​إلى الأخ م. حيدر أبوبكر العطاس

> أسجل لكم آيات التقدير والاحترام، لكنني أجد نفسي وأنا أمام مضمون مقابلتكم في قناة العربية أن أنحو منحى مغايراً لما طرحته أقلام أخرى. وأعذرني إن قلت لك إنك (أخطأت في المجمل)، وذلك لأسباب علمية منهجية صرفة.
ولعل مبتدأ حديثي معكم يستقيم على سؤال محدد لكم: هل كانت أحداث 1986م استثناء في التاريخ السياسي العالمي انفردت به عدن ووصمت به اليمن الديموقراطية، أم أن الصراع السياسي العسكري هو سمة كل الأنظمة السياسية العالمية والعربية والوطنية؟.

في سطوري التالية أستند  إلى أن للعلم منهجاً ومعايير في الرواية الشفوية من أفواه المعاصرين للأحداث السياسية أفصله لكم وللقراء في هذا الخطاب.
ظهرت الرواية الشفوية والمعايير الضابطة لها مبكرة في أميركا وفرنسا، ثم انتقلت إلى تونس والجزائر وفلسطين تحت دافع أساسي يتمثل بالتوثيق لتجارب النضال السياسي التحرري، لانعدام المرجعيات المكتوبة في وقتها.

وعليه، فإن اختياركم الحديث في هذا الموضوع لم يكن ممنهجاً، بحيث إنه رواية للتسلسل التاريخي لمسار النضال السياسي الجنوبي يؤسس لقاعدة معلوماتية تغذي احتياجات الكتابة التاريخية، بل انتقاء لآخر الحلقات التاريخية وأكثرها وعورة لا يستند على معيار تتابعي في سرد الأحداث. كما أن العلم يحذر من الانتقاء لحدث ساخن ما زالت شخوصه تختلف في توصيف وأبعاده ماثلة حتى اليوم، بل في ظرف جنوبي يموج أمام مفترق طريق.

لقد ألزمت المنهجية ذاتها الراوي بسرد الحدث دون تعليق أو تأثير على المستفيد منها في الوقت الحاضر أو مستقبلاً، مما سيشكل توجيهاً قسرياً يؤثر لاحقاً على صناعة الكتابة التاريخية للحدث.
وفي اختيار الموضوع والتوثيق للحدث عنه في هذا الظرف الزمني الساخن يؤسفني القول: إنك خرجت بموضوع الرواية له عن دائرة استنهاض الذاكرة والتوثيق التاريخي للحدث، وسيدخلنا في دائرة الاصطفاف والاحتراب وإذكاء النزعة الانتقامية وتعطيل وحدة الصف الجنوبي ومعالجة القضية الجنوبية سعياً للمشاركة في مساعٍ سياسية لاحقة.

وفي إطار المعايير ذاتها طالت روايتكم أطرافاً رفيقة غير جنوبية وألحقت بهم الكثير من الصفات والألقاب غير المناسبة، علماً بأن  التاريخ علمنا أن التنافس الدولي في العصور التاريخية المختلفة يستلزم قوى راعية وشخوصاً تدير المشهد وتدعمه، وأطرافاً دولية تحوم وتدور، كما هو الحال في واقعنا الراهن.
ويأتي المذيع مقدم الحلقة ليضرب خرقاً آخر معارضاً لزملائه ممن يقدمون برامج مماثلة في قنوات أخرى. فقد تعمد تذكيركم بأحداث وشخصيات لم تكن قد وردت على لسانكم بعد، وهذا السلوك لا يستقيم على قاعدة الضوابط العلمية للرواية التي تلزمه عدم التأثير على الراوي.

لقد وجه المذيع الحديث ورسم إطاره وموضوعاته وكأنه يقدم، وهو البعيد عن الحدث، تعقيباً أو مداخلةً بصورة منافية للضوابط، لكن، قد سارت بهذا المنحى، كنت أتمنى أن أسمع منكم ربطاً تاريخياً بين العتبات التاريخية المختلفة التي مرت بها عدن منذ الاستقلال، وربطها بالواقع الراهن اليوم، لأن التاريخ محطات تفضي بعضها إلى أخرى في تواصل وثيق له هدف بعيد، على الرغم من أن واقع اليوم ما زال ساخناً لا يستوجب الرواية.

نتج عن المقابلة الآتي:
1 - تقديمكم نموذجاً سلبياً لتجربة سياسية فريدة في العالم الثالث ودول التحرر الوطنية، بوقت كنت أنت فيه أبرز صناعها ودخلت باسمها دولة الوحدة.
2 - صدمت أحلام الجنوبيين في استعادة دولة اليمن الجنوبية بكل مضامينها التي تعرفها تماماً، بوقت يلملمون فيه الصف الجنوبي.
3 - لم تقدم ربطاً في حديثك، وتحليلاً علمياً، لاكتمال الملمح بين أحداث 1986 والمتغير العام  الذي تأثرت منه عدن ودول أخرى في أنحاء متفرقة من العالم وما زالت.

4 - قدمت البلاد مرتع اقتتال مستديم بين الرفاق، بينما التاريخ يختزن تجارب مماثلة لدول حولنا وبعيدة عنا لم تكشفها رجالها، بل تجاهلت أن عدن منذ مفاوضات استقلالها قد زُرعت في وجه نظامها الوطني حروب حدودية وأخرى اقتصادية قاتلة.
آخر سطوري.. صاغت عدن تجربة بناء ستظل نابضة في سجل التاريخ الإنساني مع مثيلات لها في قارات آسيا، وأفريقيا وأميركا الجنوبية ودول المنظومة الاشتراكية، لكن ما يفرقنا عن بعض التجارب أن بعضها التقط الظرف الساخن المتمثل أمامها وحوله إلى فعل مختلف مستجيب للواقع حتى ينجو بتجربته من الانهيار.
إنها (لعبة الأمم) المستمرة حتى اليوم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى