دع قلبك يشتعل حبا ومودة

> إن الحرارة هي المادة الفاعلة والمغيرة لصفات الأشياء، ولا تنفك أبدا في نهجها وروعة عملها الدؤوب، فما من شيء تعامل معها، إلا قلبته وغيرت من طباعه أو صفاته، وما من معدن إلا تغير عند مداخلته مع الحرارة، أكانت خارجية مسلطة أم داخلية نابعة من القلوب. وفيما أرى الثانية، إنها أقوى وأروع وألطف، فالحرارة الخارجية تتقد ثم تتلظى، وقد تصل بنا إلى التغيير النهائي وذوبان وفناء الذات، لكن الحرارة الإنسانية الداخلية مهما استعرت وتلظت والتهبت فإنها ستحدث فرقا اسمى وتغييرا أرفع وأرقى، بل وأكثر عطاءً وأبهى صورة وعملا، نتائج هذه، محبة صفاء صلح مع الذات رقة سمو لطف قرب من الله وأوامره، ونتائج تلك الفناء والنهاية والعدم. لما كان الأمر أن تترك قلبك يشتعل حبا لمن تمر به من الخلق، وكنت كقطعة المعدن في آتون النار، كان ذلك هو المطلوب.

أن تزداد الأشواق إلى خلق الله، وهذا أحد أسرار دين الله، ولذي سيؤدي حتما إلى فتح أبواب القلوب؛ لتتضح بها رؤى غير الرؤية الضيقة التي لا ترى أبعد من حدود الأنوف. تبدأ آنذاك نظرات الحب واللطف وعلة وجود الإنسان وسببه، وبها تسمو علاقات الإنسان وتسرع به لجنات القرب من مرضاة الله. لمَ نمنع هذه النار اللطيفة النابعة من جوهر الفؤاد والروح من القيام بعملها اللطيف الذي خلقت لأجله، ونشعل نارا حاقدة لا فائدة ترجى منها غير الفناء والخيبة والظلام واللاحب، فمن أحق بالمحبة، عباد الله وخلقه أم ذاتي وغروري وأنانيتي ونفسي اللئيمة المقطعة، التي لا تعرف حقيقة الوصل والوصال واللذة والجمال ومآل المآل.

ليس في عالم الملك والوجود وقتا طويلا كي نضيعه ونهدر به جليل صفاتنا وقلوبنا التي خلقت للحب والعطاء، فهذه دار فناء ووهم، وليس لنا في هذا الوجود الوهمي، إلا التزود بما سيحتاجه الروح في عوالمه العليا وحقيقة وعلة خلق الإنسان وهو عالم الملكوت اللانهائي والسرمدي الأزلي.
المحبة سر الوجود والمحبة سبب انكشاف الأسرار، المحبة علة خلق الإنسان في الحياة الدنيا وسبب وسر نجاحه في الحياة الأخرى.
هنيئا لمن عمر قلبه الحب والوفاء والعطاء لعباد الله وأحبائه، وتقرب إلى قلوبهم، فلم يبق من العمر إلا لمما؛ فأسرعَ ومسحَ غبار قلبه وأدران نفسه في سبيل المحبوب بكل حب ووفاء وذل وانكسار للعلي المقتدر المختار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى