اليمن.. متغيرات جديدة و«سلام مؤجل»

> أحمد عليبة

> بعد ثماني سنوات من الحرب، تشير التقارير اليمنية المحلية إلى أنَّ هانز غروندبرغ، الذي حل محل مارتن جريفيثس مبعوثا خاصا للأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر، تعرف على جميع الفصائل السياسية والمكونات الاجتماعية، وتواصل معها خلال فترة عمله سفيرا للاتحاد الأوروبي في اليمن من 2019 إلى أغسطس من هذا العام. لكن المراقبين لديهم انطباع عام أنَّه نظراً لحملة جماعة الحوثي الدؤوبة لتوسيع سيطرتها على شمال اليمن من مأرب في الشرق إلى الحديدة في الغرب، فإن احتمالات نجاحه حيث فشل أسلافه ضئيلة.

وطرأت بعض المتغيرات الجديدة في العمل، على الرغم من أنَّه من المشكوك فيما إذا كانت ستخدم مهمة غروندبرغ. الأول هو تعيين واشنطن تيموثي ليندركينغ مبعوثا خاصا للولايات المتحدة إلى اليمن. وقد قام ليندركينج، الذى تولى مهامه في الربيع خلال الشهور الأخيرة من ولاية جريفيثس، بعدة جولات من المحادثات كجزء من حملة أمريكية متجددة لبدء عملية التفاوض المتوقفة. وكمشارك نشط لحملة الأمم المتحدة، نسق المبعوث الأمريكي بشكل وثيق مع جريفيثس، على الرغم من أنّه ركز في المقام الأول على اقتراح مبادرات بالشراكة مع الرياض. ومع ذلك، واجهت جهوده تعنت الحوثيين، مما دفع واشنطن، وبالتالي الأمم المتحدة، إلى إعطاء الأولوية للظروف الإنسانية المتدهورة في البلاد. ويشعر أصحاب المصلحة الدوليون بقلق خاص إزاء التأثير المشدد لوباء كوفيد- 19 على المحنة الإنسانية في اليمن، على الرغم من أنَّ أمراء الحرب على جبهات القتال يبدون غير مبالين بهذا التهديد.

والمتغير الثاني قد يكون عودة الطالبان إلى السلطة في كابول بعد توقف دام 20 عاما. وعلى الرغم من اختلاف الوضعين الأفغاني واليمني، لا سيّما في البُعد الطائفي، يبدو أنَّ إيران ووكيلها الحوثي قد استلهما التطورات في أفغانستان. أشاد الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي بـ "الهزيمة" العسكرية الأمريكية، واغتنم القيادي الحوثي، محمد علي الحوثي الفرصة ليقترح على المملكة العربية السعودية أن تلتقط الدرس المستفاد من فشل الولايات المتحدة في أفغانستان، وهو أنّ "الجيوش الغازية" محكوم عليها بالخسارة. وتعطي المقارنة التي يقوم بها وزناً لأطروحة مفادها أنَّ حركة الحوثيين ستواصل السعي للتوصل إلى اتفاق مع الرياض، الداعم الرئيس لحملة إعادة الحكومة اليمنية إلى صنعاء، على غرار ما حدث بين طالبان والولايات المتحدة، وإذا أُبرمت اتفاقية، فإنَّها ستعترف بحكم الحوثيين في صنعاء وستكون إطارا للمفاوضات مع الحوثيين حول مناطق النفوذ، صيغ تقاسم السلطة مع الحكومة الشرعية، وغيرها من الترتيبات التي من شأنها أن تزيد من قدرة الحركة على المناورة. ويُعتقد أنَّ هذا كان الدافع العام لرد الحوثيين على محاولة التوسط التي تقدمت بها عمان قبل شهرين.

إنَّ الدرجة غير المسبوقة من التسلل الإيراني إلى اليمن هي متغير ثالث سيؤثر على عمل المبعوث الجديد للأمم المتحدة وآفاق التسوية التفاوضية. وفي الأسبوع الماضي، أعلن وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، أنَّ حيدر سرجان، وهو ضابط في الحرس الثوري الإيراني كان يقود هجوم الحوثيين على جبهة المارب، قُتل في غارة جوية مع تسعة آخرين من قوات حزب الله اللبناني. ووفقا لرواية الحكومة اليمنية، كان سرجان قد عمل سابقا قائدا على جبهة الحديدة، ونُقل إلى مأرب بعد وفاة مصطفي الغزاوي، أحد قادة حزب الله الذين يقاتلون في اليمن. وهناك إشارات متكررة في وسائل الإعلام اليمنية إلى النفوذ المتزايد للسفير الإيراني لدى نظام الحوثيين في صنعاء، حسن إيرلو، على حساب فصيل من الحوثيين يحرص على تقليص الدور الإيراني في اليمن.

ومن غير الواضح إلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة التأثير على الوجود الإيراني هناك. جعلت الولايات المتحدة عودتها إلى الاتفاق النووي مع إيران مشروطة بوقف التوسع الإيراني في المنطقة. وترفض الإدارة الجديدة في طهران مثل هذه الصلة وتصر على العودة إلى الاتفاق وفقا للأحكام كما كانت عليه عندما انسحبت إدارة ترامب في عام 2015.

ويرتبط متغير رابع أيضا بالتصاميم العسكرية الإيرانية الحوثية. بدأت الجماعة الحوثية في التشديد على الحدود باستخدام الألغام الأرضية. وقاموا بإجلاء آلاف المدنيين من المناطق الحدودية. وكثيرا ما استخدم الحوثيون الألغام الأرضية وسيلة لوقف تقدم قوات الحكومة اليمنية. ولكنَّ استخدام هذه الأسلحة لترسيم الحدود على طول جبهات القتال أمر جديد. وفي الأسبوع الماضي، أفادت مصادر يمنية بقرار الحوثيين إخلاء قريتين ساحليتين في محافظة الحديدة. ومنحت الجماعة الأسر التي يبلغ عددها نحو 175 أسرة من دير عفيف والزوطية في غرب الحديدة مهلة 30 يوما، حتى 1 أغسطس، للخروج من القريتين. هذه المنطقة، التي تقع في منتصف الطريق بين مينائي الحديدة والصليف، تُمثّل الفجوة بين مناطق نفوذ القوات الحكومية وقوات الحوثيين. إنَّ عمل الحوثيين هو انتهاك صريح لاتفاق ستوكهولم الذي وقعته الجماعة، لكنها لم تنفذه أبدا.

وبالإضافة إلى المتغيرات السابقة، تؤثر مجموعة من المشاكل الأخرى على عملية السلام. وينبغي أن يوضع في الاعتبار، في هذا السياق، أنَّ القوات الحكومية تركز على وقف تقدم الحوثيين إلى مناطق نفوذها أكثر مما تركز على كسب الأراضي في الوقت الحاضر. وخلال الشهرين الماضيين، تمكنت ميليشيات الحوثي من السيطرة على البيضاء، واستعادت بعض الأراضي التي كانت القوات الحكومية قد استولت عليها سابقا في الجزء الشرقي من المحافظة. ونجح الحوثيون في إخماد ثورة الميليشيات القبلية ضدهم. ولكن بالنسبة لأعضاء الحكومة اليمنية والمجتمع السياسي اليمني ككل، أصبح التطور السياسي يلقي بظلاله على التطورات في ساحة المعركة. وقد أثارت التقارير عن انتقال وشيك للسلطة الانزعاج من احتمال حدوث فراغ في السلطة، وأثارت تكهنات حول من قد يحل محل الرئيس عبد ربه منصور هادي. ومن بين الأسماء الأكثر تكراراً حتى الآن رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر. ويُنظر إليه على أنَّه بديل محتمل عن الرجل الثاني الحالي في القيادة، علي محسن الأحمر، الذي يشك البعض في أنَّه سيكون قادرا على كسب إجماع بين الفصائل المتنافسة.

ويعتقد البعض أنَّ البحث عن خليفة قد يتراوح بين شخصيات لا تنحدر من صنعاء، بل وشخصيات تنحدر من الجنوب من أجل الحفاظ على التوازن السياسي الحالي داخل المعسكر المؤيد للشرعية. في السياسة اليمنية، لا تعد الشخصية الفردية للمرشح أو مؤهلاته أكثر من ثقله القبلي والإقليمي. هادي نفسه جنوبي، وأصله من أبين. بن دغر هو أيضاً جنوبي، من حضرموت، ولهذا السبب قد يُنظر إليه على أنَّه مرشح وسط. ومهما يكن من الأمر، فإنَّ مصير الحكومة المُعترف بها دوليا قد يصبح قريبا مسألة مثيرة للقلق، يمكن أن تزيد من المشاكل وتؤثر بالتأكيد على حسابات جميع أصحاب المصلحة.

ينظر إلى اليمن ليس كبلد يعاني من أزمة في الشمال، بل على أنَّه بلد يعاني من الأزمة الشاملة. حركة انفصالية طويلة الأمد في الجنوب هي معضلة رئيسة أخرى ومصدر للتوتر في عدن، المقر المؤقت للحكومة اليمنية. ويبدو أنَّ المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي هو حاليا الفصيل الرئيس في الحراك الجنوبي، مستعد للدخول في مرحلة انتقالية تقوم على نظام اتحادي، على الرغم من أنَّ البعض يخشى أن يهدف المجلس الانتقالي الجنوبي في نهاية المطاف إلى استخدام النموذج الاتحادي كمنصة لتنفيذ تقسيم فعلي بين الجنوب والشمال.

حتى الآن، تعامل جميع مبعوثي الأمم المتحدة وغيرهم من المبعوثين الدوليين مع الأزمة الجنوبية بشكل مجزأ، ولم يتناولوها إلا عندما ترفع رأسها بطريقة تؤثر على تعاملهم مع مسألة الحوثيين. ربما يريدون تجنب الدوس على قشر البيض من الخلافات والتناقضات والتوترات داخل التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الحكومة اليمنية الشرعية. ومن المعروف جيداً أنَّ المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي هو القوة الأكثر هيمنة في الجنوب، على علاقة أفضل مع الإمارات العربية المتحدة منه مع الرياض بسبب دور أبوظبي في الجنوب، لا سيما في القتال لصد تقدم الحوثيين. وتختلف المواقف داخل التحالف أيضا تجاه جماعة الإخوان المسلمين اليمنية وواجهتها السياسية، الجماعة اليمنية للإصلاح، التي يشار إليها عموماً باسم حزب الإصلاح. وفي حين ترى أبوظبي أنَّ جماعة الإخوان المسلمين تشكل تهديدا مباشرا لأمنها القومي، وهو تهديد لا يشكله الحوثيون، فإن العكس هو الصحيح بالنسبة للرياض.

"الأهرام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى