هدى المقدي.. إعلامية كفيفة أبصرت أحلامها وحققتها بين مجتمع مقيد وإعاقة قاهرة

> المكلا «الأيام» هناء النهدي:

>
أن تكون مبصرًا وتتحدى العقبات والصعوبات فهذا شيء طبيعي، إذ أنك تمتلك كل أعضائك سليمة وهو ما يساعدك على مجابهة كل شيء، أما أن تكون كفيفًا بارعًا مبدعًا فهذا المختلف وهذا حال بطلتي التي أكتب عنها اليوم، الأنثى المختلفة، هدى التي صنعت من المستحيل ممكنًا ومن كل تحدٍ مر في حياتها بوصلة تدلها على النجاح، فهي حقًا بوصلة طريق النجاح.

 هدى عمر حفيظ المقدي كفيفة منذ الولادة، أول خريجة كفيفة من جامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا قسم صحافة وإعلام، مسكنها ومكان ولادتها الديس الشرقية، مذيعة في إذاعة سلامتك fm، متعاقدة في المكتب الإعلامي لمحافظة حضرموت.
تقول هدى عن نفسها: "منذ نعومة أظافري ومنذ أن بدأت بالالتحاق بالمدرسة وأنا أدرس في مدارس للمبصرين ولم أدرس أبدًا في مدارس المكفوفين، لم استطع أن أدرس في مدارس خاصة بالمكفوفات، التحقت بالابتدائية ومن ثم الثانوية، ومن ثم أكملت دراستي الجامعية في جامعة حضرموت".

وأضافت: "عائلتي وهم أمي وأبي حفظهم الله كانوا هم الدافع وراء إكمالي التعليم وتخطي كل العقاب التي واجهتني، فقد أذابوا لي كل العثرات".
ولك أن تتخيل عدد الصعوبات وحجمها التي من الوارد جدًا أن تواجه طالبًا جامعيًا، فماذا إن كان كفيفًا، سؤال طرحته على هدى لتجيب بعد أن تنهدت بحرقة قائلة: "في الابتدائية كانت تنقصني العلامات  وكان هذا الشي مزعجًا جدًا بالنسبة لي، حيث كنت متفوقة على أقراني، ولكن وضعي كان يحتاج لتعامل مختلف، في المرحلة الثانوية بدا لي الوضع مختلفًا قليلًا ومتحسنًا بعض الشيء، أما في الجامعة فقد صدمت بواقع أمر من كل السنين، فبُعد المسافة التي كانت بين الديس الشرقية والمكلا اضطرتني للسكن في سكن خاص بالمكفوفات.. كما أن الكادر التعليمي لم يتقبل كوني كفيفة، بعض الدكاترة جزاهم الله خيرًا كان تعاملهم مختلفًا معي ومحفزًا بعض الشيء".

وعن الاختبارات وكيفية تأديتها وحلها فقالت إنها كانت تحضر معها أحد يكتب لها الإجابات، تقوم هي بعملية تلقينه وكان هو يكتب، أما بالنسبة لرحلة الذهاب إلى الجامعة كل صباح "عانيت كثيرًا من ذلك الأمر، ما نريده أن نتعامل كأي شخص، نحن لا نحب التدليل الزائد، الذي ربما يصل لحد الشفقة، ولا نحب التعامل بتمييز، لا إفراط ولا تفريط".

فرحة وانتصار
بعد أربع سنوات لم تكن أبدًا بالسهلة تخرجت هدى من قسم الصحافة والإعلام الذي اختارته تخصصًا لها لشغفها بالإذاعة المدرسية.
كان تحقق حلم التخرج من الجامعة يعد انتصارًا حقيقيًا لهدى،  هدى الطموحة المبدعة التي طرقت أبوابًا شتى لتجد عملًا بشهادتها التي كدت للحصول عليها بلا فائدة، "طرقت أبواب جميع الإذاعات ولم أجد أي إذاعة تقبلني وتفتح لي أبوابها غير إذاعة سلامتك fm".
 وتحكي: "استقبلني في الإذاعة الأستاذ صلاح أحمد العماري، مدير إذاعة سلامتك fm ومدير الأخبار في قناة حضرموت، كانت تلك الإذاعة هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي فتحت أبوابها لي، وكان الأستاذ صلاح هو الداعم والناصح لي وبمثابة الأب الروحي".

تجارب ناجحة عمليًا واجتماعيًا
وحسب العماري، فقد كانت هدى ضمن الدفعة الثالثة صحافة وإعلام، "نحن قدمنا للدفعة كاملة إمكانية التدريب في الإذاعة ولكن كانت هدى من أفضلهم وأكثرهم مثابرة وحب للعمل ووفية للإذاعة، حيث كانت تحضر للإذاعة من الديس الشرقية، كل أسبوع بصحبة والديها متكلفة عناء المجيء والالتزام".
وتابع:" كان لها برنامجًا قدمته مسجلًا للإذاعة اسمته هي "أنا وإعاقتي"،  وكان البرنامج عن شريحة أصحاب الهمم، كنا نشجعها وندعمها وكانت هدى كلها أمل في النهل من خبرات الإذاعة والتدريب والتعلم، كانت في برنامجها تبث الأمل والتفاؤل في هذه الشريحة وتحثهم على خدمة مجتمعهم وأن الإعاقة ليست نهاية العالم، بل هي الطريق الموصل للعالم، فكان البرنامج وفكرته إنسانية بحتة".

وأكمل حديثه قائلا: "بعد تنفيذ مائة حلقة، عملنا لها حفلة حضرها أساتذتها وكل المقربين منها، وكانت سعيدة جدًا بهذا النجاح وكنا فخورين جدًا بها.
فقد كان دعمنا لهدى نابعًا من إيماننا بقدراتها وإبداعها وإخلاصها، وكانت تعتبر الإذاعة بيتها الثاني، وكانت تقول ذلك في كل اللقاءات وبعد نجاح البرنامج الأول كان لها برنامج قدمته مع الزميل الكفيف أحمد سعيد الحامدي، خريج دراسات إسلامية من جامعة حضرموت، فقدما معًا برنامجًا مباشرًا اسمه ساعة على الهواء وكانا متخوفين من هذه التجربة التي وجهت لجميع شرائح المجتمع، لكنها كانت تجربة جديدة ناجحة".

ويحكي أحمد سعيد الحامدي، تجربته مع هدى المقدي التي كانت شريكته في تقديم برنامج إذاعي ثم في الحياة، "اتصلت بي هدى وعرضت علي فكرة البرنامج، في البداية كنت متخوفًا من خوض التجربة ولكن الحمد لله عملنا سنة ونصف معًا وكانت من أنجح التجارب العملية بالنسبة لي، بعدها فكرت في الارتباط بهدى، وفعلًا تقدمت لها وتزوجتها، واليوم نحن زوجان نعيش حياة مليئة بالحب والتفاهم، واجهتنا الصعوبات كوننا كفيفين، ولكن كنا نتغلب عليها بالإرادة والعزيمة والإصرار ومساعدة الأهل والأقرباء.  هدى إنسانة محبة للنجاح والكفاح ومحبة لعملها محبة للعمل الإنساني خصوصًا مع الأطفال وكبار السن، ناجحة في دراستها ومن ثم في عملها وهي اليوم زوجة ناجحة جدًا".

عين لا ترى سوى النور
ولهدى مواهب متعددة وتطلعات وآمال تطمح لتحقيقها، "أحب الهندسة الصوتية وهي شغف بالنسبة لي وأرغب بأن أطور نفسي في هذا المجال، وأرى أنه عند اتقاني لعلم الهندسة، سيخدمني ذلك بأن أضع لمسة لبرامجي التي أطمح أن تكون إضافة إلى تقديمها وإعدادها وتنسيقها، أن أكون المنفذة الصوتية لها،  أرى أن ذلك سيخدم البرنامج وسيكون له لمستي الخاصة، بدأت فعليًا بذلك فقد حضرت دورات أون لاين في مجال الهندسة ومازلت أعمل كثيرًا في هذا المجال".
وتضيف عن نفسها: "أحب المطبخ مثلي مثل أي أنثى، ولكن واجهتني صعوبات في بداية الأمر، حيث الفاصوليا التي أعددتها واحترقت قليلًا، ومن ثم كأي امرأة تعتمد على نفسها التحقت بقروب للكفيفات، تعلمت من خلاله عمل الكثير من الأطباق".

دعم مستمر
يؤكد العماري بأن هدى اليوم اسمًا لامعًا ومعروفًا في مجال الإعلام والصحافة، استطاعت أن تصنع ما أخفق الكثيرون في صنعه، فمن الفرص التي قدمت للإذاعة وحصلت عليها هدى دبلوم الصحافة والإعلام المقدم عن طريق جامعة التعليم المفتوح ورشحنا هدى له، فعلًا كانت تبهرنا في كل مرة وتحصل على ما تطمح له، فهي اليوم إضافة للبكلاريوس حاصلة على دبلوم الصحافة والإعلام من جامعة التعليم المفتوح".

طموح لا نهاية له
"اليوم أنا أطمح لأقدم برنامجًا تلفزيونيًا وفعلًا تم طرح الفكرة"، تقول هدى الكفيفة التي لا ترى شيئًا يقف أمام طموحها، وعن ذلك يقول العماري بأن "الإعاقة ليست عائقًا لتقديم هدى البرنامج، وإذا أرادت أي وسيلة إعلامية الدفع بهم ممكن أن تحدد عناوين الحلقات وتساعدهم في البداية مثل ما عملنا في الإذاعة، وأي عمل تلفزيوني يحتاج أنك تقف مع المذيع وإن لم يكن كفيفًا، تدارس معه الأفكار توجهه، إذ أن بعض المذيعين يتعبون كثيرًا عند اتجاههم للتلفزيون، وكل شيء بالتوجيه يصبح سهلًا وسلسًا، بل أنا أرى من وجهة نظري أن تجربة هدى المقدي في التلفزيون ستشكل للتلفزيون نجاحًا كبيرًا لتتطرق لشريحة مهمة في المجتمع هم أهلنا وإخواننا، شريحة لم يختاروا هذا الخيار ولكن هذا قدر مكتوب عليهم، دورنا الدفع بهم، خصوصًا مع وجود التمييز والإبداع والمثابرة والنجاح التي أثبتته هدى".
التحقت هدى بالمبادرة الإعلامية للمعاقين بصريًا، وتم إنتاج برنامج يعرض على اليوتيوب اسمه "بصائرهم تحكي عنهم" يتكلم عن المعاقين فقط وتم إنتاج فلاشات توعوية وإعلانات وغيرها الكثير بمشاركتهم.

المجتمع المعيق
كل ذلك وهدى لازالت تواجه إشكالًا ينغص عليها نجاحها بتمكنها من تحقيق مرادها، " ما يزعجني حقًا هو نظرة المجتمع السوداوية أحيانًا، وقلة فرص العمل للشخص الكفيف، رسالتي اليوم أوجهها للمجتمع لا تكونوا أنتم المعيقين لنا، نحن لا نريد منكم إلا أن تقبلونا كما خلقنا".
ووجه العماري رسالة لجميع الإعلاميين ومدراء المؤسسات الإعلامية وغير الإعلامية بأن يولوا هذه الشريحة من أصحاب الهمم الأهمية ويدمجوهم في المجتمع ويعطوهم نصيبهم من الوظائف. "أبرزوا نقاط القوة والإبداع فيهم وأهلوا نقاط الضعف واصقلوها ودربوهم، فهم أبناؤنا وإخواننا لم يختاروا الإعاقة، ولكن حب الله لهم وإرادته لتعويضهم في الدار الآخرة هي سبب إعاقتهم.. ورسالتي لأصحاب الهمم أنفسهم بأن الإعاقة ليست نهاية الحياة، بل هي القوة والحماس والإصرار والثبات وصناعة التغيير في المجتمع".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى