​لسليمان السلام

> سليمان حنش توفاه الله عن عمرٍ ناهز الواحد والسبعين عامًا. خبر تناقلته القلة من مستخدمي وسائل التواصل والاتصال الاجتماعية المختلفة، ومنهم من يعرف المتوفى، ومنهم من سمع عنه، ومنهم من لا يعرفه لكنه يعرف الموت لمعرفته بأن كل من عليها فانٍ.
توفي سليمان حنش الذي كان يصف لي عدن قديمًا بأنها لم تختلف عن عدن حديثًا إلا في رؤوس من عرفوا عدن نفسها.. عدن التي عرفها سليمان الذي كان يروي لي بكلمات ضاحكة كما سبق وأن اعتاد أن يواجه حزنه الذي كان ينفثه مع كل علبة سجائر تبدو بالمتناول كيف بدأ العالم بالتعرف علينا في عدن، وكيف عرفناه بأنفسنا حينما كانت المدنية عنواننا.

واجه سليمان الأحزان بعلبة سجائر وبضع تمتمات ساخرة جعلته ملاذًا آمنًا لكل من يشعر بالضجر من الحال الذي بتنا نعيشه منذ عشر سنوات مضت على ربيع وهمي لم يزدنا جميعًا إلا خسرانًا وحسرة، وزاد "سليماننا" وحده سلامًا داخليًا دائمًا، ويقينًا بأن من في الخارج لا يمنحك السلام أبدًا.
أكتب سليمان الآن وذكرى قفشاته تجعلني أكتب مبتسمًا حقًا. كنت أسكن منطقة "كابوتا" القديمة وكانت حافلة "الأيام" تعاني مشقة الوصول إلى باب بيتي في كل رحلة إياب من مقر الصحيفة (البيت) إلى مقر منزلي في أوقات متأخرة من ليل كل يوم شهدني موظفًا بمؤسسة "الأيام" للصحافة والنشر والتوزيع، وكانت صحبة العم سليمان صحبة تجمعك مع الإنسان الحق الذي يعرف ما يقول، ويقول ما يعرفه على الدوام بطريقة محببه للقلب قبل السمع، حينها وصف العم سليمان منطقة سكني بوصف لطيف وتشبيه بعيد كبعد دولة "ترينداد وتوباجو" إحدى دول الكاريبي عن العالم وبعد العالم عنها.. هكذا بدت أحياء "كابوتا" القديمة للعم سليمان وهي الأحياء التي تقع ضمن مديرية المنصورة وبعيدة عن مديرية المنصورة وتنتمي ولا تنتمي للعاصمة التي تعاني الإهمال من قبل ومن بعد أعوام الاستقرار وعدم الاستقرار الذي عشناه وبتنا نعيشه اليوم واقعًا في عدن.

منذ فترة التقيته كما ودعته باسمًا ومندهشًا من قدرته ومقدرته على مواصلة العيش الذي لم يكن يتوقعه حتى هذه اللحظات البائسة التي نعيش تفاصيلها المملة كل يوم منذ أن نصحو حتى ننام وهو من يحمل على عاتقه هم أسرة لا تزال تراه شخصًا منتجًا لا يحب الركود أو الاستسلام، ويصر على العمل ليواصل إعالتها ومعها نفسه التي لم تعتد على الهوان رغم أنها هانت على كثير من المسؤولين الذين لطالما عرفوا سليمان حنش ومن هو سليمان حنش الذي لا يعرفه العامة من الناس، ومنهم من يقرأه الآن بعد فوات الأوان، لكنهم لا يزالون قادرون على بذل شيء من الوفاء لروحه من خلال رعاية أسرته التي فقدت السلام بفقدانها سليمان الذي سقط في ساحة المعركة مقاتلًا حتى آخر نفس تمكنت رئتيه المتعبتين من لفظه.
السلام لروح سليمان ولكل المحاربين القدامى الذين لا يزالون مثالًا حيًا للدهشة، ومتحدثين رسميين باسمها في ظل ما يعيشونه اليوم من إهمال، وما عاشوه في الأمس القريب من إهمال ونكران وجحود.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى