اليمنيون شمالا وجنوبا يدفعون ثمن انتهازية السلطات الحاكمة

> من سوء حظ اليمنيين أن الكارثة التي حلّت بهم مزدوجة ولا وجود لمخرج طوارئ.
لم تكتف الأقدار بجلب الانقلاب الحوثي الذي أحال حياة الناس شمالاً إلى جحيم، بل جعلت مصير سُكّان محافظات الجنوب والشرق تحت رحمة سلطة عبثية مماثلة، مع فارق أن الأداء الكارثي للأخيرة يحظى باعتراف دولي.
بعد سبع سنوات من الحرب تبخرت الوحدة السياسية بوجود نظامين حاكمين أو أكثر، والاقتصادية بعُملتين نقديتين، وتشرذمت الجغرافيا الواحدة.

المعاناة فقط هي من حافظت على زخمها الوحدوي من أقصى اليمن إلى أقصاه، والسبب في ذلك يعود إلى أن أسوأ ما أنتجه التاريخ اليمني من سلطات فاسدة وفصائل منفلتة ونُخب انتهازية، هي التي تتصدر المشهد في هذه اللحظات العصيبة، وهي من تعمّم العذاب إلى منزل كلّ يمني.

في صنعاء، لم يعد الناس ينتظرون من السلطات الانقلابية سوى البقاء على قيد الحياة، وهذا منجز كبير تقدمه جماعة دموية مثل الحوثيين، وفي عدن وباقي المدن التي تسّمى مجازاً بالمحرّرة، ينتظر السكّان من الحكومة أي دليل مادي يبرهن أن الشرعية التي يُفترض أن توفر لهم الأمان والعيش الكريم، لا تزال على قيد الحياة.

كان الاعتقاد بأن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، مسلوبة القرار والمقار بعد إجبارها على العيش في فنادق المنفى، لكن الكارثة أنها بدت منزوعة الأحاسيس أيضاً. مشلولة ومثيرة للشفقة.

خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، تعرضت الحكومة اليمنية لانهيارات شاملة على كافة المستويات. فشل سياسي وعسكري واقتصادي، حتى جبهة التغريد على "تويتر"، والتي يتفوق فيها مسؤولوها على الحوثيين من حسابات مطرزة بالعلامة الزرقاء، انهارت هي الأخرى. أكثر من سبع مديريات في محافظات البيضاء وشبوة ومأرب التهمها الحوثيون في غمضة عين. الريال اليمني في مناطق الشرعية فقد نحو 20 % من قيمته خلال شهر فقط. أما في المجال السياسي، فالخيبة هي أبرز الثمار المحققة في كل المحافل الإقليمية والدولية.

كل هذا الفشل المزدوج، لم يدفع الحكومة الشرعية للظهور ومكاشفة الشارع اليمني حول حقيقة ما جرى وما سيجري خلال المرحلة المقبلة، أو الإعلان عن معالجات سريعة لمكامن الخلل أو محاسبة المقصرين.
إذا كان سقوط مديريات عدة، وانهيار الريال إلى 1200 أمام الدولار الواحد، أي بفارق 100 % عن أسعار الصرف في صنعاء، لم يستفز قيادة الشرعية، فما هو الحدث الجلل الذي يمكن أن يقضّ مضاجعها ويجعلها تفيق من سباتها الطويل؟

أي انتكاسة عسكرية لا يتحملها الجندي المرابط في خطوط النار منذ أشهر من دون مرتب ولا سلاح نوعي يصدّ به الهجمات الحوثية المزودة بكافة الإمكانات الإيرانية المتطورة، بل تتحملها الحكومة الشرعية التي يقاتل هذا الجندي تحت رايتها، وأي تدهور اقتصادي لا يتحمله المضاربون بالعملة، بل السلطات الحكومية المسؤولة عن حماية المواطن من السماسرة وتجار الأزمات.

مع غياب أي ردّ فعل للحكومة، يبدو أن الأوضاع الاقتصادية، وقبلها العسكرية، ستنزلق إلى نفق مجهول خلال الأشهر المتبقية من العام الحالي، ولن يكون بمقدور المواطن شراء قرص الخبز بعدما ارتفع من 5 ريالات قبل الحرب إلى 50 ريالاً.
يدفع اليمنيون شمالاً وجنوباً ثمن انتهازية السلطات الحاكمة التي تتخذهم رهائن لمشاريعها الضيّقة. يرفضون تقديم الخدمات اللازمة أو وقف الحرب بالذهاب إلى الحل السياسي. المواطن مجرد ورقة في قبضة تجار الحرب. لم تسفر الأزمة اليمنية عن مجاعة، بل يتم تجويع الشعب بشكل متعمد.

"العربي الجديد"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى