الصواب والمختلف عنها على الخطأ.

التنوع والتعدد
يرى نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق عبدالباري طاهر أن مأساة الاستبداد والطغيان دينيا كان أو دنيويا يتجسد في تسيد الرأي الواحد والحزب الواحد والزعيم الأوحد. ويضيف طاهر أن طبيعة الحياة في التنوع والتعدد، ولا تغنى وتزدهر إلا في ظل مناخ الديمقراطية والحريات العامة وحرية الرأي والتعبير والمعتقد.
ويستشهد طاهر بمقولة الفيلسوف البريطاني جون ستيوارت مل القائلة: "إن البشر جميعًا لو اجتمعوا على رأي، وخالفهم في هذا الرأي فرد واحد، لما كان لهم أن يسكتوه، بنفس القدر الذي لا يجوز لهذا الفرد إسكاتهــم حتى لـو كانت لــه القوة والسلطة".

وعلى المجتمع، حسب طاهر، أن يؤمن أن الحرية هي الأساس، والاختلاف هو الأصل، والتنوع والتعدد هو المعني الحقيقي للحياة.
يقول الكاتب والحقوقي حسين الوادعي إن المجتمعات تتغير وتنتقل من الانفتاح إلى الانغلاق أو العكس، حسب ما يجري فيها وما يعتمل فيها من تغيرات، لكن اليمن على عكس هذه الفكرة السائدة.

يوضح الوادعي أن اليمن بلد متعدد مذهبيا، وعرقيا، وثقافيا لكن المجتمع لا يزال يرى أن بعض المهن تنتمي لمناطق معينة، في واقع يصبغ المناطقية على أغلب الأنشطة والأفكار في الوقت الذي تبقى فيه الصبغة الوطنية ضعيفة.
وحسب الوادعي، إنه عندما يتغلب جانب التعدد على ثقافة المجتمع اليمني يحل الأمن والسلام والتوافق كما حدث في أوقات كثيرة أهمها فترة تحقيق الوحدة اليمنية قبل أن تقع في الصراعات.

وحينما تضيع قيمة التسامح والاعتراف بالآخر، حسب الوادعي، تهيمن الصراعات والحروب على المشهد، ولا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، حتى يمكننا القول أن اليمن شهدت حربا كل عشر سنوات على الأقل.
من وجهة نظر الوادعي أن أحد الأوهام الكبيرة التي توقعنا في ثقافه الإلغاء وعدم الاعتراف بالآخر هو أن اليمن مجتمع متجانس مذهبيا واجتماعيا فيما الوضع الصحيح أن اليمن مجتمع في غايه التعدد والتعقيد.

يعتقد الوادعي أنه كلما اعترفنا بالتعدد استطعنا أن نعيش في فترات سلام طويلة وقصيرة، وكلما لجأنا إلى وهم التوحيد الثقافي والاجتماعي وقعنا في الصراعات، الأمر الذي يبرز أهمية الاعتراف بالثقافة الأخرى حتى ولو كنا مختلفين معها.
من جهته يرى الأديب والناقد أحمد ناجي النبهاني أن ثقافة التعايش والتسامح والقبول بالآخر يمكن أن تحل المشكلة في اليمن، وأن ثقافة الإقصاء والتوجه الأحادي تعد جذر المشكلة وسببها.

ويرى النبهاني الذي شغل موقع الأمين العام المساعد لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين سابقا أن ثقافة التعايش والتسامح والقبول بالآخر تبدأ من اختبار مدى استعداد جماعة أنصار الله الحوثيين للتنازل عن مسلماتهم الفكرية المتمثلة بمفهوم الولاية، وتنازل الاتجاهات السنية عن مفهوم الخلافة، ومدى استعداد الجميع للاحتكام إلى صندوق الانتخابات.

عوائق
ويعرج النبهاني إلى مشهد غير مرئي في الصراع اليمني معتقدا أن حل المشكلة في اليمن لها امتدادات إقليمية، متسائلا : "هل تستطيع دول الجوار أن تؤمن بحق اليمنيين في بناء دولتهم خارج إطار الوصاية؟".
و الطريق إلى ثقافة التعايش في اليمن ليس مفروشا بالورود، فهناك معوقات تبرزها تساؤلات النبهاني التي تتلمس إمكانية الحديث عن حل للمشكلة في ظل بقاء اليمن تحت الوصاية الدولية المتمثلة بالبند السابع.

يضيف النبهاني: "هل يمكن الحديث عن دولة يمنية مستقلة في ظلال احتلال الجزر والمواني وانتهاك السيادة الوطنية للجمهورية اليمنية؟.
يرى القيادي السابق في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين أن كل هذه المؤشرات تشير إلى أن ثقافة التعايش والقبول بالآخر تحتاج إلى التنازل من أجل اليمن من قبل كل شركاء الحياة السياسية وأطراف الحرب.

ويقول أن ثقافة التعايش تحتاج لخطوات تمهيدية من قبل أطراف الصراع، تبدأ بإطلاق سراح بعض الشخصيات المدنية المعتقلة بدون أي ذنب ارتكبوه سوى انتماءهم المدني، مثل محمد قحطان والدكتور نصر السلامي والدكتور يوسف البواب والدكتور مصطفى المتوكل ومحمد عبد الرحمن شرف الدين.
ومن ضمن الإجراءات التمهيدية لثقافة التعايش تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتصلة بالإفراج عن المعتقلين أمثال اللواء محمود الصبيحي وفيصل رجب وناصر منصور هادي، والإفراج عن المعتقلين لدى كافة الأطراف حسب طرحه.

ويضيف النبهاني: "أنا على يقين أن ثقافة التعايش والقبول بالآخر هي الحل، ولكنها تبدأ بالإفراج عن كل المعتقلين على ذمة قضايا الرأي في شمال الوطن وجنوبه وشرقه وغربه، وبرحيل القوات الأجنبية من الأرض اليمنية، واستعداد دول الجوار للتعايش مع اليمن كدولة ذات سيادة".
و يجمع مختصون أن ثقافة التعايش والقبول بالآخر لن تتحقق إلا بترسيخ ثقافة الحوار في المجتمع ودمج قيم التعايش والقبول والتعدد والتنوع في المناهج الدراسية وأدبيات المؤسسات التعليمية والثقافية والسياسية والإعلامية في البلد.
ويعتبرون أن الحوار في ظل الاختلاف والتنوع هو السياج الحقيقي لحماية اليمن ومستقبلها وقطع دابر الحروب والصراعات.

"عيون الخليج"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى